حقا إنهم ليسوا «سحرة»، ولا يحملون عصى موسى أو مصباح علاء الدين، بل عندهم إرادة وقدرة وعزيمة تصنع المستحيل. إذا رأيتهم لا تعجبك أجسامهم، فهم فاقدون لأعضائهم أو قصار قامة أو ضعاف بصر، ولكنهم يصنعون الجمال، وتعزف أصابعهم الرائعة سيمفونيات عذبة المذاق على الأنوال الخشبية، أو على ماكينات «التريكو» أو الخياطة، ولكنها تعزف ألحانا حزينة مغمسة بألم شديد ما بين قسوة المجتمع عليهم، وما بين إهمال الحكومة لأعمالهم ومشغولاتهم اليدوية. وقد يتوقف أحدنا لحظة ليتساءل، كيف لفتاة فاقدة البصر أن تنظم عقدا متناسق الألوان، أو تصنع مفرشا يتضمن رسومات مبهرة، وتنسى أن الله قد وهبها قدرة عالية على التركيز، وإحساسا عاليا وثقافة واسعة بعلم الألوان . وإذا صرفت نظرك تلقاء المعاقين حركيا، تجدهم رغم أنهم مثقلون بإعاقتهم فهم يحملون مشغولاتهم ومنتجاتهم اليدوية إلى أبعد مكان فى مصر، ليبهرونا ويعطونا درسا فى التحدى والصمود، ناهيك عن قيمة الحب والتعاون فيما بين المعاقين التى دفعتهم لتنظيم دورات تدريبية لتعليم زملائهم كيفية صناعة تلك المنتجات دون مقابل. ومن يلق نظرة موضوعية لذلك المشهد فسيرى أن ذوى الإعاقة قد اختاروا لأنفسهم طريقا لكسب العيش بعيدا عن التسكع فى الشوارع، أو فى محطات المترو طلبا لإعانة، وتوجد فى مصر بعض مؤسسات المجتمع المدنى التى استغلت المعاقين ليدروا عليهم عوائد مالية ضخمة تحت شعار دورات مجانية للمعاقين على المشغولات اليدوية تنتهى ببيع تلك المنتجات والتكسب من ورائها. والحقيقة المؤكدة أن ذوى الإعاقة هم أولى بأن يجنوا ثمار جهودهم وتعبهم، ولن يتحقق ذلك أبدا إلا بأن تضطلع الحكومة بدورها بأن تتوسع فى إنشاء مصانع صغيرة للحرف اليدوية لذوى الإعاقة، تكون مهيأة لهم بحيث يتوافر فيها مصاعد وطرق ممهدة للمعاقين بصريا وقبل ذلك يتم تأهيل وتدريب ذوى الإعاقة على إنتاج تلك الأعمال اليدوية، شريطة الاستعانة بمدربين أكفاء ومؤهلين للتعامل مع تلك الفئة. وإلى جانب ذلك ينبغى على الدولة أن تعاون ذوى الإعاقة فى تسويق وبيع منتجاتهم التى ينتجونها، وإذا تحقق ذلك، فسيكون لهم دور كبيرافى هذا الوطن.