تطالعنا وسائل الإعلام منذ عدة شهور بأن مجلس الوزراء قد وافق على مشروع قانون الإدارة المحلية، وأحاله إلى مجلس الدولة لمراجعته، من حيث الصياغة القانونية. ولكن المجلس لم ينته من ذلك، الأمر الذى دفع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب إلى البدء فى مناقشة مشروعات القوانين المقدمة من بعض النواب باللجنة، وهى عبارة عن ثلاثة مشروعات قوانين مقدمة من نواب ينتمون إلى ثلاثة أحزاب هى: الوفد، والحرية، والتجمع، وذلك بالإضافة إلى مشروع قانون الحكومة الذى حصلت عليه اللجنة بصفة ودية. من خلال متابعة المواد التى وافقت عليها لجنة الإدارة المحلية والتى لا تتجاوز عشر مواد حتى الآن، نرى أن هناك العديد من الخلافات بين أعضاء اللجنة، نظرا لأن كل مجموعة من الأعضاء حريصون على أن تأخذ اللجنة بما جاء فى مشروع القانون الذى يؤيدونه، الأمر الذى سيفرض نفسه على القانون فى مجمله، من حيث عدم اتساقه وتجانسه، فضلا عن أن كل المشروعات بقوانين التى تتم مناقشتها، بما فيها المشروع المقدم من الحكومة تفتقد إلى رؤية واضحة أو محددة لشكل وطبيعة نظام الإدارة المحلية فى مصر، خاصة بعد أن شهدت ثورتين هما: 25 يناير، و30 يونيو. يستغرق الانتهاء من مشروع القانون بهذه الطريقة وقتا طويلا، ومن ثم عدم إمكانية إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الحالى، كما أكد على ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، خاصة إذا علمنا أنه لابد من أن يأتى بعد صدور القانون صدور اللائحة التنفيذية له والتى ستستغرق هى أيضا وقتا طويلا من جانب وزارة التنمية المحلية. نتيجة لما سبق، فإننا نرى أن الحكومة ومجلس النواب أمام مأزق شديد. فمن ناحية، هناك رغبة أكيدة من جانب الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية فى ضرورة إجراء الانتخابات المحلية قبل نهاية العام الحالى، خاصة أن مصر تفتقد وجود مجالس محلية منذ عام 2011، وهو وضع مخالف للقانون وللدستور، فضلا عن أنه لم يحدث فى أية دولة فى العالم، ولا حتى فى مصر ذاتها منذ بداية الأخذ بنظام مجالس المديريات فى عام 1883. كما أن هناك حاجة ماسة إلى ضرورة الإصلاح الشامل والحقيقى لنظام الإدارة المحلية فى مصر، بما يتفق مع دستور 2012 المعدل فى عام 2014، ويتجاوب مع التطورات التى شهدتها العديد من دول العالم فى مجال اللامركزية والحكم المحلى، ويتلافى فى الوقت ذاته السلبيات والمشاكل التى ينطوى عليها القانون الحالى للإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 والذى وضع فى ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة للظروف الحالية التى تشهدها مصر، خاصة منذ عام 2011. لعل من أهم هذه السلبيات والمشاكل: عدم ملاءمة التقسيم الإدارى الحالى للمحافظات وتعدد مستويات الإدارة المحلية، والتدرج الهرمى بين وحدات الإدارة المحلية، وتداخل الاختصاصات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية، وعدم التوازن بين السلطة والمسئولية على المستوى المحلى، وعدم شمول وحدات الإدارة المحلية لجميع المواطنين فى مصر، خاصة فى المدن الجديدة فى ظل وضعها الحالى، وهو أمر يعد مخالفا للدستور والقانون اللذين ينصان على تقسيم جمهورية مصر إلى محافظات ومدن وقرى ومراكز وأحياء، فالمدن الجديدة تعتبر خروجا على هذا النص الدستورى. إزاء ما سبق، وأخذا فى الاعتبار الملاحظات العديدة التى يمكن إبداؤها على مشروعات القوانين الأربعة، خاصة طريقة إعدادها، حيث إنها لم تستند إلى رؤية واضحة تقوم على أساس التشخيص الدقيق لمشاكل الإدارة المحلية فى مصر، والاستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى فى ضوء ما يتفق مع البيئة المصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل اعتمدت فى صياغتها على مجرد إدخال بعض التعديلات على القانون الحالى، من خلال استبدال عبارةبعبارة أخرى أو حذف عبارة وإضافة غيرها، وهو ذات المنهج الذى تم اتباعه فى قوانين الإدارة المحلية السابقة، الأمر الذى كان نتيجته ما تعانيه الإدارة المحلية فى مصر من مساوئ. رئيس قسم الإدارة العامة كلية الاقتصاد جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د. سمير عبدالوهاب