لم يكن التحذير المضحك الذى أصدرته السفارة الأمريكية فى القاهرة قبل يومين وسارت على نهجه سفارات دول أخرى «تابعة» بشأن احتمال وجود مخاطر أمنية فى مصر اليوم الأحد، سوى أحد الأدلة الدامغة الجديدة على كيفية توزيع وتنسيق الأدوار بين المؤسسات الإعلامية الغربية، وتحديدا الأمريكية والبريطانية، والبعثات الدبلوماسية فى القاهرة ضد استقرار مصر. فعلى طريقة «يكاد المريب يقول خذونى» جاءت التحذيرات الأمنية من نفس الدول التى تمارس صحفها ووسائلها الإعلامية الكبرى الدور نفسه على مدار العام بأكمله لتصوير مصر على أنها «دولة فاشلة»، وغير مستقرة أمنية، ولا تصلح لاستضافة المؤتمرات والأحداث الكبرى، ولا لاستقبال السائحين أو الزائرين، وليست قادرة على تلبية متطلبات شعبها، وأبرزها الأمن، على الرغم من أن هذا ليس هو المتبع مع أى دولة أخرى تواجه بالفعل تهديدات أمنية جمة. لا يختلف كثيرا الدور الذى تقوم به وسائل الإعلام الغربية فى إبراز هذه الصورة، مع الدور الذى تلعبه السفارات ببياناتها التحذيرية هذه المثيرة للسخرية والدهشة والمخالفة لكافة الأعراف الدبلوماسية، فالجهتان تمارسان خطة واحدة، وتسعيان لتحقيق هدف واحد، هو ضرب الاقتصاد المصرى، وتقويض ثقة المواطن المصرى والسائح والمستثمر الأجنبى فى أمن واستقرار هذا البلد، وفى أهون الأحوال، الهدف «العكننة» على المصريين فى اليوم الذى تنطلق فيه الاجتماعات البرلمانية فى شرم الشيخ فى حضور عدد كبير من الوفود الأجنبية. والذى يثبت هذا الدور المنسق والمنظم والذى يكمل بعضه بعضا، التقارير التى بثتها وسائل الإعلام الغربية عن مصر فى الفترة الماضية، والتى ركزت على فكرة ضرب الاقتصاد المصرى، بما فى ذلك، التقارير عن حادث قارب الهجرة غير الشرعية، وأزمة قمح الإرجوت، وقضية الصادرات الزراعية المصرية لروسيا، والربط بين هذه الأخبار السلبية وبين السياسات الأمنية، مثل إبراز «رويترز» بشدة خبر الحكم القضائى الصادر بتجميد أصول النشطاء الخمسة والمنظمات الثلاث غير الحكومية فى القضية المنظورة أمام المحاكم منذ خمسة أعوام، وما تضمنه تقرير الوكالة من تصريحات على ألسنة عدد من هؤلاء النشطاء الحقوقيين التى يقولون فيها إنهم يواجهون أسوأ عمليات قمع فى حياتهم، وأن الحكم الصادر ضدهم مسيس، لأن الهدف منه هو الانتقام من المنظمات غير الحكومية التى تفضح التجاوزات والانتهاكات التى تمارسها الدولة، بحسب تعبير أحدهم. كما لم يفت الوكالة أن تكرر الخطأ نفسه فى الربط بين الحكم القضائى على النشطاء وبين الحملة الأمنية التى تقوم بها السلطات المصرية فى شمال سيناء، ضد من وصفتهم الوكالة فى تقريرها يوم 17 سبتمبر الماضى ب«تمرد الدولة الإسلامية فى شمال سيناء»، فى إشارة إلى العناصر الإرهابية فى سيناء، ولم تنس أيضا أن تربط بين هذا الحكم وبين مواجهة هذا الإرهاب، أو هذا «التمرد»، وبين تدهور الوضع الاقتصادى فى البلاد، علما بأن الإرهاب الذى تصفه رويترز بالتمرد لإصباغ طابع سياسى عليه هو السبب الرئيسى وراء تدهور الاقتصاد حاليا! وعلى الرغم من الزيارة الناجحة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة، واللقاءات المكثفة التى عقدها الرئيس مع قادة الدول المشاركة فى الاجتماعات، ومع المرشحين الجمهورى والديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نيويورك، بناء على طلب منهما، فإن وكالة «أسوشيتدبرس» للأنباء بذلت جهدا كبيرا للتقليل من أهمية هذه الزيارة وهذه اللقاءات، فبثت بتاريخ 18 سبتمبر خبرا بعنوان «مصر تتطلع لتلميع صورتها من خلال زيارة الرئيس السيسى للأمم المتحدة»، وليس مفهوما كيف سعت مصر لذلك، ومرشحا الرئاسة الأمريكية هما اللذان طلبا لقاءه فى مقر إقامته بنيويورك، كما نشرت الوكالة الأمريكية نفسها يوم 21 سبتمبر الماضى أيضا تقريرا تزعم فيه أن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تعرضت لانتقادات بسبب مشاركة أقباط فى مظاهرات استقبال وتحية الرئيس فى نيويورك، على الرغم من أن هذه الانتقادات كانت مدرجة ضمن بيان وقع عليه مئات الأقباط معظمهم من النشطاء ولا يمثلون بأى شكل من الأشكال موقف الكنيسة، وعلى الرغم أيضا من أن أبناء الجالية المصرية فى الولاياتالمتحدة هم الذين كانوا فى استقبال الرئيس، بغض النظر عن دياناتهم أو انتماءاتهم. وكانت الوكالة قد نشرت تقريرا «بكائيا» أيضا يوم 17 سبتمبر حول موضوع تجميد أموال النشطاء الحقوقيين، واعتبرت حكم المحكمة بأنه «آخر ضربة لمجتمع النشطاء الذى كان يفيض بالحيوية فيما مضى، والذى يتم إخراس صوته إلى حد كبير من خلال الإجراءات المتشددة التى تفرضها الحكومة عليه»، دون أن يحاول التقرير الحديث بحيادية وموضوعية عن طبيعة الاتهامات الموجهة إلى هؤلاء، وما إذا كان من الممكن أن تمر هذه الاتهامات على خير وسلام إذا ما كنا بصدد الحديث عن أى دولة أخرى لديها قانون ونظام يحكم عمل منظمات المجتمع المدنى «الحقيقى»، والنشطاء «الحقيقيين»، كما لم تجرؤ الوكالة فى هذا التقرير ولا فى أى تقرير آخر أن تتناول ما يوضح صورة هذه المنظمات وهؤلاء النشطاء لدى المواطن المصرى العادى بعد الدور المريب والسلبى الذى لعبه بعض هؤلاء فى الفترة الماضية. وهكذا، فإن جهود الإعلام الغربى لن تتوقف عن تشويه صورة مصر، ومحاربتها بشتى الوسائل، حتى وإن كانت تلك الأساليب مستندة إلى أوضاع سلبية حقيقية على الأرض، لأن مسببات هذه الأوضاع جزء كبير منها يعود إلى هذا الدور التدميرى الذى يلعبه هذا الإعلام فى الترويج لجماعات الإرهاب والفوضى المسئولة عن الوضع الحالى، وواضح أيضا أنه إذا ما اقتضى الأمر، تنال هذه التوجهات دعما من جهات أخرى، كما هو الحال فى الدور الذى قامت به السفارات فى أزمة «بيانات التحذير» الأخيرة، التى أثارت غضب المصريين جميعا.