أقسم أن ما يحدث مؤامرة دولية هدفها تفتيت المنطقة العربية أمامنا معركة ثقافية وسياسية واجتماعية ودينية قد تمتد لسنوات بعد ثلاثين عامًا من الفساد والطغيان في ظل حكم مبارك.. تآكل دور الدولة الثورة قادرة على اجتياز التحديات بشرط أن نعمل ونعي ما يحاك ضدنا من مؤامرات تهدف لإسقاط مصر محمد بدوي: نجح الإخوان في غرس أفكارهم المتشددة والمسمومة في عقول البسطاء لغياب الدولة يعتبر بمثابة السد العالي للرواية المصرية، ولم لا وقد جسد بأعماله الروائية واقع الشعب المصري، ولمس قلوب المصريين، فمن منا ينسى "خالتي صفية والدير"، من منا ينسى "واحة الغروب"، إنه الأديب والروائي الكبير بهاء طاهر الذي استقبله جمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب أمس في لقاء مفتوح، بدأ اللقاء دكتور محمد بدوى بتوجيه التحية والشكر للحضور، معربًا عن سعادته بإدارة هذا اللقاء الفكري مع الكاتب والروائي الكبير بهاء طاهر. وبدء الترحيب به قائلًا: يُعد بهاء طاهر واحد من كتاب العربية الكبار الذين خاضوا تجربة كبيرة في مجال الكتابة والإبداع، تتمحور كتابته حول مجموعة من المعاني التي لا يمكن أن تنفصل في نهاية الأمر عن الواقع المصري، ولد في محافظة الجيزة في 13 يناير سنة 1935. حصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة إذاعة وتليفزيون سنة 1973.. وعمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات بين عامي 1956 و1957، كما عمل مخرجًا للدراما ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975حيث منع من الكتابة. بعد منعه من الكتابة ترك مصر وسافر في أفريقيا وآسيا حيث عمل مترجمًا. وعاش في جنيف بين عامي 1981و1995حيث عمل مترجما في الأممالمتحدة، عاد بعدها إلى مصر. كان بهاء طاهر واحدًا من مؤسسي الجماعة الثقافية التي عُرفت بجماعة الستينات وضمت "يحيى الطاهر عبدالله، وأمل دنقل، وإبراهيم أصلان، وعبد الرحمن الأبنودي". وكانت المجموعة الأولى لبهاء طاهر، حدث هام في تاريخ الرواية العربية والمصرية على وجه الخصوص، فقد أعلنت عن بزوغ وميلاد نجم جديد يُجيد فن الكتابة، واستخراج اللغة، وقادرًا على فهم العلاقة بين الكتابة والواقع. وبالرغم من إيمان طاهر بالتجربة الناصرية، إلا أنه كان يُنظر إليه على أنه متمرد، وذلك لميله إلى الفلسفة الوجودية.. وبعد وفاة ناصر وصعود السادات صنف طاهر على أنه من الشيوعيين والرافضين لسياسة الدولة. وفى السبعينات أُبعد عن الإذاعة المصرية، وذهب لجنيف للعمل في مجال الترجمة، ولقد استفاد طاهر من سفره للخارج ودخل طاهر في مرحلة جديدة من الإبداع، وبدأت تظهر عليه وعلى كتاباته إشكاليات الهوية القومية، والعلاقة بين الشرق والغرب، ففي جنيف وتحت تأثير مرض الحنين إلى الوطن، كتب مجموعته القصصية الشهيرة بالأمس حلمت بك، ورواية خالتي صفية والدير وكذلك الحب في المنفى. قبل ثورة يناير وبعدها كان طاهر شامخًا صلبًا وعارض نظام مبارك في عز قوته وبطشه، وكتب مُنذرًا لكل من اعتقدوا أنهم مخلدون بأن الدنيا لو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم، وكذلك عرض كل ما تواجهه وما ستوجهه مصر من صعاب، وتنبأ كذلك بصعود تيارات الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمون، جاء كل هذا في كتابه "أبناء رفاعة – الثقافة والحرية". وبعد اندلاع ثورة يناير وقف طاهر صامدًا في مواجهة الاستبداد، وعارض كذلك الإخوان بكل ما أوتى من قوة، وفى نهاية عام الحزن - عام حكم مرسي-، عمل طاهر على حشد المثقفين لمعرضة أخونة وزارة الثقافة المصرية، فكان طاهر هو بمثابة العمود الفقرى الذي التف الجميع حوله.. حتى جاءت الأقدار بما لا يشتهى الإخوان، وخرج المصريون في 30 يونيو، وقضوا على حكم الجماعة إلى الأبد. وفى بداية كلمته وبابتسامته المعهودة، وبتواضع شديد، شكر طاهر الحضور، وأشار لقد قدمني بدوى ومدحني بما لا أستحق، وتعقيبًا على ما قاله فيما يتعلق بثورة يناير ويونيو، أحب أن أقول بأن الشعب المصري الذي خرج في ثورة 25 يناير وأسقط الاستبداد، وخرج في 30 يونيو وأسقط التجارة بالدين، وضحى بخيرة أبنائه وجنوده من أجل أن يحقق أحلامه البسيطة التي انتفض من أجلها، هو شعب قادر على أن يُكمل المسيرة وخارطة الطريق التي رسمها لمستقبله. لقد لعبت الثقافة الوطنية المصرية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، دورًا هامًا ومؤثرًا في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب أو ثقافة النحلة كما قال بدوى. لقد كانت الثقافة المصرية بروافدها المتعددة، عامل مهم ساعد محمد على مؤسس مصر الحديثة، ورفاعة الطهطاوي، في تأسيس نهضة مصر في العصر الحديث، ولعل هذا هو ما دفعني لأطلق على أحد كتبي اسم أبناء رفاعة. ومن يقرأ تاريخ الجبرتى عن الفترة التاريخية التي سبقت عصر محمد على، يعرف جيدًا، أن مصر كانت تعيش في عصور من الظلام والتخلف والجهل، إلا أن النهضة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والجيش الوطنى القوى الذي أسسه محمد على قد غير من كل ذلك، وكانت مصر تناطح الدول الكبرى رأس برأس. نحن الآن في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها مصر، والتي تُعد الأصعب في تاريخها الحديث والمعاصر، مطالبين بالتكاتف والوقوف صفًا واحدًا، للحفاظ على هذا التراث الذي تركه لنا أجدادنا، وبناء مصر الجديدة، التي يتفاخر بها أبنائنا وأحفادنا من بعدنا، وعلينا أن ندرك جيدًا أن طريق الحرية والديموقراطية مفروش بالأشواك، وكذلك علينا أن نقدم الكثير من أجل هذا الوطن، وليبدأ كل منا بنفسه أولًا. وأرى أنه علينا الآن أن نفتح باب الحوار والأسئلة لنطرح سويًا تصورات حول كيفية الخروج من الوضع الراهن. وحول سؤال: ألا تُشكل المصالحة الوطنية الآن مع جماعة الإخوان حلًا لما نحن فيه. قال طاهر:" المصالحة الوطنية في واقع الأمر في حاجة إلى طرفين، كلاهما يقدم تنازلات من أجل مصلحة الوطن، وليس طرف واحد، وكيف لنا أن نتصالح مع أشخاص تلوثت أيديهم بالدماء؟! هذا إلى جانب أن جماعة الإخوان لا نية لديهم للمصالحة، ومع ذلك فالوطن يفتح ذراعيه للجميع، وقد أعلن الدكتور حازم الببلاوى أكثر من مرة أن الجميع يرحبون بكل من يريد أن يعود إلى صفوف الوطن. أما عن كيفية تغير الفكر المتشدد لجماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي، فقد أضاف طاهر كما يقولون التعليم في الصغر كالنقش على الحجر والتعليم في الكبر كالنقش على الماء، وتغير فكر هذه الجماعات المتشددة في حاجة إلى معركة ثقافية وسياسية واجتماعية ودينية قد تمتد لسنوات، فليس من المعقول أن تقنع شخص تربى على السمع والطاعة العمياء أن يُغير مساره في يوم وليلة، ولذا فلابد أن يكون لدينا تيار فكر مدنى قوى لديه مصداقية وفكر وسطى وواضح للتغلب على هذا التيار الرجعى. وقد اتفق بدوى مع ما قاله طاهر وتابع: لقد نجح الإخوان وفى غياب تام للدولة والمجتمع، في أن يغرسوا أفكارهم المتشددة والمسمومة، في عقول هؤلاء البسطاء في أعماق الريف المصري، وانتشرت أفكارهم بشكل ينذر بالخطر، وخاصة وهناك فئة ممن يحسبون وللأسف على المثقفين، يرددوا بعض أفكار وشعارات هؤلاء الظلاميين، وهذا يجعلنا نطرح سؤال آخر أعتقد أنه على قدر كبير من الأهمية، وهو هل هناك دور للدولة المصرية في مواجهة هذه الجماعات المتطرفة؟ وهل تستطيع أن تحسم الدولة المعركة لصالحها وصالح المجتمع أم لا؟ ويرد الأديب الكبير: هذا السؤال يفترض أن تكون الدولة المصرية في يدها المبادرة، وما نعرفه جميعًا أن دور الدولة المصرية على مدى ثلاثين عامًا من الفساد والطغيان في ظل حكم مبارك، قد تأكل ويكاد يكون تحلل وتلاشى دورها، ويرجع ذلك إلى الفساد والبيروقراطية والظلم والطغيان الذي ساد وضرب بجذوره في كل مفاصل الدولة المصرية في هذه السنوات العجاف وبكى يعود للدولة دورها في المرحلة القادمة، أرى أنه على الجميع أن يقوموا بأدوارهم وخاصة المثقفين، وإن كنت أرى بأنه لا يوجد حتى الآن ما ينبأ بأن هذا الدور الهام والحيوى في توعية البسطاء من الشعب يوجد من يقوم به؟!. ومع ذلك فأكاد أجزم بأن هذه الثورة قادرة على اجتياز كل العقبات والتحديات التي تواجهها، وستحقق كل ما قامت من أجله شريطة أن نعمل ونجتهد، ونعى ما يحاك ضدنا من مؤامرات ودسائس تهدف إلى إسقاط الدولة المصرية. وبحكم معاشرتي للغرب أكاد أجزم ولو تطلب الأمر أن أقسم، بأن ما يحدث هو مؤامرة دولية تصل لحد حرب عالمية جديدة هدفها تقسيم المنطقة العربية وإسقاط مصر، وشراء عملاء لهم من الداخل من خلال أموال التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، أو أموال دويلة قطر، وأرى أن علينا ألا نبالى كثيرًا بالنظر لموقف الدول الخارجية، وعلينا أن ننظر لواقعنا الداخلي ونعمل على حل مشاكله والنهوض بمصر، وما ننفقه من أموال لتحسين صورتنا لدى الغرب، لو أنفقناها على الشأن الداخلي لكان أفضل. وعن رأيه فيمن يرون أن مصر في طريقها من جديد لأحضان العسكر أضاف طاهر، أنه من أكثر المؤيدين للحكم العسكري، مؤكدًا أنه شديد الحماس والإيمان بالعسكرية المصرية، مشيدًا بوطنيتها منذ عصر أحمد عرابى حتى يومنا هذا، قائلا: لا أنكر وجود أخطاء وقعت فيها ولكن هذا لا ينفى وطنتيها وإخلاصها لمصر أولًا وأخيرًا، وكلما ذكر الجيش المصري تذكرت هذا البطل "محمد عبيد"، والذي شارك مع عرابي في معركة كفر الدوار والتل الكبير ضد قوات الاحتلال الإنجليزي، ويقول المؤرخين أن عبيد ظل صامدًا على مدفعه يدافع عن وطنه، حتى انصهر جسده من شدة حرارة المدفع. وحول اليأس الذي انتاب بعض الشباب ممن شاركوا في ثورتي 25 يناير و30 يونيو ويرون أن الثورة سرقت منهم، قال طاهر أرى أن الشباب المصرى النقي الطاهر، يتعجل الوصول للنتائج، وعليه أن يصبر ويهدأ لنبدأ في مرحلة البناء، ومن المؤكد أن هؤلاء الشباب هم من ستعتمد عليهم مصر ما بعد يناير ويونيو في بناء مجدها، ولكن علينا أن نتحلى بمزيد من الصبر، وأن ننحى اليأس جانبًا، فما يحدث الآن هو حالة من القلق والتمرد الطبيعي الذي يكون مصاحبًا للثورات. وحول حرمة الدم المصري ولماذا أصبح الدم المصري رخيصًا، أشار طاهر أن كل من يروج لثقافة الدم والعنف هو آثم، ودون الدخول في مقارنات حول ما حدث في لبنان والعراق وسوريا وليبيا، ينبغى أن نرفض بكل الطرق والوسائل ثقافة الدم في الصراع السياسي، وهذا نداء موجه للطرفين. واختتم اللقاء بسؤال تردد صداه أكثر من مرة ولأكثر من ضيف جلس على منصة اللقاء الفكري هذا العام والأعوام وأعوام عديدة مضت حول كيف لنا أن ننهض بالتعليم في مصر؟ وقد اتفق طاهر وبدوى على أن بداية إصلاح التعليم تبدأ من ضرورة أن نعترف أولًا بأننا أمة في خطر كما أعلنت الولايات المتحد الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، وأن نضع حلولا جذرية للمشكلة، فالتعليم منظومة تتداخل فيها الأسرة مع المعلم والمجتمع والمدرسة، وعلينا أن نقضى على ازدواجية التعليم في مصر، فلا توجد دولة في العالم بها تعليم حكومي وتعليم خاص وتعليم أجنبي وتعليم ديني.