يتزايد التشدد الدينى فى المجتمع الإسرائيلى ويفرض هيمنته على القرار السياسى ويشكل قوة ضاغطة تتجه بالمجتمع الى عنف محتمل وصراع بين العلمانيين والمتدينيين ظل خفيا طوال سنوات وها هو يظهر بشدة فى معركة "السبت المقدس"، فإن الحريديم المتدينيين حماة التوراة وحراس التلمود يعملون على زيادة التشدد الدينى لدى مجموعات متزايدة فى التيار الدينى الصهيوني، يريدون الحفاظ على جميع قوانين الإكراه الديني، وترسيخها فى كافة جوانب الحياة، وهذا ما يقلق جمهور العلمانيين الإسرائيليين، ومعهم قادة الاقتصاد الخاص والعام، لما فى ذلك من انعكاسات تعد بنظرهم خطيرة على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلى والوجه العلمانى لكيانهم. وما يدور من صراع على “السبت المقدس” نموذج مصغر لأزمات أشد عمقا تشهدها إسرائيل على مستوى الصراع الدينى العلمانى وتحاول المؤسسة الإسرائيلية إخفاءها، إلا أنها نتيجة طابعها الحاد تتفجر من حين إلى آخر، حتى الوصول إلى انفجار أضخم مستقبلى كل الدلائل تشير الى احتمال وقوعه. أن تحرك كتل الحريديم الدينية قد يكون فيه خطوة استباقية وتحذيرية لأى محاولة فى الحكومة والائتلاف الحاكم لتغيير “الوضع القائم” فى كل ما يتعلق بقوانين الإكراه الديني، فقد أدرج على جدول أعمال الكنيست بمبادرة عشرات النواب ما لا يقل عن 100 مشروع قانون كلها تتعلق بالجانب الديني، مثل قوانين تدعو إلى تحرير حركة المواصلات والحركة التجارية أيام السبت، تقابلها قوانين تدعو للتشدد فى ما هو قائم. كذلك من أبرز مشاريع القوانين التى تقلق الحريديم، تلك التى تطالب بوقف احتكار إصدار شهادات الحلال على السلع الغذائية وتحتكرها الجماعات الدينية وتحقق من ورائها عائدا ماديا كبيرا، وهذه المسألة ليست فقط دينية بقدر ماهى اقتصادية مالية لجمهور الحريديم. ورغم عدم وجود قانون رسمى يحظر المواصلات العامة أيام السبت، لكن هناك اتفاق غير مكتوب بين الحكومة والتيارات الدينية وخاصة المتزمتة منها، منذ عام 1948، بعدم تسيير المواصلات العامة وتبقى الشوارع والطرقات مفتوحة فى جميع المدن والبلدات اليهودية، باستثناء شوارع قليلة جدا فى المدن الكبري. ويمكن مشاهدة حظر كلى لحركة السير من حافلات والسيارات الخاصة فى مستوطنات يسكنها المتزمتون فقط، مثل موديعين عيليت وبيتار عيليت وإلعاد، وبعض الأحياء فى القدس. ويدافع العلمانيون عن موقفهم فى مسألة المواصلات العامة بقولهم إنه لا توجد دولة فى العالم لا تعمل فيها المواصلات العامة فى حوالى 20% من أيام السنة، فى إشارة الى أيام السبت والأعياد اليهودية، وأن هذه الأنظمة هى ضربة موجهة إلى الشرائح الفقيرة، وتتوقف حركة المواصلات العامة فى المدن وبين المدن، قبل ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات من غروب شمس يوم الجمعة، وبعد أكثر من ساعتين من غروب شمس السبت، وتعد قضية السبت اليهودى والقوانين المتعلقة بها واحدة من القضايا الخلافية الحادة بين جمهورى العلمانيين والمتدينين فى إسرائيل، ومنذ عشرات السنين لم يتوقف الجدل حول المسموح والممنوع دينيا فى أيام السبت. إن مواقف الحريديم على وجه الخصوص، وبدرجة أقل مواقف المتدينين من التيار الصهيونى الأقل تشددا دينيا، من مسألة قدسية السبت وشروط الحلال اليهودى وقوانين الأحوال الشخصية، بما فيها الزواج، معروفة على مدى سنوات، ولكن استنفارهم فى الأيام الأخيرة بعد سنوات طويلة لم يثيروا فيها مثل هذه القضية، جاء لإثبات وجودهم فى الحلبة السياسية، كجسم مقرر فى ثبات الحكومات المتعاقبة، فبعد ان صادقت وزارة المواصلات برئاسة الوزير يسرائيل كاتس، على القيام بأعمال بنى تحتية فى أوتوستراد «أيالون»، الذى يشق منطقة تل أبيب الكبرى من شمالها إلى جنوبها، على أن تتم الأعمال منذ دخول السبت عند غروب شمس يوم الجمعة، وحتى انتهاء مساء السبت، باعتبار ان ذلك يوم العطلة والأعمال تكون اثارها محدودة على جمهور المتنقلين. وحسب ما نشر فى وسائل الإعلام، فإن قادة الحريديم فى الكنيست والحكومة طالبوا رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو بالتدخل، وإقالة وزير المواصلات يسرائيل كاتس الذى صادق على تنفيذ المشاريع أيام السبت، وتدخل نيتانياهو وأصدر أمرا بوقف الأعمال يوم السبت، واضطر كاتس إلى تجميد القرار بعد تهديد نيتانياهو له بإقالته من الحكومة، واتهم نيتانياهو الوزير كاتس فى بيان صادر عن مكتبه، بالعمل على إحداث قلاقل فى الحكومة، من خلال إغضاب كتلتى الحريديم، وهذا يعد توبيخا لوزير أمام الرأى العام، فقد أيقن اليمين المتشدد، من حزب الليكود وتحالف أحزاب المستوطنين، وأيضا يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا) بزعامة أفيجدور ليبرمان، أنه لا ثبات لحكوماته إلا باحتواء كتلتى الحريديم، خاصة بعد تجربة حكومة نتنياهو الثالثة، وهذا يعرفه ويستثمره الحريديم فى هذه الحكومة، فقد نجحوا فى إلغاء جميع القوانين والإجراءات التى غيرت الوضع القائم الذى عايشوه منذ العام 1948، بدءا من إعفاء شبانهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، وصولا إلى الميزانيات الضخمة التى تتلقاها مؤسساتهم الدينية والتعليمية، بما فيها مخصصات اجتماعية، لمن يمضون معظم أيامهم وحتى حياتهم فى معاهد دراسة التوراة.