تاريخ من العنصرية إتسم به المرشح الجمهورى للإنتخابات الأمريكية دونالد ترامب بشكل متنوع, تارة بين المواطنين السود وأخرى تجاه المكسيكيين والمسلمين والمهاجرين، رجل الأعمال الأمريكى لم يكن يفوت فرصة أو مناسبة دون إهانة أو تحقير السود والأقليات الأخرى مطلقا عليهم أسوأ الصفات, لكن يبدو أن ترامب إكتشف أنه لكى يصبح رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية فإنه بحاجة لكسب أصوات هذه الفئة التى بدأ فى إستمالتها بشتى الطرق بدءا بخطابات رنانة تتحدث عن نبذ العنصرية وتنتهى بوعود بمنحهم الوظائف وتحسين معيشتهم القاسية, زاعما بأن 95% منهم سوف يصوتون له بعد أربع سنوات جراء التغيير الإيجابى الذى سيطرأ على حياتهم حال وصوله إلى البيت الأبيض! ومن المعروف أنه لفترة طويلة ظل السود خلال جميع الإنتخابات الماضية، الكفة المرجحة للديمقراطيين، إذ أن الحزب الديمقراطى إعتمد على العداء الكبير بين السود والجمهوريين للإستفادة من الكتلة التصويتية للسود لصالحه، وبالفعل، ساهمت هذه الفئة فى فوز الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما خلال فترتيه الرئاسيتين، وكذلك حصول العديد من النواب الديمقراطيين على مقاعد فى الكونجرس. لكن خلال الفترة الأخيرة توترت العلاقات بشكل كبير، فلم تتخذ السلطة المحسوبة على الحزب الديمقراطى أى موقف قوى لوقف جرائم الشرطة ضد السود، بل على العكس أدان الرئيس الأمريكى باراك أوباما هجوم دالاس الذى إستهدف ضباط شرطة على يد ناشط من ذوى الأصول الإفريقية, ولم يقم بالمثل لتعزية أهالى الضحايا السود, ويبدو أن ترامب إستغل هذه النقطة لصالحه فحذر الأمريكيين من ذوى الأصول الإفريقية والذين إعتادوا التصويت لصالح مرشح الحزب الديمقراطى فى كلمة ألقاها فى إجتماع إنتخابى بولاية ميتشجان قائلا: «إذا واصلتم التصويت لذات الحزب فستحصلون على ذات النتائج», مؤكدا أن هيلارى كلينتون، منافسته من الحزب الديمقراطي، ستقدم فرص العمل إلى اللاجئين وليس إلى الشبان السود الذين أصبحوا أشبه باللاجئين فى بلادهم، على حد قوله, كما حملها مسئولية تصاعد مخاطر تنظيم داعش خلال السنوات التى كانت فيها على رأس وزارة الخارجية, وبالطبع لم ينس ترامب اللعب على وتر المشاعر داعيا إلى عودة الحزب الجمهورى إلى جذوره التى ترجع إلى عهد إبراهام لنكولن محرر العبيد. «الشيطان على المنبر», هكذا جاء الرد سريعا على محاولات ترامب كسب تعاطف السود, فقد هتف بعض المحتجين الذين تجمعوا أمام كنيسة فى ديترويت كان يزورها المرشح الجمهورى ترامب للمرة الأولي, محاولين إقتحام الحواجز التى أقامتها الشرطة, معللين غضبهم بأنه أبلغ رد على وصف ترامب للحركة التى أنشئت للدفاع عن حقوق السود فى أمريكا وتدعى «حياة السود مهمة» ب «المزعجة» الحقيقة أن هذه لم تكن هى المرة الأولى التى تبدو فيها عنصرية ترامب ضد السود، ففى مارس الماضى قامت عناصر من الأمن بطرد 30 طالب أسود من نفس الحركة من حشد إنتخابى لترامب فى ولاية فيرجينيا. ويبدو أن عنصرية ترامب ليست وليدة اللحظة بل إكتسبها بالوراثة، ففى عام 1973 تلقت وزارة العدل الأمريكية شكاوى ضد عائلة ترامب وإستثماراته بإتهامات بالتمييز العنصري، حيث شهد 4 موظفين مختلفين فى إستثمارات ترامب الوالد بأنه أمر بعدم تأجير العقارات لذوى البشرة السوداء, وقبل أن يخوض السباق الرئاسي، قاد قطب العقارات حملة ذات بعد عنصرى شككت فى وثيقة الولادة الخاصة بباراك اوباما فى جنسيته الأمريكية, كل ذلك أدى إلى تدنى شعبية ترامب لدى مجتمع السود, فقد أشار إستطلاع للرأى أجرته شبكة «إن بى سي» الأمريكية وصحيفة «وول ستريت جورنال» فى أوائل الشهر الحالي, إلى أن ترامب يحظى بتأييد واحد بالمائة فقط من أصوات الأمريكيين السود مقابل 91٪ يؤيدون هيلارى كلينتون, بينما ذكرت صحيفة «واشنطن تايمز» فى إستطلاع لها، أن نسبة 99% من المصوتين السود بالولاياتالمتحدة يدعمون المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون, وهى مؤشرات كلها تدعو إلى قلق منافسها ترامب نظرا لأن كتلة السود التصويتية لا يستهان بها, ففى الإنتخابات الرئاسية عام 2012، شكل السود 13 بالمائة من الناخبين الذين وصوتوا بنسبة 93 بالمائة لباراك أوباما, كما أن الإنتخابات التمهيدية الديمقراطية التى تنافست فيها هيلارى كلينتون مع بيرنى ساندرز كشفت عن شعبية واسعة تتمتع بها المرشحة الديمقراطية لدى هذه المجموعة بحصولها على نسبة تصل إلى 90 بالمائة من أصواتهم وهو ما يعد مقلقا بالنسبة لمنافسها الحالى ترامب. لكن رغم كل ذلك يمكن القول أن خطاب ترامب بدأ يدق باب بعض المهمشين والعاطلين عن العمل خاصة لإنتقاداته القاسية لسياسات «عولمة التجارة» التى أدت الى إقصاء المزيد عن سوق العمل وهروب الرأسماليين خارج الولاياتالمتحدة طمعا فى جنى معدلات أعلى من الأرباح, حيث أن الحالة الإقتصادية ومستوى المعيشة تحتل أهمية كبيرة بلغت نسبتها نحو 40% بين صفوف السود بشكل خاص. هى أيضا خطابات لها ما يبررها, وإن كان صاحب الرسالة لا يتمتع بمصداقية عالية, فبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آي) وصف تردى الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية بين صفوف السود بأنها نتيجة «وباء الغش والخداع» عقب إنهيار سوق العقارات عام 2008. فهل يصبح السود حصان طروادة الذى يسعى المرشح الجمهورى للإنتخابات الرئاسية دونالد ترامب لإستخدامه للوصول إلى البيت الأبيض؟