مشاعر كثيرة متلاحقة ومتضاربة تملكتني حينما تلقيت دعوة كريمة من الأهرام للعودة للكتابة فيه. مشاعر فرحة تختلط بالحنين الى بيتي الكبير الذي امضيت بين جدرانه سنوات كثيرة من حياتي وصلت الى 32 عاما، في عمل متواصل وفي جهد مستمر بكل حب وبكل أمانة، كتبت فيها وتوليت فيها مسئوليات مهمة و جسيمة منذ التحاقي بالعمل فيه، بل وقبل العمل فيه، حيث كنت انشر قصصي القصيرة على صفحات اعرق جريدة في الشرق الأوسط منذ 1981 انها دعوة أشكر عليها الاستاذ محمد عبد الهادي رئيس التحرير، والأستاذ عزت ابراهيم مدير التحرير كما اشكر كل من عملت معهم سواء زملاء او أساتذة كبار او أدباء وكتاب وعاملين وإداريين لي مع كل منهم قصص مهمة وزاخرة تستحق ان تروى في مسيرة عمر وعمل وتقدم وتطور وعرق وجهد مستمر . انها حكايات محفورة في ذاكرتي كأنها بالأمس، وسانشرها في كتاب جديد احكي فيه اسرار وكواليس دنيا الأهرام الذي تعد صفحاته لسان حال الوطن والعالم ... والذي تم إقصائي منه ككاتبة إبان حكم الظلاميين، لأنني كنت انتقد ممارساتهم الوحشية مع الشعب المصري والمرأة المصرية، وها انا اعود اليه بعد رحيل من تسببوا في إقصائي منه في يناير 2013 ، والذين حاولوا ان يغيروا معالمه ويطمسوا تاريخه حتى تولى الاستاذ المحترم محمد عبد الهادي رئاسة التحرير، فبدأ يعيد ترتيب البيت من جديد، ثم توج جهده بإقامة احتفالية كبرى بمناسبة مرور 140 عاما على تأسيس الأهرام، دعاني اليها وعددا من كبار قيادات الأهرام فلبيت الدعوة الكريمة، وشاركت بكل حب فيها وسعدت فيها بلقاء تلاميذ لي متميزين يتولون المسئولية في عدة مواقع وأساتذة كبار اعتز بأني عملت معهم، ومازال الأهرام يتطور كل يوم ويحافظ على صدارته بين الصحف المصرية، وخلال 3 سنوات من الاقصاء وحتي اليوم استكملت الكتابة ولم يتوقف قلمي عن الكتابة عن احوال الوطن والمشاركة في احداثه، ومن أهمها قيام ثورة 30 يونيو التي شاركت فيها مثل الملايين من الشعب المصري، حتى تم انتخاب الرئيس الوطني عبد الفتاح السيسي ومازال يقود البلاد نحو التقدم في ظروف عصيبة وشاقة .. وها أنا اعود الى حضن البيت الكبير، فما احلى العودة الي أسرة الأهرام في مرحلة صعبة ولكنها أساسية من تاريخ الوطن، مرحلة بناء منظومة إصلاح لاحوال مصر من تراكمات سنوات عصيبة شهدت مصر فيها تغيرات كبرى ومحورية، ونحن ايضا في ايام مبشرة بالأمل، لأننا على أبواب بدء سنة دراسية جديدة، تحمل معها طموحات كل البيوت المصرية في إصلاح منظومة التربية والتعليم، وتحمل معها جدلا حول احوالهما، ولأن التعليم هو الأساس في إصلاح احوال الوطن، والاتجاه به نحو التنوير و التقدم، فإنني اتوجه بمطلب مهم واراه ضروريا من كل أسرة ومن كل مسئول في هذا الوطن، حتى نصل نقطة البداية الصحيحة مع بدء السنة الدراسية الآن، ولابد ان نتكاتف جميعا كبارا وصغارا امهات وآباء ومجتمعا مدنيا من اجل وضع حجر الأساس الصحيح في بناء الهوية المصرية والوعي بها، وهي غرس قيمة حب الوطن في قلب وعقل كل شاب وشابة ومنذ سنوات الطفولة.. انها رسالة أساسية ومسئولية مهمة للأم والأسرة والمدرسة، واساس ضروري ايضا في منظومة التعليم الحالية في ظل مايمر به الوطن من احداث جسيمة، وما يواجهه من مؤامرات لطمس الهوية المصرية واضعاف النسيج الوطني وغرس بذور الفتنة والكراهية بين أفراد المجتمع. ان الشباب الآن لديه حالة من التمرد والتذمر المستمر وهذا امر طبيعي يمر به كل شاب، ولكن ايضا الشباب في حاجة الى من يتحدث اليه ومن ينبهه الى أهمية الانتماء للوطن والي اننا نمر بمرحلة بناء له، وتأسيس لمصر جديدة، حيث تبث يوميا له شائعات وافكار مغلوطة تستهدف بلبلة أفكاره حول بلده ، وهو لهذا في حاجة ايضا الي من يحتويه بداخل الأسرة وخارجها، ويناقشه بالعقل وبالمنطق ويغرس بداخله حب بلده والاعتزاز بهويته المصرية . انني من جيل نشأت وتربيت منذ نعومة أظافري على قيم الانتماء والولاء لمصر ام الحضارة، ورغم انني كنت في مدرسة فرنسية الا انني اتذكر اننا كنّا نبدأ يومنا بتحية علم مصر ، وبالسلام الجمهوري، مما بث فينا الوعي بحب الوطن مبكرا، ومرت بِنَا سنوات عصيبة قد لا يدركها شباب الجيل الحالي تحت الثلاثين، لكننا أبدا لم نفقد الاعتزاز بوطننا ولم نتخل يوما عن مشاعر وطنيتنا والتمسك بهويتنا الأصيلة . ان على الأسرة دور كبير في احتواء ابنائها وتربيتهم على حب الوطن ، والمشاركة في بنائه ومحاربة كل محاولات الردة وشق النسيج الوطني، وقبل كل هذا لابد مع بدء العام الدراسي من تحية العلم المصري في كل مدارسنا على ارض مصر الحكومية و الخاصة والأجنبية ، وحينما يرتفع العلم في مدارسنا كل صباح في هذه اللحظة فقط ستبدأ الأجيال الجديدة في ادراك ان حب الوطن واجب وانه سلوك وعمل مستمر، بالاضافة الى ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بدور مهم في متابعة تحية العلم في المدارس والتصدي لمن يلغون هذا واستعادة نخوة الوطنية لدى ابنائنا وبناتنا، حتى لا يتم التلاعب بهم وحتى يشبوا فخورين بمصريتهم مثلنا، لانها صمام أمان في مواجهة خطط اضعاف المجتمع المصري والدولة المصرية . لقد كنّا مع كل صباح نحيي العلم مرددين «تحيا جمهورية مصر العربية» ثلاث مرات، حتي اصبح عادة وسلوكا وعقيدة بداخلنا. ويحضرني هنا قول أمير الشعراء احمد شوقي في حب الوطن حيث قال “وطني لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني اليه في الخلد نفسي” . لمزيد من مقالات منى رجب