«البدوي»: دعم الرئيس السيسي للعمال حجر الأساس في خروج مصر من قوائم الملاحظات    التصدي لحالة بناء مخالف في دمياط    منافذ التموين تواصل صرف مقررات يونيو في ثالث أيام عيد الأضحى    «القاهرة الإخبارية»: الاحتلال يستهدف مراكز المساعدات جنوب ووسط قطاع غزة    روسيا تعلن إسقاط 66 مسيرة أوكرانية فوق العاصمة موسكو وعدة مقاطعات    زيزو: الأهلي عنوان النجاح.. وفضلّته على كل العروض    التشكيل المتوقع لفرنسا وألمانيا في دوري الأمم الأوروبية    من أجل ماينان.. تشيلسي يقدم عرضه الأخير إلى ميلان    بعد الانتهاء من تجهيزه.. افتتاح مركز زوار قلعة قايتباي بالإسكندرية    مصرع شاب في حادث انقلاب دراجة بخارية بقنا    مصرع شاب بالمحلة الكبرى في مشاجرة بالأسلحة البيضاء    التفاصيل الكاملة لحفل روبي في مهرجان «موازين»    نادي العاملين بمحافظة أسيوط يفتح أبوابه خلال أيام عيد الأضحى لاستقبال المواطنين    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بالمجان ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام    كولومبيا.. إصابة مرشحًا رئاسيًا بين أنصاره خلال تجمع انتخابي    متحدث مستشفى شهداء الأقصى: كميات الوقود بمستشفيات غزة تكفى فقط ليومين    بيان عاجل من «الزراعيين» بعد التعدي على مسؤول حماية الأراضي في سوهاج (تفاصيل)    مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    الأنبا يؤانس يرسم ثلاثة كهنة جدد بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط    العيد أحلى.. مراكز شباب بني سويف تستقبل أهالى القرى للاحتفال باليوم الثالث بعيد الأضحى.. صور    تفاصيل جديدة تقرب زين الدين بلعيد من الزمالك    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    محافظة الشرقية: إزالة سور ومباني بالطوب الأبيض في مركز الحسينية    بعد بيان وزارة المالية.. موعد صرف مرتبات يونيو 2025 للموظفين والزيادة الجديدة    مقتل شاب في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بالمحلة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مواعيد امتحانات الميدتيرم، الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026 بالجامعات    «الداخلية»: ضبط 519 شخصًا بتهمة الاتجار في المخدرات وحيازة أسلحة نارية    الداخلية توزع مساعدات على سكان المناطق الحضارية الجديدة بالعيد..فيديو    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    بعد زواجه من أسما شريف منير.. معلومات عن أحمد شامل عزمي    موعد ومكان جنازة وعزاء الموزع الموسيقي نوار البحيري (تفاصيل)    رسميًا.. موعد انتهاء إجازة عيد الأضحى 2025 وعودة الموظفين للعمل    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بالمجان ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    إقبال كبير على شواطئ ومعالم الإسكندرية احتفالا بثالث أيام عيد الأضحى    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    3 سنوات حبس وجوبي للزوج المعتدي على زوجته وفقًا لقانون العقوبات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    ريستارت «تامر حسنى»    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    غزة.. السودان.. ليبيا.. سوريا.. المعاناة مستمرة عيدهم فى الشتات!    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون مطالبين باتفاق تبادل أسرى ووقف الحرب    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    انقطاع التيار الكهربائي في ضواحي كييف وغارة روسية بصاروخ كروز على أوديسا    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. ثالث أيام العيد    زيزو: إدارة الكرة في الزمالك اعتقدت أن الأمر مادي.. وأنا فقط أطالب بحقي وحق والدي    بسبب بكتيريا السالمونيلا.. سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأمريكية    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيرمان هيسّه.. شاعر الرواية الألمانية عاشق الطبيعة وتآخى الثقافات..
صنعته أدبيًا حربان عالميتان
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 09 - 2016

«عندما نفقد تماسكنا وقدرتنا على تحمل الحياة , تحدثنا الأشجار قائلة : التزم الهدوء , نعم, التزم الهدوء وانظر إلىّ , توقف عن التفكير الطفولى , الحياة ليست سهلة , الحياة ليست صعبة , فقط أنصت إلى نداءات الإله بداخلك , واستمد منها قناعاتك , يراودك القلق لأن الطريق يحملك إلى حضن الأم , الوطن ليس هنا ولا هناك . فإذا لم يكن الوطن بداخلك أنت , فلا وطن لك على الإطلاق» .
«من يتعلم كيف ينصت للأشجار لايريد أن يصبح شجرة , لن يريد أن يكون شيئا آخر غير نفسه , هذا هو الوطن .. وتلك هى السعادة» .
هذه بعض كلمات شارب الطبيعة حتى الثمالة, الأديب والشاعر الألمانى الأصل السويسرى الجنسية هيرمان هيسّه الحائز على جائزة نوبل 1946 . نشر هيسّه عدة مقالات عن الأشجار يتحدث عنها حديث العاشق المتيم للطبيعة والحياة والروحانية الفلسفية والتأمل والإبداع. والروائى الشاعر هيسّه هو صاحب « لعبة الكريات الزجاجية» التى يقول عنها فيها :
وتبدأ فى وجدانى
لعبة أفكار , اهتممت بها منذ سنين
اسمها لعبة الكريات الزجاجية, اختراعة جميلة,
هيكلها الموسيقى , وأساسها التأمل .
جزء من قصيدة كتبها هيرمان هيسّه عام 1936 لخصت و أوجزت ما يجول بخاطره حول روايته « لعبة الكريات الزجاجية» التى منع الحكم النازى طباعتها أو حتى تداولها فى ألمانيا ونشرت فى سويسرا 1943. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 و حصوله على نوبل 1946 تم نشرها فى ألمانيا .
حياته
«كالف» بلدة صغيرة تقع على ضفاف نهر صغير- «الناجولد» - الذى ينبع من الغابة السوداء ثم يجرى الماء إلى نهر «النيكار» فنهر الراين. وهى منطقة من أجمل المناطق فى ألمانيا ذات طبيعة خلابة تحفز الوجدان الخلاق على الفكر والإبداع. بتلك البلدة وُلد هيرمان هيسّه فى 2يوليو 1877 وكان والده يوهانز هيسّه يعمل بالتبشير ويعمل مساعدا للمبشر
«هيرمان جوندرت», وقد تزوج من ابنته الأرملة فى أثناء عمله بالتبشير بالهند التى عمل بها لثلاث سنوات عاد بعدها لمدينة كالف.
أما هيسّه فكان متمردا بطبيعته, يميل إلى الخيال الجامح والرومانسية , ويتمسك بفكره وما يتفق مع ميوله, فقد كان له عالمه الخاص . وقد تمرد على البيت وجوه الصارم والتدين المفرط والأناشيد والصلوات . ثم تمرد على المدرسة, حيث كان يراها عدوه الأول الذى يجثم على صدره , ويريد أن يفسد عليه حياته , ويقتل موهبته وإبداعه. فقد كان يبحث عن الاندماج فى الطبيعة والولوج إلى أغوارها والانتماء لكائناتها والتخاطب مع الزهور والحشرات والفراشات, يتأمل الشجرة وهى تنمو والحيوان وهو يكبر ويعيش الطبيعة بكل جاذبيتها وتفاصيلها ودقائق أمورها.
ويقول هيسّه عن مدرسته « لم أجد طوال الأعوام الثمانية التى قضيتها فى المدرسة الابتدائية إلا مدرسا واحدا فقط أحسست تجاهه بالحب والامتنان»
ثم يقول «عندما بلغت الثالثة عشرة من عمرى تبينت بوضوح أننى إما أن أصبح شاعرا أديبا , أو لا أصبح شيئا على الإطلاق».
وأصيب نفسيا وراودته فكرة الانتحار بسبب عقاب الأسرة والمدرسة وأزمته كشاعر مرهف الإحساس يتوق إلى العزلة, مما اضطر والده بعد فشله فى علاج ابنه من مس شيطان الشعر له أن يخرجه من المدرسة ويلحقه بالعمل فى ورشة لإصلاح الساعات. هدأت نفس هيرمان وعرف السبيل للخلاص وتركت هذه المهنة أثرا عميقا بداخله ظهر فى روايته «لعبة الكريات الزجاجية». وفى عام 1895انتقل إلى توبنجن للعمل بمكتبتها وانصرف إلى تثقيف نفسه.
ثم انتقل للعمل فى بازل, وهناك تعرف على المؤرخ «فاكر ناجل» والمؤرخ «ياكوب بوركهارت», تلك الشخصية التى أوحت له بشخصية «ياكوبوس» فى لعبة الكريات الزجاجية .
وفى عام 1901 سافر إلى إيطاليا, فى رحلة وسعت مداركه وشحذت عبقريته وقريحته وأعانته على معرفة طريقه ودروبه فى الحياة وسبيله إلى الفن والموسيقى. وهناك تعرف على زوجته الأولى ماريا بيرنولى التى تزوجها 1904 ثم انتقل للعيش فى جاينهوفن حيث تعرف على الأديب « ستيفان تسفايج « صاحب «رسالة من امرأة مجهولة» و«ماريا ستيوارت» وتعرف على الموسيقار «أوتمارشوك» ملحن أوبرا «الهاربون» التى كتبها هيسّه .
وفى مساء الثامن من أغسطس 1962 كان هيسّه يستمع إلى إحدى سوناتات موتسارت للبيانو بينما كانت زوجته الثالثة تقرأ له كعادتها قبل نومه , وفى صباح يوم التاسع من أغسطس1962 فارق هيسّه الحياة بنزيف فى المخ عن عمر يناهز 85 عاما بعد أن سخر قلمه لإسعاد البشرية ونبذ العنف والحرب والدمار والدعوة لتآخى الثقافات .
أعماله
فى عام 1904 طبعت أولى روايات هيسّه وهى «بيتر كامنتسند», وقد لقيت نجاحا لا بأس به. والرواية تناقش تمرد الأبناء على الآباء وكأنه يتحدث عن تجربته الشخصية وكيف تمرد على أسرته والمدرسة أيضا واختار أن يكون بطل الرواية شاعر فاشل مشتت لم يستقر بعد على أهدافه. وهو إنسان قريب من الطبيعة ولديه قدر كبير من الروحانية ويرى أن الطبيعة تبدو له أغنية الحياة, وهى نغمه ومعزوفته فى وحدته ولا يمكن ترجمتها أبداً لكلمات . وقد سبقت هذه الرواية ديوان « قصائد رومانسية «وديوان» ساعة بعد منتصف الليل « 1899 , وتلتها رواية « جرترود « التى طبعت 1910 التى واصل فيها التنقيب والبحث داخل أغوار الفنان وفحص حياته من الداخل والخارج . والشخصية الرئيسية فيها مؤلف موسيقى يشعر بحنين للعيش فى عالم الفردوس . ويقول عنه الناقد الألمانى هانز بورج لوتى إنه منذ ظهور أعمال هيسّه الأولى أصبح نموذجا أدبيا للعمق والرمزية , حيث مزجت أعماله بين الطبيعة والروح, فقد حاول دائما أن يربط بينهما بلغة شاعرية فيما سماه بثنائية « أنشودة الحياة « .
فى عام 1911 تاقت نفس هيسّه إلى الشرق وسحره وغموضه, فسافر إلى الهند بحثا عن ذاته وطلبا للاستجمام وهروبا من الواقع القبيح المحدق به, حيث بدأت الأزمات تتكالب على أوروبا حتى ألقت بها فى أتون الحرب العالمية الأولى . وأتاحت له هذه الرحلة مشاهدة التناقض الذى يسيطر على دول العالم الحديث , وأثمرت مجموعة من القصص أهمها « بيت الأحلام « و» ثلاث حكايات من حياة كنولب « 1915 - كنولب الذى يضرب فى الأرض لا يتخذ لنفسه سكنا بعينه, بل يلوذ دائما بنفسه, يعيش وحيدا بداخلها لا يؤرقه صديق ولا حبيبة, ويسعد بالمروج والجبال والطبيعة الصافية. ولكنه فى النهاية لايجد ضالته. وتنتهى قصة كنولب بكلمات يوجهها إليه الرب « لم يكن فى المستطاع استخدامك إلا على هذا النحو ... أنت ابنى و أخى وقطعة منى, و أنت لم تذق شيئا ولم تعان من شيء إلا وكنت فيه معك.وفى رواية «روسهالدة» 1914 يرحل بطلها إلى الهند مثل هيسّه. وبطل الرواية «فرجوت» يشبه بطل رواية «جرترود» حيث ينسحب من الحياة كى يعيش فى عالم من الموسيقى والصفاء الذهنى . كما انعكست رحلة الهند أيضا على رواية «سيدهارتا» 1922 .
بعد عودته من آسيا اندلعت الحرب العالمية الأولى 1914 وتطوع هيسّه للخدمة العسكرية لكن ضعف بصره لم يؤهله لذلك, فعمل لمصلحة مؤسسة ألمانية لرعاية أسرى الحرب بمدينة برن السويسرية, لكن بغضه الحرب ورفضه الدمار والخراب وتوقه للإخاء والسلام جعله يناشد العالم بوقف طبول الحرب, فكتب عدة مقالات, منها « آه يا أصدقاء ليست تلك هى النغمات» التى دعا فيها المثقفين الألمان للتوقف عن الجدال الوطنى والاهتمام أكثر بالإنسانية. وطبعت تلك المقالات تحت عنوان « الحرب والسلام «. وفى عام 1919 قرر الإقامة نهائيا فى سويسرا وحصل على جنسيتها عام 1923 .
وقد اكتوى هيسّه بنيران الحرب العالمية الأولى, وتوالت عليه الصدمات: مابين وفاة والده وإصابة ابنه الأصغر بمرض عضال, ثم فشل زيجته الأولى مما جعل نفسه نهبا للصراعات النفسية والذهنية الحادة, فتلقى العلاج بمستشفى للأمراض النفسية والعصبية واستغرق علاجه 72 جلسة من التحليل النفسى الذى كان ذائعا فى ذلك الحين. وأشرف على علاجه ج . ب . لانج تلميذ كارل يونج العالم النفسى السويسرى الكبير, الذى كان بدوره تلميذا نجيبا مطوِّرا لفرويد. ووجد هيسّه نفسه فى فترة العلاج يرسم, وينطق بالفرشاة والألوان ما يستعصى عليه أو يوجعه التعبير عنه باللغة فى فترة الآلام تلك.
إلا أن هيسّه نجح بعد ذلك فى كتابة رائعته « قصة شباب إميل سنكلير « والمشهورة باسم « دميان « 1919. وفى هذه الرواية تعبير عن قلق تلك الفترة وعذاباتها, كما يظهر جليا تأثير التحليل النفسى عليه وأثر معرفته بيونج ونظريته فى الانطواء والانبساط واللاشعور الجمعى والنزعة المثالية والرمزية , وتنقية الطبيعة البشرية .. إلخ . وهى تدور على لسان الشاب دميان الذى يسعى لمعرفة الحقيقة وما يجرى من حوله ويقدم لصديقه أفكارا جديدة حول المرأة والحياة .
وقد وصف الأديب الألمانى توماس مان رواية دميان إنها «كهربت جيل العائدين من الحرب العالمية الأولى وإنها كانت بدقتها البالغة تمس عصب الحياة».
وفى أعمال هيسّه الأولى عموماً نجد أن التيمة الرئيسية هى البحث عن تحقيق الذات روحيا وعاطفيا, وأن بطله دائما ما يتلذذ بالوحدة ويعيش فى مدينة صغيرة بألمانيا, وغالبا ما يكون هذا الشخص فنانا رساما أو موسيقيا. وكلها تعكس المعاناة التى عاشها وكابدها هيسّه, خاصة إبان الحرب العالمية الأولى.
وتوالت بعد دميان سلسلة «السير الروحية»: فجاءت «سيدهارتا» 1922 محاولة حل تلك التناقضات التى تتنازع فكره, فى جو أسطورى هندى , حيث يتكئ سيد هارتا على شجرة جوز هند على ضفة النهر ويلف ذراعه حول جذعها فيرى الماء يفيض من النهر, ويحاول أن يلقى بجسده فى الماء. وهى تدور فى عالم خيالى يحاول فيه هارتا البحث عن ذاته داخل ذاته, وذلك من خلال قيامه بالرحيل عبر الوحدة, فى تأثر واضح بالفلسفة البوذية الهندية. إلا أن بطل الرواية يرتكب الكثير من الأخطاء مما يعجل بإصابته بالقنوط واليأس. لكنه فى النهاية يصل إلى منبع النهر ويكشف سر أسباب التوحد الإنسانى مع الطبيعة, فيما يشبه «النرفانا» أو الجنة الروحية الداخلية البوذية. و»سيدهارتا» كلمة سنسكريتية تعنى «الرجل الذى بلغ هدفه».
ثم تلى ذلك روايته الخالدة « ذئب البرارى». وفيها يدور الصراع الدرامى بين التسليم البرجوازى والتمرد الفطرى الغريزى داخل الإنسان. تتحدث الرواية عن الإنسان المعاصر الذى أصبح نصف جسد ونصف روح, وذلك نتاج لعدم التآلف بين المجتمع الطبيعة. وبطل الرواية هارى هاللر هو ما يشار إليه بالذئب. ونجده مرتبطا بالطبيعة ويتمتع بالذكاء, لكنه لا يؤمن بإيقاع الحياة الاجتماعية من حوله, ويرى أن إنقاذ روحه لا يأتى إلا من داخله . وبعد تعرفه على هرمين- وهى أيضا مخلوق نصفى نصفها جسدأنثوى ونصفها روح- يحاول هارى أن ينزعها عن كيانها النصفى الناقص وأن يتوحد معها, لكن اللغة الجسدية تسوقه إلى الفوضى: فرغم أن اللذة الجسدية ساعدت هارى هاللر على التحرر وتجاوز الحدود, لكن ذلك لم يكن هو الكمال المطلوب. هذا الجدل الدائم بين الروح والجسد نراه جليا فى رواياته عموماً, مثل سيد هارتا «, وكذا روايته « نرجس وفم الذهب « 1930, والتى تدور بين بطلين أحدهما زاهد وعقلانى وهو القديس جان والآخر, وهو جولد موند, فنان حسى متمرد يسعى وراء خلاصه الخاص عبر الأحاسيس . ويتعامل جان مع جولد موند كطفل من أبناء الطبيعة , وتنمو صداقة بينهما ويكتشفان أن الحياة لديها حسيتها مثلما لها روحانيتها .
وفى «رحلة إلى الشرق» 1932 يعود هسّه إلى روحانية الشرق ملتمسا فيها العزاء الروحى والفكرى. وفي ذلك العمل يظهر التأثير الواضح ل «يونج» فى دراسته للرموز و الأساطير فى التراث الشرقى القديم.
وفى ذروة اشتعال الحرب العالمية الثانية ظهرت روايته الكبرى «لعبة الكريات الزجاجية», التى بدأ هيسّه كتابتها عام 1931 وصدرت عام 1943. وهى درة إنتاجه وأيقونة من أيقونات الأدب العالمى وهى آخر رواياته و أطولها , و يرجح النقاد أن حصوله على جائزة نوبل فى عام 1946 كان بسببها.. وفيها وبها حاول هيسّه تسجيل وصيته الأخيرة للعالم, واضعا فى تلك الرواية خلاصة تجاربه الحياتية والفلسفية والجمالية فى نسيج أصيل تضافرت فى صنعه خبرته الفنية والشخصية مع الفلسفات الشرقية والغربية.
تقع أحداث الرواية عام 2400, فى عالم طوبوى أو نوع من اليوتوبيا, حيث ترسم الرواية ملامح الحياة على الأرض كما يحلم هيسّه أو يعتقد أن دنيانا يجب أن تكون بعد خمسة قرون من الزمان. تدور الأحداث تحديداً فى مقاطعة خيالية بوسط أوروبا أعطاها هيسّه اسم «كاستاليا»: مدينة فلاسفة أفلاطونية فاضلة يتعلم فيها الأولاد الموسيقى ولعبة الكريات الزجاجية فى مدارس داخلية مخصصة لذلك. واللعبة معقدة غامضة القواعد لايفهمها ويتعلمها إلا خاصة الخاصة, وتمتزج فيها الجملة الموسيقية بالفكرة الفلسفية. والشخصية الرئيسية يوزيف كينتش هو أحد هؤلاء الأولاد الذين تعلموا الموسيقى واللعبة على يد معلم الموسيقى وأبيه الروحى توماس فون در كلافه, الذى يرجح النقاد أنه تجسيد رمزى لتوماس مان أستاذ فن الرواية الحديثة فى ألمانيا, بينما كينتش هو هيرمان هيسّه0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.