واحة سيوة تعتبر من أهم المقاصد السياحية فى مصر وتتمتع بمناخ معتدل خلال فصلى الربيع والخريف، ويزورها السيّاح من كل أنحاء العالم لمشاهدة تلك البقعة النادرة التى نسجت حولها الأساطير والقصص التى تمزج بين الواقع والخيال، لتصبح من المزارات المهمة فى مصر. .............................................................................. ولأن الواحة ظلت فى عزلتها فترات طويلة من الزمن، فقد لجأ أهلها إلى البحث عن بدائل طبية ووصفات من الطبيعة لمعالجة الأمراض التى كانت تصيبهم فى الماضي، ومع مرور الوقت توارث أبناء الواحة الخبرات فى مجال العلاجات بالطبيعة حتى صارت من المهن التى تميز الواحة عن غيرها، خاصة العلاج بالدفن فى الرمال الساخنة أو ما يعرف بحمامات الرمال، تحت سفح جبل الدكرور الذى يرتبط بكل الأساطير التى يتوارثها السكان ويعتبر قلب سيوة النابض بالحكايات. وتعد سيوه البوابة الشرقية لبلاد الأمازيغ، وفى تلك المنطقة المعزولة حافظ سكان الواحة على تقاليدهم وعاداتهم وخاصة لغة أهلها التى تسمى «تاسيويت» التى هى إحدى لهجات الأمازيغ، ويتكلم أهل سيوه، باللغة الأمازيغية باللهجة السيوية إضافة إلى لهجتهم المصرية. وقد أدى ارتفاع أعداد المترددين من خارج الواحة على «مرادم» العلاج بالدفن فى الرمال بسيوة إلى ذيع صيتها وشهرتها، حتى أصبحت مقصدا سياحيا وعلاجيا فى حد ذاتها، وقد توجهت «الأهرام» إلى الواحة البعيدة لتجربة العلاج بالدفن فى الرمال والاقتراب أكثر من حقيقة التداوى بالطبيعة، ومعايشة المرضى الذين عانوا مشقة السفر من المحافظات المختلفة أملا فى التخلص من آلام الروماتيزم والروماتويد والانزلاق الغضروفى وآلام العمود الفقرى، وتعتبر أيضا علاجا للحد من التوتر والقلق والأرق، وعلاج لآلام الركب والمفاصل والخشونة. الشيخ عمر راجح، شيخ قبيلة أولاد موسى، يقول إن الواحة قديما لم تعرف مهنة الطب، وكان الأهالى يعالجون بالوصفات الطبيعية التى يتوارثونها جيلا بعد جيل، مثل العلاج بالحجامة والعلاج بالثوم والعلاج بالردم فى الرمال الساخنة، وكل مرض له وصفته العلاجية وله موسم أيضا، فموسم العلاج بالدفن فى الرمال مثلا يكون بين منتصف شهر يونيو ومنتصف شهر سبتمبر. ويضيف الشيخ راجح أن العلاج بالدفن فى الرمال يعتبر من أقدم الطرق العلاجية فى الواحة إلا أنه لا يوجد تاريخ معين لبداية العمل به، فهناك من يقول إن الفراعنة هم أول من عالجوا به، وهناك من يقول إن الرومان هم الأوائل، ولكن فى الحقيقة «الدفن» يعتبر طريقة سيوية خالصة لعلاج الكثير من الأمراض. وأضاف أن الاقبال على الدفن برمال سيوة ليس من المصريين فقط، ولكن من الدول العربية وخاصة دول الخليج وأيضا ياتى السياح الأجانب من الدول الأوروبية للدفن برمال سيوة وللاستحمام بعيون المياه الساخنة، وأشار إلى أن هناك محاولة قديمة لعمل مصحة عالمية وتم تصميم المشروع عند بداية الكثبان الرملية لجبل الدكرور ووصلت بعثة تضم عددا من الأطباء المختصين فى الأمراض الروماتزمية والعظام والمفاجأة ان اعتراضهم كان على تصميم المبنى فقط ليتوقف المشروع بالكامل. واضاف اننا نأمل فى إقامة منتجع عالمى للاستشفاء بسيوة والاستفادة من مقومات الواحة العلاجية, خاصة ان الواحة تتميز بمناخ جاف طوال العام وطبيعة رمالها الساخنة التى لها من الخواص ما يجعلها قادرة على علاج الكثير من الامراض وزاد من شهرتها منذ القدم ما اشتهر به كهنة واحة آمون وحملة الإسكندر الأكبر الى سيوة وزاد من ثراء تاريخها الذى ذاع فى العصر الإغريقى والرومانى واكتشف القدماء مقومات السياحة العلاجية التى تمثلت فى جفاف الطقس وكثرة عيون المياه الغنية بالعناصر العلاجية والاستشفائية التى تندفع من باطن الارض. أصول الدفن بعد رحلة طويلة داخل أعماق الصحراء الغربية القاحلة استغرقت نحو 10 ساعات متواصلة على طرق أسفلتية سوداء تتوسط الصحارى الصفراء الشاسعة انتابنى شعور لأكثر من مرة بأنها لن تنتهى أبدا، وصلت أخيرا إلى «واحة سيوة»، تلك البقعة الخضراء المنخفضة التى تتوسط آلاف التلال الرملية وتحتضنها سماء زرقاء صافية فى صفاء عيون أهاليها الطيبين الذين يبلغ تعدادهم نحو 35 ألف نسمة، تلك البقعة التى تبلغ مساحتها نحو 55 الف كيلومتر مربع وتبعد حوالى 300 كم عن ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربى من مدينة مرسى مطروح، واكتشفت فيها أقدم آثار لأقدام بشرية على وجه الأرض يرجع عمرها إلى 3 ملايين سنة. شعور غريب انتابنى بمجرد أن وطأت قدمى أرض الواحة.. فلا الأرض مثل الأرض ولا السماء لون السماء ولا البشر مثل البشر، الكل مختلف فى كل شئ، فالبيوت بنفس لون الأرض مبنية بمادة «الكرشيف» التى تشبه الطمى الممزوج بالملح ولها خواص الأسمنت، وأينما امتد البصر وقع على بساتين النخيل والزيتون الممتدة على كامل مساحة الواحة حتى امتزجت مع صفرة الصحراء لتشكل لونا آخر تزيد زرقة السماء المملوءة بالسحب الناصعة البياض من جماله وتضيف اليه سحرا خاصا. فى «المردم» القريب من جبل الدكرور كان أحمد واحى، أحد أشهر المعالجين بالدفن فى الرمال فى استقبالنا، وقدم لنا شرحا مبسطا عن فوائد «الدفن فى رمال سيوة» وكيف يعود بعدها «المدفون» إلى الحياة مرة أخري، وأكد أن العلاج بالدفن أصبح مرخصا من وزارة الصحة فى السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أنه ليس كل المرضى يمكنهم اجراء عملية الردم، فالعملية تتم تحت اشراف طبى بمعنى ان الطبيب الرسمى هو الذى يقرر ما اذا كان الشخص حالته الصحية تتحمل الردم أم لا، فهناك تلاق ما بين الطب الرسمى والعلاج الشعبى ويقرر ايضا المعالج الشعبى ان المريض اذا ما تخطى سن الثمانين يصعب علاجه بالردم لعدم قدرته على تحمل الردم او الوجود فى الخيمة العلاجية لانها تكون مغلقة دون اى فتحات تهوية ويمكث فيها نصف ساعة, وكذلك الاطفال حتى سن الثامنه عشر يصعب علاجهم حتى يكتمل نموهم تماماً وقال أن المرضى الذين يأتون إلى الواحة للدفن فى الرمال غالباً مرضى الروماتيزم والروماتويد والام المفاصل والمرضى بالنقرس ومرضى السمنة. ويقول الطبيب المقيم فى «المردم» إن إجراء العملية العلاجية بالدفن تتم من خلال مجموعة من الضوابط، أهمها انه عندما يأتى المريض الى المعالج يطلب منه المعالج نتيجة الكشف الطبى الذى أجراه المريض على نفسه أو يتوجه الى المستشفى لتحديد إذا ما كان مريضاً بالضغط أو القلب وعلى ضوء هذه النتائج يوافق المعالج الشعبى على إجراء العملية العلاجية الشعبية عن طريق الردم فى الرمال الساخنة وهو الذى يشرف ويتابع العملية العلاجية ويعاونه مجموعة من الصبيان «الرديمة». وحول تفاصيل عملية الدفن فى الرمال الساخنة يقول أبوالقاسم واحى - أحد أشهر المعالجين بالواحة - أن «كورس» العلاج يتراوح بين 3 أيام أو 5 أيام أو 7 أيام حسب المرض الذى يشكوا منه «المردوم» ،وإنه يتم عمل حفرة أفقية على قدر طول الشخص الذى يتم عملية ردمه فى الفجر، وتترك الحفرة فارغة لكى «تتحمص» من اشعة الشمس حتى الساعة الثانية بعد الظهر ثم يوضع الشخص داخلها بدون ملابس ويتم تغطية جسمه بالكامل بالرمال الساخنة عدا رأسه، وتقام خيمة صغيرة عند رأسه لحمايته من ضربة الشمس وتبدل عليه الرمال مرات عديدة على قدر تحمل الشخص للرمال, فيمكث الشخص بالحفرة مدة تتراوح ما بين 5 دقائق الى 15 دقيقة. وأضاف أن المريض بعدها يخرج ملفوفا ببطانية صوف ويدخل الى خيمته ويشرب مشروبا ساخنا مصنوعا خصيصا له, و يدهن جسمة بزيت الزيتون ولا يتعرض خلال هذه الأيام التى يحدث بها الدفن الى اى تيارات هواء . واشار إلى ان هناك العديد من الباحثين جاءوا الى سيوة لإجراء التجارب على رمال جبل الدكرور وأثبتت انها تتميز بقدرة كبيرة على العلاج من خلال حفظها لأشعة الشمس داخلها ثم توجيهها الى جسم المريض خلال عملية ردمه, مؤكدا ان بعض الناس يأتون الى سيوة وهم مقعدون ولا يستطيعون الحركة وبعد عملية الدفن استطاعوا ان يسيروا على قدميهم. ويوضح أبوالقاسم أن المريض عندما يخرج من حفرة الردم تكون مسام جسمة مفتوحة وحلقه جاف من شدة السخونة, وعند دخوله الخيمة يعطونه حلبة دافئة تساعده على إدرار المزيد من العرق، ويحرم على المريض الاستحمام بالمياه اثناء مده الردم وهى ثلاثة أيام للمريض العادى أى الذى لا يشكو الاما عضالا اما الحالات المتأخرة فقد تستمر حتى 7 أيام يقوم بتنفيذ البرنامج الموضوع. ويقول أحمد واحى - شقيق أبوبالقاسم ومدير المردم -: «نعمل كفريق تحت سفح جبل الدكرور، فمنا من هو مسئول عن عملية الدفن وآخر للتدليك بزيت الزيتون ويوجد آخر مسئول عن تحضير الوجبات الغذائية فهى أساسية فى نجاح العلاج. وقال ان هناك برنامجا غذائيا كاملا خلال أيام «الدفن»، حيث تقدم وجبه الإفطار الساعة السابعة صباحاً، بعدها يتوقف المريض عن الطعام الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الثانية والنصف عصرا، أما الغداء فيقدم نصف دجاجة او ربع كيلو لحم ضنأن او ماعز مع أرز و شوربة خضار ساخنة و تكون الوجبه الرئيسية. ويؤكد انه أثناء هذه المدة يحرم على المريض شرب أى شيء بارد أوالتعرض للتيارات الهوائية أو الاستحمام طيلة مدة العلاج ويرتدى الملابس الصوفية الثقيلة بعد العلاج لمدة 20 يوماً وعدم الجماع ويحرم تخفيف الملابس حتى تتحسن حالة الجسم للمريض وبنهاية العلاج يقوم المريض بالاستحمام بماء دافئ ويرتدى ملابسه العادية, مشيرا إلى ان الجسم يفقد خلال مدة الدفن كميات كبيرة من العرق والدهون وبالتالى يفقد الكثير من وزنه . فى النهاية فإن تلك الواحة هى بقعة من الأرض المعزولة يمتزج الواقع فيها بالخيال، والحكاية بالأسطورة، لها تعويذتها السحرية، وخصوصيتها فى عادات وتقاليد أهلها، بل وفى لغتهم الأمازيغية المتميزة، نسجت أسطورتها الخاصة من الأحداث التى مرت بها ومن عزلتها التى حافظت عليها أكثر من سبعة آلاف سنة، وتعتبر مكانا فريدا من نوعه حيث الرمال الساخنة التى يمكن استخدامها فى العلاج ولكن نأمل فى أن تتطور أساليب استخدامها وحمايتها من الاندثار عن طريق توفير بنية أساسية تساعد على الترويج عالميا لها.