«فيرجسون».. «نيويورك».. «تشارلوت» .. «لوس أنجلوس».. وغيرها من عشرات المدن الأمريكية تحمل وصمة العنصرية، حيث شهدت الولاياتالمتحدة تصاعدا مرعبا فى جرائم الشرطة ضد الأقليات، وخاصة السود، منذ واقعة مقتل الفتى الأسود مايكل براون - 18 عاما - فى فيرجسون بولاية ميزورى عام 2014، حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من أن وصول الرئيس الأمريكى بارك أوباما للبيت الأبيض قبل ثمانى سنوات كان بمثابة انتصار لحق السود الأمريكيين، وبمثابة إعلان نهاية حقبة العنصرية المشينة ضد السود فى الولاياتالمتحدة، باعتباره أول رئيس أسود يسكن البيت الأبيض، فإن هذه الآمال لم تكن سوى جزء من وهم «الحلم الأمريكي» الذى يتحطم يوما بعد الآخر على صخرة الواقع. فالإحصائيات والتقارير الرسمية والصحفية تشير إلى أن الفترة الثانية من ولاية أوباما (2012- 2016) تعد من أكثر الفترات التي شهدت ارتفاعا مطردا فى معدلات الجرائم التى ترتكبها الشرطة ضد الأقليات السوداء فى الولاياتالمتحدة، وهو ما شكل صدمة بتصاعد حدة الكراهية لهذه الشريحة التى تمثل أحد أهم مكونات المجتمع الأمريكي، خاصة أن ظاهرة قتل السود على يد الشرطة، أدت لتزايد المظاهرات من قبلهم احتجاجا على تعامل الشرطة معهم، والتى تحولت إلى روتين يومى يمتد من ولاية لأخرى يوما بعد آخر. وتشير الإحصائيات التى بثتها بعض المنظمات الأمريكية إلى مقتل 566 أمريكيا على يد الشرطة، ومعظمهم من السود، ما بين يناير ويوليو من العام الحالى. وتصدرت مدينة لوس أنجلوس قائمة أكثر المدن التى شهدت وقائع عنف الشرطة، بينما أشارت الأرقام إلى أن 26٪ من ضحايا عنف الشرطة هم من السود، رغم أنهم يمثلون حاليا 13٪ من إجمالى السكان. وتؤكد الإحصائيات أنه فى عام 2015، تم تسجيل سقوط 704 قتلى على يد الشرطة الأمريكية. أما الإحصائية التى أوردتها صحيفة «واشنطن بوست» فتؤكد مقتل 990 أمريكيا على يد الشرطة فى 2015، من بينهم 258 أمريكيا أسود. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه فى 2016 تم تسجيل 708 ضحايا للشرطة، من بينهم 173 من السود. كما أوردت صحيفة «الجارديان» البريطانية قائمة تضم أكثر المدن والولاياتالأمريكية التى شهدت أعمال عنف ضد السود، حيث رصدت 20 مدينة فى مختلف أنحاء الولاياتالمتحدة، هى لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، وفينيكس بأريزونا، وهوستون بتكساس، وألبوكيرك بنيومكسيكو، وسان أنتونيو فى تكساس، وتشارلوت فى كارولاينا الشمالية، وتولسا بأوكلاهوما، ودينفر بكولورادو، وكولومبوس بأوهايو، وأورلاندو بفلوريدا، ونورفولك بفيرجينيا، وتكسون بأريزونا، وأوستن بتكساس، وتامبا بفلوريدا، وبروكلين بنيويورك، وستوكتون بكاليفورنيا، وواشنطن العاصمة، وبالتيمور فى ميريلاند، ورينو بنيفادا. كما أكدت الجارديان فى تقرير منفصل أن أغلب ضحايا الشرطة الأمريكية من المراهقين السود، مشيرة إلى أن عام 2015 شهد أعلى معدل لقتل المراهقين والشباب من السود، حيث أشارت إلى أن احتمالية قتل الشرطة للمراهقين من السود أكثر خمس مرات من إمكانية قتلهم للمراهقين من البيض من نفس المرحلة السنية. بل ذهبت الصحيفة إلى حد تأكيد أن الشرطة الأمريكية قتلت أكثر من ألف مراهق أسود خلال 2015، وأوضحت أن الضحايا فى الأغلب من الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 عاما. وتشير الإحصائيات أيضا إلى أن 30٪ من الضحايا السود غير مسلحين، مقارنة ب19٪ من الضحايا من البيض، كما تؤكد أن 69٪ من الضحايا غير مسلحين ولم يستخدموا العنف ضد الشرطة، مقارنة ب31٪ كان يشتبه فى أنهم مسلحون أو أنهم سيلجأون لاستخدام العنف، وهو ما يشير إلى أن الخوف من تورطهم فى ارتكاب جرائم ليس المحك أو السبب الرئيسى وراء استخدام عناصر الشرطة للعنف ضد هؤلاء الضحايا. إن المظاهرات الغاضبة والعنيفة التى شهدتها مدينة فيرجسون فى ولاية ميزورى فى أغسطس 2014، لم تكن سوى شرارة البداية لواحدة من أسوأ موجات العنصرية العنيفة التى شهدتها الولاياتالمتحدة على مدى التاريخ. وعلى الرغم من أن هذه الواقعة هزت العالم وشوهت صورة الديمقراطية الأمريكية، فقد أعقبها العديد من الأحداث الأخرى الأسوأ، حيث شهدت ولاية نيويورك ما يشبه «الثورة» ضد الشرطة، التى أعلنت بدورها غضبها عمَّا تتعرض له من ضغوط، على حد تعبير قيادات شرطة نيويورك فى نهاية 2014 وبداية 2015. وبدلا من الوصول إلى حلول، تحول الأمر إلى مواجهة علنية، ربما كان أسوأها ما شهدته مدينة تشارلوت فى كارولاينا الشمالية قبل أيام، عندما قتلت الشرطة رجلا أسود أعزل مصابا بمرض فى المخ، والأدهى أن التسجيلات أكدت أن عناصر الشرطة تجاهلت تحذيرات وتوسلات زوجة المجنى عليه التى طالبتهم بعدم قتله لمرضه الشديد. لقد تحولت جملة «الشرطة تقتل أسود ب14 رصاصة» أو «مقتل أسود مشتبه به على أيدى الشرطة» إلى عناوين تقليدية فى صحف العالم، وتحولت عنصرية الشرطة الأمريكية إلى حدث شبه يومي. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية توضح حقيقة الموقف، فإن المنظمات غير الحكومية والإنسانية تكشف حقيقة وحشية الشرطة الأمريكية التى تزداد سوءا يوما بعد الآخر. .. وأصبح السؤال الآن هو: إلى أين تتجه الديمقراطية الأمريكية؟