لم يكن اغتيال المتحدث الإعلامى والقائد العام لقوات داعش فى سوريا المدعو أبو محمد العدنانى هو الأول فى سلسلة تصفية من يمكن تسميتهم القادة التاريخيين المؤسسين لتنظيم داعش، بل سبقه 23 قيادياً، من بين ال 31 من المؤسسين الكبار للتنظيم. ولم يكن فى تقديرنا اغتيال (العدنانى) رغم دلالته المهمة التى كتب عنها الكثيرون، هى المهم، بل إن قراءة ومقاربة مستقبل داعش بعد تصفية هؤلاء القادة هو الأهم هنا، خاصة أن (القوى) التى قامت باغتيالهم سواء كانت (واشنطن) أو (موسكو) أو الجيش السورى أو الأكراد أو غيرهم، يفتقدون إلى (قاعدة بيانات) واضحة للجيل الجديد فى داعش الذى سيخلف جيل (العدنانى) والشيشانى وغيرهم، وهو ما يرجح أن الجيل القادم للقيادة بدلاً من القيادات الراحلة سيكون أكثر دموية ووحشية وتأثيراً، لأنه شبه مجهول البيانات ولن يكون من السهل كشفه إلا بعد حين. ولنمحور المقاربة حول النقاط التالية : أولاً : لنبدأ من البداية الصحيحة؛ حين تحدثنا الحقائق أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد فقد أغلب مؤسسيه خلال السنتين الأخيرتين، حيث تؤكد الوثائق المتاحة ومن داخل التنظيم ذاته أن إجمالي أعضاء مجلس الشورى في «داعش»، البالغ عددهم 44 قيادياً، هم مسئولو الولايات والقادة العسكريون والمنظرون الشرعيون، هناك 31 قيادياً أسهموا في إنشاء التنظيم وقيادته منذ البداية. لكن قتل من هؤلاء المؤسسين حتى الآن (سبتمبر 2016) 23 قيادياً، هم: 1- فاضل الحيالي الملقب بأبو مسلم الخراساني، 2- أبو عبد الرحمن البيلاوي، 3- والي الأنبار، أبو مهند السويداوي، 4- والي نينوى، رضوان حمدون أبو جرناس، 5- الشيخ عبدالباسط الأنصاري، 6- والي الفلوجة، أبو زهراء المحمدي، 7- المتحدث باسم التنظيم، أبومحمد العدناني ، 8- نعمان منصور الزيدي ، المعروف بأبي سليمان الناصر لدين الله ، 9-تارخان باتيراشفيلي، المعروف بأبو عمر الشيشاني، 10- مصطفى عبد الرحمن أبو علاء العفري، 11- إياد بشار السامرائي الملقب أبو أنس، 12- يونس سالم حسين الجبوري ويلقب أبو حمزة، 13- أيوب شيحان الشمري، 14- إبراهيم الطويل المتيوتي، 15- حسن المصري الملقب بأبو الحارث، 16- صلاح مصطفى قره باش، 17- أبو علي الخليلي فلسطيني ، 18-فارس يونس الجرجري، 19- حجي بكر: سمير الخلفاوي، 20- صادق جعفر المشهور باسم صلاح الدين، 21- نبيل الجبوري المعروف باسم أبو سياف وقتل عام 2015 بإنزال جوي أمريكي في دير الزور، 22- فلاح الكردي أو أبوعمر السلفي، 23- وسام نجم عبدزيد. يتبقى إذن من القادة التاريخيين ، أحياء الآتون : 1- زعيم التنظيم، إبراهيم البدري (عراقي)، 2- القائد العسكري العام الحالي، أبو سليمان ناصر (عراقي)، 3- أبو علي الأنباري (عراقي)، 4- شاكر وهيب (عراقي)، 5- حسين بلال بوسنيتش (بوسني)، 6- طارق بن الطاهر بن الفالح العوني الحرزي (تونسي)، 7- أبو عبدالله الحربي (كويتي)، 8- القيادي الثامن مجهول الهوية وله كنية أبو عبد الرحمن الشامي، ويعتقد أنه مفتٍ في التنظيم. ماذا تعنى هذه المعلومات ؟ إنها ببساطة تقول، أننا أمام مرحلة جديدة فى عمر هذا التنظيم، مرحلة تستقبل فيها قادة جدد، بأفكار أكثر تشدداً ورغبة فى الثأر !! .
ثانياً : إذا أضفنا للمعلومات السابقة، حقائق أخرى مهمة فى فهم مستقبل هذا التنظيم الدموى، وهى أن مقتل (العدنانى) ومن قبله بأيام «أبوعمر الشيشانى» القائد العسكرى العام لداعش، كان هذا الاغتيال هو الأكثر دوياً على المستوى الدولى من بين كل القادة السابقين، ولكنه يعد السادس من حيث التأثير بعد اغتيال كل من (القائد السابق لقوات داعش فى الأنبار، شاكر وهيب الفهداوي الدليمى، والقيادى الثانى فى التنظيم عبدالرحمن القادولى بسوريا، إضافة إلى القيادى فى داعش أبوالهيجاء التونسي، بمدينة الرقة، والمتحدث باسم جبهة النصرة، أبو فراس السورى بمحافظة إدلب، وبحسب احصائية لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فى عدد المواقع التى سيطر عليها «داعش» منذ نشأته بلغ 126 موقعاً مدنياً أو عسكرياً، فى سورياوالعراق قبل أن يجبر على الانسحاب من 56 موقعاً، من ضمنها 5 مدن كبرى، منها 16 موقعاً ومدينة خلال الشهور الثمانية الأولى فى 2016 . إن هذه الحقائق معناها أن ثمة تراجعاً مهماً فى أداء داعش ومخططاتها، ولكن ليس هذا معناه بأى حال، هزيمة نهائية للتنظيم، لأنه منذ بدايته فى سجون الاحتلال الأمريكى (سجن بوكا) و(أبو غريب) تحديداً؛ وهو يقوم ويستمر على الأفكار وليس الأشخاص، ولعل فى تأمل تاريخ العدنانى (واسمه الحقيقى هو طه صبحى فلاحة ابن بلدة بنش بريف إدلب الشمالى بسوريا) إن المتأمل لدوره الفعال فى الدعاية والإعلام فى التنظيم (22 شريطاً مسجلاً) منذ الشريط الأول (دولة الإسلام باقية) إلى (يحيى من يحيى على سنة) إلى مسئوليته عن جماعات الذئاب المتفردة فى العالم، كل هذا وغيره حركه الفكر، والدعوة وليس الشخص ولذا لن ينتهى التنظيم وإن ضعف ووهن قليلاً ! الأمر الذى يتطلب استراتيجية مواجهة شاملة للأفكار والأشخاص والسياسات معاً، علها تنفع !! .
ثالثاً : إن الجيل الجديد فى قيادة داعش يعد وفقاً للتسلسل الزمنى فى عمر التنظيم هو الجيل الخامس ونحسبه – كما أسلفنا القول – سيكون الأكثر شراسة وقوة، وبترتيب الأجيال، فإن الجيل الجديد يأتى بعد مرحلة (تنظيم قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين – أو مصعب الزرقاوى 2004) وبعد اغتياله تأسس تنظيم (دولة العراق الإسلامية بقيادة أبوعمر البغدادى) وبعد اغتياله فى ابريل 2010، أسس أبوبكر البغدادى (تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق) ثم لاحقاً توسع فى سوريا بتأسيس (تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام 2013) والمسمى اختصاراً – من حروفه الأولى – ب(داعش). هذه المراحل الأربع كان يقف خلفها دائماً أفكار دينية شديدة التطرف، ولم يكن الأمر، فحسب، أمر قيادات، لأن أغلبها كما رأينا، قتل، ومع ذلك استمر هذا التنظيم فى التوسع والتأثير. إن هذا معناه، أننا أمام الجيل الجديد الخامس، الذى رضع خلاصات المراحل السابقة، وسيحاول ترجمتها إلى واقع سياسى وجغرافي جديد سيكون فى جوهره دامياً ليس فى العراقوسوريا فحسب بل فى (سيناء) وليبيا وعشر دول إفريقية منتشر الآن بها، وعدة دول غربية لديه بها خلايا نائمه وذئاب متفردة متجولة .. إن غياب قاعدة بيانات جديدة عن هذا (الجيل الخامس) لقيادات داعش بعد رحيل المؤسسين الكبار، سيكون مؤثراً فى عدم فهم ردات الفعل من قبل المواجهين لداعش أو المحركين لها من أجهزة مخابرات إقليمية ودولية وهو ما ينبئ بأن المستقبل يحمل مفاجآت جديدة مؤلمة لم يتحسبها من صنع هذه التنظيمات أو مولها أو أمدها بالفتاوى الشاذة، لتبنى عليها عقائد، ومناهج للعمل، خطرة؛ ليس على البلدان التى ابتليت بها فحسب بل وعلى دين الإسلام ذاته . والله أعلم