وزير الشؤون النيابية: إشراف قضائي كامل على الانتخابات.. والدولة حريصة على نزاهتها    مجموعة طلعت مصطفى تطور مشروعا عالميا في بغداد بمبيعات إجمالية بقيمة 17 مليار دولار    بيان مشترك لأعضاء اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة    شهباز شريف وأردوغان يؤكدان تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين باكستان وتركيا    الملك عبد الله الثاني يوجه كلمة للأردنيين بمناسبة ذكرى الاستقلال ويثير تفاعلا    لماذا تحقق القاهرة أعلى درجات حرارة خلال الصيف الجاري؟.. خبير يجيب    حازم إمام يكشف احتياجات الزمالك من الصفقات ودور لجنة التخطيط    آرسنال ينافس بايرن ميونيخ على ضم ميتوما    "الجوازات": 961،903 حجاج وصلوا من خارج المملكة    عمرو أديب عن مصادر بأسرة نوال الدجوي: منفتحون على الصلح ولم نحدد موقفنا من حضور جنازة أحمد    حفل كأس إنرجي للدراما يكرم نجوم موسم رمضان 2025    على أنغام «اليوم الحلو دا».. رقص تامر حسني وأحمد سعد في العرض الخاص لفيلم ريستارت (صور)    عمرو أديب: «ترتيب الأحداث غريب بنت نوال الدجوي توفت في حادثة من شهور والنهارده الحفيد»    تنفيذ أضخم مشروع جينوم بالشرق الأوسط وتسليم عينات جينوم الرياضيين    "لا ينقص سوى موافقته".. رئيس نابولي يعلق على مفاوضاته مع دي بروين    ماذا قال "سفاح المعمورة" أمام جنايات إسكندرية؟    وزير المالية الألماني يبدي تفاؤلا حذرا حيال إمكانية حل النزاع الجمركي مع واشنطن    6 مصابين في انقلاب ميكروباص أعلى الأوسطي    سكن لكل المصريين 7.. ننشر أسعار شقق المدن الجديدة تسليم بعد 18 شهرا    «نقل البرلمان»: توافق على موازنة جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي    الشرق الأوسط: حلم النخبة يعود ل النصر.. قبول الاستئناف ضد العروبة    وزير الثقافة: لم نصدر أي قرار بإغلاق بيت أو قصر ثقافي أو فني    تامر حسني يصل العرض الخاص لفيلمه الجديد «ريستارت» | صور    4 أبراج «بتفتكر إنها محسودة».. يفقدون الثقة في أنفسهم ويعانون من تقلبات مزاجية    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب    هاتريك من مقاعد البدلاء.. سورلوث يكتب التاريخ مع أتلتيكو مدريد    تطوير خدمات طب العيون بدمياط بإمداد مستشفى العيون بجهاز أشعة مقطعية متطور    حارس أتلتكو مدريد: تركيزنا الآن على كأس العالم للأندية    قريبًا.. انطلاق برنامج "كلام في العلم" مع دكتور سامح سعد على شاشة القناة الأولى    "بعد عودته للفريق".. ماذا قدم محمود تريزيجيه خلال رحلته الاحترافية؟    هل السجود على العمامة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح الأفضل شرعًا    أبوتريكة يحدد الأندية الأحق بالتأهل لدوري أبطال أوروبا عن إنجلترا    وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزير الخارجية النرويجي    قبل أيام من قدومه.. لماذا سمى عيد الأضحى ب "العيد الكبير"؟    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    محافظ المنوفية يتابع أعمال رصف وتطوير مدخل شبين الكوم الجديد    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    وزارة الداخلية تواصل تسهيل الإجراءات على الراغبين فى الحصول خدمات الإدارة العامة للجوازات والهجرة    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمار على حسن: أضع اللمسات الأخيرة على «بيت السنارى»
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 09 - 2016

انتهيت من اللمسات الأخيرة لروايتى «بيت السناري» وهى رواية تلتقط حكاية غريبة منسية من تاريخ مصر، لم تأت الكتب والحوليات على ذكرها إلا عبر سطور قليلة، فسعيت إلى أن أنفخ فيها من خيالي، وحصيلة اطلاعي، وفهمى لتأثير الماضى فى الحاضر، لتُصنع على نحو يعانق التاريخ فيه الفن، ويتضافر الجمال مع المعرفة.
إنها ليست فقط رواية عن عُمران بيت رائع، ولا عن رجل عجيب، أحب الحياة والسكينة وجارية فاتنة، فعاش مطاردا، ومات غريبا، دون أن يتبدد سحره، وينجلى غموضه، بل هى أيضا حكاية مجتمع يقاوم الضياع، وهى إلى جانب واقعيتها سيرة متخيلة، ومغامرة تاريخية غريبة.
تجرى أحداث الرواية، التى سبق أن حصلت وهى مخطوطة على جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، فى زمن وجود الحملة الفرنسية على مصر (1799 1801)، والشخصية المحورية فيها هى «إبراهيم السناري» صاحب بيت السنارى الأثري، الذى تتخذه مكتبة الاسكندرية حالياً مقراً لفعاليتها الثقافية فى القاهرة، والذى كان المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتى قد أتى على ذكره، وصاحبه فى سطور معدودة، فى موسوعته التاريخية، «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار».
إن بطل الرواية، وهو شخصية حقيقية، يستحق الالتفات إليه روائياً، نظراً لحياته الغريبة، فقد جاء إلى مصر رقيقًا، ثم عمل بواباً فى المنصورة، وذاع صيته بمقدرته على قراءة الطالع والتنجيم، فقرّبته السلطة حتى صار نائباً لمراد بك الحاكم الفعلى لمصر، فى تلك الأيام.
كان عليّ أن أقرأ طويلاً عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية وجغرافياً عن المكان والبشر خلال زمن روايتى هذه، وأن أطلق العنان لخيالى لأصنع شخصيات تتفاعل مع بطل الرواية منها المصرى والتركى والفرنسي.
هذه رواية مختلفة عن سابقاتها لدي، فقد سبق أن كتبت فى مسار «الواقعية السحرية» فى «شجرة العابد» و«جبل الطير»، وفى مسار الروايات الاجتماعية مثل «حكاية شمردل» و«جدران المدي» و«زهر الخريف» و«سقوط الصمت» و«باب رزق»، وزاوجت بين الاثنين فى رواية «السلفي»، لكن «بيت السناري» يمكن أن تصنف بسهولة ويسر، ضمن الروايات التاريخية، وإن كنت حاولت أن أتعامل فيها مع التاريخ كمادة لينة يمكن تطويعها لخدمة الفن، وليس بناء جامدا يفرض قيودا على الأديب والكاتب.
لقد شكلت الرواية التاريخية إسهاما قويا فى الدراسات التاريخية منذ أن نشأ هذا اللون من فن الرواية فى مطلع القرن التاسع عشر، وإن كان هناك من يعود به إلى بعض كتابات القرن السابع عشر، وهناك من يعتبر الأعمال التى ظهرت فى القرون الوسطى والمعدة للتاريخ الكلاسيكى مقدمات للرواية التاريخية، بل وإلى قرون أبعد من ذلك بكثير فى ملاحم الهند والصين.
والرواية التاريخية هى فى حد ذاتها إحدى أدوات تصوير التاريخ الاكثر تفصيلاً وصدقاً، لأنها رواية تقرب الماضى إلينا، وتسمح لنا بأن نعيش وجوده الفعلى والحقيقي، حتى لو لم تتقيد بمعطيات التاريخ فى كثير من الأحيان. فمطالعة رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، و«ويفرلي» لوالتر سكوت إلى جانب روايات الفرنسى ألسكندر دوماس، والعرب جورجى زيدان وعلى الجارم ومحمد فريد أبو حديد وسعيد العريان وجمال الغيطانى وعبد الرحمن منيف وواسينى الأعرج وأمين معلوف، تمنحنا ما هو أبعد مما سجله المؤرخون عن الحوادث والوقائع التى يرتبط أغلبها بالسلطة الحاكمة.
لقد تزامن صعود الرواية فى أوروبا مع صعود «علم التاريخ»، واتكأ الاثنان على سعى الإنسان وراء جذوره، فتعاملت الرواية مع إنسان دنيوى متعدد الطبقات، ونقب التاريخ عن آثار الإنسان فى ماض تخلص من الأساطير التى تلتف حوله، وسار الاثنان على التوازى فى ركاب التحولات الاجتماعية الكبرى بفعل الثورة العلمية والتقنية وصعود البرجوازية والنزعة القومية وصولا إلى مجتمع جديد يناضل فى سبيل الحرية والعدالة والمساواة، دون أن يتخلص من ادعاء «الرجل الأبيض» بأنه سيد العالم.
وفى عبارة شارحة للعلاقة بين الاثنين يقول الناقد الكبير فيصل دراج: «يتوزع علم التاريخ والرواية على موضوعين مختلفين، يستنطق الأول الماضي، ويسائل الثانى الحاضر، وينتهيان معا إلى عبرة وحكاية، بيد أن استقرار الطرفين منذ القرن التاسع عشر فى حقلين متغايرين لم يمنع عنهما الحوار، ولم ينكر العلاقة بين التاريخ والإبداع الأدبي».
وفى مسار الأدب العربى «شاعت الروايات التاريخية خلال فترات معينة من القرن الماضي، كمحاولة للبحث عن الذات القومية القوية المنتصرة أو البحث عن دواء شاف للمحن التى تتعرض لها الأمة، أو لأجل التمنى والحلم بالانتصار خلال فترات الانهزام، وتجاوزت ذلك فى العصر الحالى حيث أصبحت تجسّد قضايا عالمية معاصرة بإسقاط ذاك الماضى على الحاضر وتفسيره.
ولعل «بيت السناري» يتطبق عليها هذا التصور إلى حد بعيد، فهى لا تعود إلى الماضى من أجل التسلية، لكن لترى بعض الحاضر فى مرآته، دون أن تنادى بالاستسلام لما جرى فى القرون البعيدة، ولا التعامل معه باعتباره مقدسا دينيا أو وطنيا، إنما مجرد عنصر من عناصر تحليل ما يجرى الآن فى هذه اللحظة الفارقة من تاريخ بلدنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.