يعتبر شهر سبتمبر هو شهر عودة موسم المهرجانات السينمائية الكبري بعد توقف نحو ثلاثة شهور. صحيح ان مهرجان لوكارنو بسويسرا يقام بشهر اغسطس لكنه الاستثناء الوحيد في شهور الصيف حيث يفضل مجتمع السينما العالمي اخذ إجازة حقيقية بعيدا عن عالم الاطياف وبزنس الفن السابع. انتهي في السادس من هذا الشهر مهرجان مونتريال بكندا وبدأ بعده بيومين مهرجان تورنتو الذي يقام الآن بنفس البلد. لكن يظل مهرجان فينيسيا بايطاليا هو اهم مهرجان سينمائي انتهي مؤخرا وهو الاعرق بين المهرجانات العالمية وأحد اضلاع مثلث الاعتراف الدولي بالفنانين مع شقيقيه مهرجاني كان وبرلين. عرض فينيسيا مجموعة من الدرر الحقيقية، لاهم صناع السينما في العالم، وعلي رأسها فيلم علي درب اللبانة لامبراطور الخيال في السينما العالمية البوسني المولد الصربي التجنس امير كوستاريكا. و رحلة الزمن للامريكي تيرانس ماليك أحد فلاسفة السينما الكبار الاحياء. كوستاريكا هو الذي ورث عرش الخيال الجامح في السينما من الايطالي العظيم فيديريكو فيليني وربما لا ينازعه فيه الآن سوي الشيلي خودوروفسكي. كوستاريكا او كوستاريتشا كما ينطقه البعض اخرج مجموعة من اهم الافلام التي اصبحت علامات فارقة في تاريخ السينما، ربما اهمهما علي الاطلاق فيلم «تحت الارض» الذي حصل علي السعفة الذهبية أكبر جوائز مهرجان كان، الذي يعد مرثية لانهيار يوغوسلافيا وانقسامها والحياة القاسية التي عاناها البشر تحت وطأة حكم الشيوعية في بلاد المعسكر الشرقي، حيث قدم الفيلم مجموعة من البشر اقتادهم رجل للاختباء تحت الارض من ويلات الحرب العالمية الثانية واوهمهم خلال ما يقرب من اربعين عاما ان الحرب مازالت مستمرة و دفعهم لتصنيع السلاح، اما فوق الارض فأظهر امراء الحرب كيف ينعمون بالحياة المرفهة و يحطمون وطنا بأكمله. ومن بين افلامه الرائعة التي حصلت علي جوائز مهمة في فينيسيا فيلمه الاول : من يتذكر دولي بيل وفيلمه الهام قط اسود قط ابيض. الفيلم الجديد هو عودة لكوستاريكا الي الاعمال الكبري بعد عدة اعوام قضاها في صنع افلام تسجيلية وقصيرة مثل فيلمه عن مارادونا. يحكي الفيلم قصة كوستا بائع اللبن الشجاع الذي لا يتواني عن الذهاب الي الصفوف الامامية بالحرب الاهلية في صربيا لبيع بضائعته غير عابيء بالاخطار التي يواجهها ورغم ضعف الحمار الذي يمتطيه. وكعادة كوستاريكا في افلامه يحتل عالم الحيوان لديه قيمه كبيرة في افلامه، وهنا نري خلال رحلاته حيوانات خفيفة الدم مثل خيول نزقة وبط يتصارع بشكل دموي وصقر رشيق. تدور الاحداث هادئة في جبال صربيا الرائعة حتي تنتهي الحرب ويجد كوستا بائع اللبن نفسه مدفوعا للزواج من ملينا بطلة الجمباز السابقة ، لكن شيء ما يعطل الزواج وهو وصول عروسة شقيق ملينا التي لعبت دورها النجمة الايطالية مونيكا بيلوتشي. وقد قال النقاد من متابعي المهرجان انه بدءا من قصة الحب الزائفة هذه هوي الفيلم وتحول لفيلم اكشن خاصة بعد ظهور رجل عصابات ارسله حبيب العروسة السابق، وقالوا إن اسناد كوستاريكا البطولة لنفسه كان خاطئا وان بيلوتشي عمرها اكبر من الشخصية. لا ننكر ان عددا لا يستهان به من النقاد الغربيين لديهم موقف سلبي الآن من كوستاريكا نتيجة صداقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد يكون ذلك سبب عدم حصول الفيلم علي اي جائزة رغم شهادة النقاد المحايدين ان الفيلم عودة لعالم كوستاريكا الرائع الذي يقدم فيها عصارة ثقافة اوروبا الشرقية : ثقافة الحد الاقصي للمشاعر: الحب حتي الثمالة، الموسيقي في صخبها، الولع بكل ما هو صارخ، حكايات الجدات، التجاور والصراع الاثني، الطبيعة في اروع صورها. انا مثل شابلن عندما عبر عن الجذور وتجاوز الحدود: يقول امير كوستاريكا عن نفسه. اما الفيلم الآخر الذي كان ايقونة فينيسا هذا العام فهو فيلم (رحلة الزمن) لتيرانس ماليك. الفيلم تحد حقيقي لازم الذات الابداعية لماليك منذ اربعين عاما، وحاول ان يصوره في السبعينيات لكن المشروع توقف بعد ان صور عدة ساعات تسجيلية استخدم الكثير من لقطاتها بفيلمه البديع شجرة الحياة، لكنه عاد الآن بعد تطور الامكانات البصرية لفن السينما ليحقق احد اكبر احلامه علي حد قوله. قصة نشأة الارض وتطورها وبدء أفولها. ولقد توقع البعض ان يروا فيلما ثلجيا باردا عن الارض من وجهة نظر علمية فوجدوا تدفقا شعريا مذهلا لنسخة عرضت في فينيسيا بصوت كيت بلانشيت لقراءة التعليق بالاضافة الي نسخة اخري بصوت براد بيت سيتم عرضها لاحقا بتقنية الاي ماكس. انها سيمفونية الحياة المذهلة التي تمضي في تناغم تام، وضع الارض في الكون ومكانها في المجرة وعلاقتها بالشمس وحتي حركة الميكروبات في الكون. فيلم فوق الخيال حسب وصف كبار النقاد. لمزيد من مقالات احمد عاطف