أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    أسعار الأسماك اليوم 6 ديسمبر.. «البلطي» يبدأ من 30 جنيهًا    أسعار الخضروات اليوم السبت 6-12-2025 في قنا    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر الكامل للدور الهام الذي تضطلع به الوكالة الدولية للطاقة الذرية    مصر ترحب بتجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)    أخبار مصر: قصة واقعة الطفل زياد التي هزت بورسعيد، سيناريو هوليوودي في اختفاء فتاة الشرقية، تطبيق منظومة "مرور بلا أوراق"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 6-12-2025 في محافظة قنا    مفاجأة طبية لدواء جديد يبطئ تطور مرض الزهايمر 8 سنوات    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية رشوة الضرائب الكبرى    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    "قتل اختياري".. مسلسل يفتح جرحًا إنسانيًا عميقًا ويعود بقضية تهز الوجدان    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    أولى جلسات محاكمة عصام صاصا فى مشاجرة ملهى ليلى.. اليوم    ميرتس يدعو لتقاسم أوروبي موحّد لمخاطر الأصول الروسية المجمدة    منتخب مصر الأول يستعد لكأس للأمم الإفريقية بالمغرب    منتخب «طولان» جاهز للإمارات في كأس العرب اليوم    رئيس وزراء الهند يعلن عن اتفاقية مع روسيا ومرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي    هل عادت سوريا إلى عصور الظلام، إلغاء حفل الموسيقار مالك جندلي في حمص يثير غضب السوريين    ليفربول يسعى لتصحيح مساره في الدوري الإنجليزي أمام ليدز يونايتد    «توخيل» يطمئن جماهير إنجلترا: جاهزون لمواجهة كرواتيا وغانا وبنما في المونديال    كشفتها الأجهزة الأمنيةl أساليب جديدة لغسيل الأموال عبر المنصات الرقمية    إجراءات صارمة بعد فيديو السخرية من مدرسة الإسكندرية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    «آخرساعة» تكشف المفاجأة.. أم كلثوم تعلمت الإنجليزية قبل وفاتها ب22 عامًا!    إعلام فلسطيني: طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف شرق مدينة غزة    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» بالمقر البابوي    عمرو مصطفى وظاظا يحتلان المرتبة الأولى في تريند يوتيوب أسبوعًا كاملًا    «تصدير البيض» يفتح باب الأمل لمربي الدواجن    رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    بدائل طبيعية للمكمّلات.. أطعمة تمنحك كل الفائدة    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    شاهد لحظة نقل الطفل المتوفى بمرسى المعديات فى بورسعيد.. فيديو    خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    قائمة بيراميدز - عودة الشناوي أمام بتروجت في الدوري    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    النائب عادل زيدان: التسهيلات الضريبية تدعم الزراعة وتزيد قدرة المنتج المصري على المنافسة    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    أحمد مجاهد ل العاشرة: شعار معرض الكتاب دعوة للقراءة ونجيب محفوظ شخصية العام    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    وفاة عمة الفنان أمير المصري    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أولاد حارتنا
يحيى الفخرانى
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 09 - 2016

تخيله ، لو لم تقدم له الصدفة السعيدة يدها لكى تصفق بحماس وهو يمثل مشهدا صغيرا على مسرح الجامعة ، تخيل أن موهبته إختبأت تحت البالطو الأبيض فتوقف به الزمن طبيبا فى مبنى التليفزيون أو داخل عيادة صغيرة ؟يحب يحيى الفخرانى لعبة الخيال ، لأنه هو نفسه صنع من خيال ، لأن موهبته لو لم يدعمها خيال .. ماكان يقف الأن بكل ثقة لكى يلعب .
هو ممثل يلعب ، بهواية تصل إلى حد الفلسفة التى يحبها ، ربما لو لم يمثل .. لأصبح أقرب أن يكون أستاذ فلسفة أو بحارا لا يتوقف غليونه عن الدخان فى حلقات بيضاء تذهب إلى حيث لا يدرى .
‎يحيى ، ليس طفلا كبيرا كما يصفه البعض فى سهولة مدهشة مخلة لشخصه وموهبته وجسده المكتنز ، يحيى شخص أنقى مافى موهبته نضجه ورؤيته العميقة للأشياء .. خلف كل ملامح يتقمصها يقبع سيرك من الشخصيات تلعب فوق كل الحبال كل الألعاب .
‎تخيل ؟ مرة أخرى تخيل : هل كان يمكن أن تقبله ممثلا بجسد نحيف ، بشعر ناعم ، بصوت مرهف الحس ؟
‎كل الأشياء التى خاف منها أن توقفه عن مصداقيته فى التمثيل ونجومية الفن .. هى التى أعطته تميزه ودفعت به سنوات ضوئية إلى الأمام .
‎سوف يبتسم خجلا إذا وصفته ( ممثل وسيم ) ، هو ليس كذلك .. لكنه لا ينكر أنه صنع من ملامحه وطريقته وشخصيته وسامة من نوع يملكه وحده .
‎من هو يحيى الفخرانى ؟ ما هو الدور الذى صنعه ؟ كيف دفعته ظروف صعبة مرة إلى الإعتزال ؟ ولماذا يخاف من الزمن ؟
‎ليست هذه الأسئلة التى تشغل باله أو تشعل حماسه لكى يمثل بإبداع ، هو كل مرة يتوقف عند عتبة البلاتوه يصلى ويأمل .. كأنها المرة الأولى التى يتقمص فيها شخصية ، لا يمثل بطريقة الاستنساخ ، لا يستدعى شخصية مرت فى حياته لكى يؤديها ، هو يتخيل ، دائما يحول ماكتبه المؤلف على الورق إلى خيال فيصنع شخصيات جديدة مبهرة من فرط بساطتها واختلافها .
.........................................
‎يعشق يحيى الفخرانى الحرية ، حريته الشخصية ، لذلك نادرا ما تجده فى جلسة أو شلة أو على مائدة كلام لمدة طويلة ، متعته أن يجلس مع نفسه ، يتأمل كثيرا ، يراقب ، هارب من الواجبات الاجتماعية ، من الدوشة ، من الثرثرة ، من الأضواء ، أمتع أوقاته حين يذهب إلى البحر فى صباح مبكر لكى يجلس وحيدا يراقب ميلاد نهار جديد بكل ما يعنى الميلاد من فرحة ، لن يمكنك أبدا أن تجلس معه فى مناقشة طويلة ، بسرعة سوف يعود للاختباء داخل أفكاره ، إنها قصة الابن الوحيد الذى عاش فى منزل ريفى بسيط فى ميت غمر طفولة يلعب فيها مع نفسه ويتكلم معها ويحلم معها .
‎كثير من الأشياء التى تنقص من حياتنا فى بدايتها .. هى التى تجعلها كاملة فى وقت لاحق ، لا أتخيل يحيى الفخرانى مثلا لا يضحك ولا أتصوره مغرورا أو مجنونا جنون الفنانين ، لا يمكن أن تشعر يوما أن كم الشهرة والنجومية والحب الذى حصل عليه من جمهوره قد أضاف إليه نبرة سخرية أو غرورا أو تجاهلا .
‎بالعكس ، يزداد تواضعا كلما إزداد ثقل قدميه على الأرض .
.........................................
‎لا يحمل أفكارا سياسية ، لكنه يحمل الكثير من الأحلام لوطن كبير ، يرى أن دور الفنان الحقيقى هو الارتقاء بالمواطن من خلال مايقدمه من شخصيات تتحرك على الشاشة تنقل مشاعر وأحاسيس ورؤية ، نجيب الريحانى هو النموذج الذى سار إليه فى الحياة الفنية حتى وقت قريب ، الساخر الباكى البسيط الذى لا تعرف من أى طبقة إجتماعية ينتمى ولا من أى حارة من حاراتنا القديمة جاء ، قدرة التعبير عن الجميع قدرة فذة اختار أن يلعبها شخصية بعد أخرى ، تجلت فى ( خرج ولم يعد ) المواطن البسيط الهارب من زحام القاهرة الإنسانى فيقع فى هوى الريف ويندمج داخل عائلة يفتقد وجودها فى الواقع الافتراضى الذى أصبحنا جزءا منه ، جرس إنذار مبكر أطلقه فى منتصف الثمانينات ، قبل أن يواصل إطلاق إنذارات أخرى فى ( عودة مواطن ) من أهم أفلام السينما المصرية على الرغم أنه لم يأخذ حق الإنتشار والربح والنقد ، الفيلم الذى ناقش بجرأة عاصفة الخليج التى هبت على العائلة المصرية ، إذا أردنا أن نفهم ماحدث فى المجتمع المصرى وفى نسيج العائلة المصرية ، السلوك واللهجة والحلم والأفكار .. علينا أن نعود إلى ( عودة مواطن ) الذى أنتجه يحيى الفخرانى بكل مالا يملك .. وخسر فيه كل مايملك .
‎هذه التجربة تماما هى التى يتجلى فيها دور الفنان فى الحياة الاجتماعية والسياسية ، يتألق نجيب الريحانى الذى يخفيه يحيى الفخرانى ببراعة داخل موهبته الكبيرة، الساخر الحزين والعاشق المهزوم .
‎يرى يحيى الفخرانى وهو على حق أن السينما هى الكتاب الذى مهما مرت أزمنة .. فأنت تستعيده من مكتبتك وتقرأه كأنك لأول مرة ، لا يموت الفيلم السينمائى ، يعيش ويبقى ويكبر ويتجدد بمرور الوقت ، وفى كل مشاهدة تكتشف معان لم تكن معك فى المرات السابقة .
‎كان حلمه دائما أن يترك مكتبة سينمائية حافلة بأفلامه ، حتى وقت قريب كان يدخر نفسه لكى يصنع أفلاما يحبها ، وأدوارا تحبه ، تشبه ملامحه المنقولة من نسخة قديمة لروايات ألف ليلة وليلة ، لكن دراما التليفزيون وهذه العدسات التى لا تقترب كثيرا من وجه الممثل ، سرقته إلى عالم ليس فيه حسابات النجومية المزعجة التى يمشى على زجاجها المكسور نجوم الشباك ليحتفظوا بإيرادات تبقيهم على الأفيش وتفرض شروطهم فى العقود المكتوبة ، استقر هادئا هدوءا يليق به ضيفا مقبولا ومحبوبا ومدهشا على البيوت ، وجه أقرب إلى الاستدارة وجسد يشبه الآباء الطيبين وبساطة مفرطة فى الأداء وحظ رائع يجعله يلتقى مؤلفا بخميرة أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوى ، فكيف لا يتألق على هذه الشاشة الصغيرة ؟
.........................................
‎تعرف محمد يحيى الفخرانى ؟ مهما مضى عليه زمن نجومية نجاح سنوات ، لم يتغير .. هو نفسه الطفل القادم من بيت كبير فى مدينة صغيرة تلمس النيل بأصابعها ، ميت غمر مازالت تسكنه ، رائحة الفطير الساخن الشهى والعسل الطازح ، طبيخ البيت وشجرة التوت ، لكى تدرك من أين تأتى خصوصية موهبته ، عليك أن تمد يديك على طولهما لكى تكتشف أن هناك ماض جلس فيه طفل كلبوظ وحيد على حافة نهر يجرى يتأمل ، مؤكد أيضا أن الوحدة تمنح صاحبها حق الفرجة على كل مافى الحياة من أحدث وبشر ووشوش ، كم اختزل واختصر وادخر من وجوه مرت فى حياته طفلا ثم شابا ، كم حدوتة قبل النوم سمعها من أمه التى ألهمته وعلمته واستند إلى ذراعيها حتى وقت قريب ، تشجع طفلها على أن يعمل مايحب ، وهو أحب التمثيل ، درس الطب .. لكن الحب للتمثيل والتشخيص والتقليد والفن أقوى وأكبر ، الوحيد .. لم يعد وحيدا ، عشرات الشخصيات التى مثلها هى إما لشخصيات تمنى أن يكونها أو شخصيات تمنى أن تكون فى حياته ، بكل بساطة ، ليس هناك خط فاصل بين يحيى الفخرانى الذى يعيش بالحد المعقول من الحياة رغبة منه فى البساطة .. وبين الممثل الذى يتنقل بخفة فراشة وحرية عصفور من دور إلى آخر .
‎الفخرانى لا يمكن وصفه أو اختصاره فى مهنة ممثل ، هو شخص أحب التمثيل ، ومازال روح الهاوى تدفعه لأن يمثل بأجر صغير على خشبة المسرح ، لكى لا يموت الممثل الناضج فيه ، لكى يتجول داخل شخصية أحبها ، لكى يتمرن ويصبح فى كامل لياقته ، لا تشغل يحيى الفخرانى مكاسب النجومية بقدر حرصه على أن يبقى نجما قادرا على اختيار الشخصية والدور والسيناريو والمخرج ، متى يمثل ومتى يستريح ، لن يقبل فى يوم أدوارا ثانية لمجرد أن يبقى مطلا على الشاشة ، لن يوافق على وضع إسمه على اللوحة الثانية تقديرا للغة السوق ، لن يعود إلى مربع التنازلات .. فهو وصل إلى القمة التى ظل يعمل بجهد لكى يبلغها ، لكى تكون له الكلمة الأولى والأخيرة فى العمل الفنى .
.........................................
‎مازال يحب تلك التفاصيل الصغيرة التى تجعل حياته جميلة ، مهم للغاية عنده أن تكون الحياة هادئة عميقة ، وحدته القديمة كإبن وحيد .. جعله متمسكا بالعائلة ، التى صارت أبناء وأحفاد ، يعيش معهم العمر الثانى الذى يبدأ عند احتفالنا بعيد الميلاد الستين ، بعد الستين نحن فى الحقيقة إذا رغبنا نختصر سنة من عمرنا .. سنة بعد سنة ، إذا امتلكنا إرادة السعادة والبهجة وحب الحياة ، أروع مافى يحيى الفخرانى أنه يحول حزنه أو اكتئابه أو أزماته إلى طاقة مذهلة فى التمثيل ، يحول ماينقصه إلى إكتمال فى الأدوار التى يختارها عن إحتياج لكى يكتمل حلمه القديم بها .
‎كم شخصية خارج التوقعات فعلها .. وتصدى لتمثيلها ، كان جريئا للغاية حين وافق على تمثيل دور شرير منحه له المخرج عاطف الطيب فى الغيرة القاتلة ، ثم وافق على أن يخرج من برواز محكم على الحائط مع رأفت الميهى فى الحب قصة أخيرة ، ومع أحمد فؤاد فى الأوباش .
‎مرة أخرى ، مهما لمع يحيى الفخرانى فى الدراما التليفزيونية ، مهما تحول إلى جزء من طقوس الفرجة فى شهر رمضان ، وتحولت مسلسلاته إلى «نوستالجيا» لا تفارق ذاكرتنا .. فإنها السينما ، هى علبة المفاجآت المدهشة التى تصنع مزاج هذا الممثل الموهوب بدون مواربة ، ابتعد كلاهما فى اتجاهين مختلفين ، افترقا .. خسر الإاثنين ، لم تفهم السينما أن حجم موهبته تصلح لكى يصنع إيرادات التذاكر ، أو لعله لمع كممثل فى وقت كانت السينما تغير مواصفاتها ، تخلع محمود ياسين ونور الشريف ومحمود عبد العزيز .. وتستقبل فترة كساد وركود مع موجة من أفلام الضحك للضحك .
‎وتبقى أنجح المشروعات السينمائية التى مرت به ، وحققت نجاحا بالأرقام وبأقلام النقاد ، فيلم ( الأوباش) الذى كشف عن ممثل له وجوه عديدة تستحق المشاهدة ، وتجربة فيلم ( الكيف ) التى صنعت ثنائيا مذهلا مع محمود عبد العزيز .
......................................
‎هل يمكن أن يعود يحيى الفخرانى للسينما مرة أخرى بتجربة تشبه تجاربه المسرحية ، الدور والمشروع أهم من الأجر ؟ تحقيق ثنائى وأكثر مع نجوم كبار واحتفاء بنجوم من جيل أحمد السقا وأحمد حلمى وكريم عبد العزيز ؟
‎يحتاج الفخرانى أن يصنع مشروعه السينمائى بنفسه ، أن يبذل مجهودا لكى يختار الفكرة ويأتى لها بشركاء نجاح ، إننا أكثر إحتياجا لعمل سينمائى واحد على الأقل كل عام ليحيى الفخرانى وشركاه ، يحيى الفخرانى ومحمود عبد العزيز ، يحيى الفخرانى ويسرا ، يحيى الفخرانى وكريم عبد العزيز ومنى زكى .
‎ليس أمام النجوم إلا فك عقدة النجومية ، العالم كله يتجه نحو إنتاجات سينمائية جماعية قادرة على جذب الجمهور ، على إحداث الصدمة التسويقية ، على كل النجوم أن يجلسوا إلى مائدة واحدة ويفكر كل نجم بكل خبرته وكل نجوميته كيف يجمع الآخرين حوله لتنشيط صناعة تموت ، لإمتاع جمهور من حقه بعد أن صنع نجومية وثروة ومكانة الجميع .. أن يقدموا له فنا أفضل .
‎ليس ضربا من الجنون أن أفكر فى مشروع يجمع الثلاثة الكبار : الفخرانى إمام عبد العزيز ؟ الثلاثة فى كل أحوالهم لم تعد أمامهم فرص سينمائية رائعة فى سوق إختل عقله ، إلا بأن يكونوا معا .. ثلاث قنابل موقوته تنفجر معلنة بدء موسم جديد من السينما التى تنقب فى المجتمع عن إحتياجاته ، ثلاثة أسماء تساوى فى أرقام السينما حوالى 50 مليون جنيه ، لكنهم إذا صنعوا الفيلم الحلم بتنازل عن هذه الأرقام الضخمة لصالح إنتاج سينمائى جيد ، سيحققون أدبيا أكثر بكثير من هذه الألعاب الفردية التى أصبح لها سقف ولها فترة زمنية محددة ولها توقعات من الجمهور .
‎الفترة القادمة ، ربما العام القادم لم يعد يحتمل البقاء تحت دائرة التكرار ، تحت مسمى العمل الفنى الذى ينسب للنجم الواحد ، اللعبة الفردية لم تعد هى السلعة التى تحرك المشاهد لاستهلاك عمل فنى ودفع قيمته .
‎فلماذا لا نبدأ ؟ لماذا لا نتناقش ؟ لماذا لا نفكر فى أفكار تجعل العمر الفنى الإفتراض فى الفترة المقبلة أطول ؟
........................................
.‎حان الوقت أيضا ، لكى يقدم يحيى الفخرانى الدراما التليفزيونية الاجتماعية البسيطة التى تحتاج وجوده وقيمته ، دراما العائلة التى تناقش أدق التفاصيل فى المجتمع ، أن يمثل احتياجاتنا وليس فقط ما نندهش ونصفق ونعجب به من أدوار وأداء . الفرق كبير .. فالفخرانى يجب أن يعود لحلمه القديم وتعويذته الجميلة الفنان نجيب الريحانى ، إن أقوى نقطة موهبة يملكها الفخرانى هى تلك التى تجمع بين الجد والهزل ، بين الحقيقة والسخرية ، بين إرهاقنا المستمر فى مشوار الحياة وبين ضحكنا على هذه الحياة لكى تكتمل وتمضى وتستمر .
‎الفخرانى ، لابد أن يترك قليلا وهذا الوقت المناسب أدوار الشخصيات التى يفضلها وتستهويه .. إلى أدوار تمثل حياتنا بكل تفاصيلها .. تضرب فى الأعماق حتى تصل إلى الجذور ، فتنبت عشبا جديدا .
‎لا يمكن لعازف موهوب أن يستمر وهو يضرب فقط على أصابع البيانو السوداء ، السوداء والبيضاء هى التى تجعل الموسيقى ممتعة والعرض مدهش وغير متوقع .
........................................
‎من أمتع ماقدم مسلسل ( أوبرا عايدة ) و ( نصف ربيع الآخر ) و ( الليل وآخره ) و ( الخواجة عبد القادر ) و ( حمادة عزو ) و ( زيزينيا ) و ( أنا وأنت وساعات السفر ) .. أداء سهل ، بلغ حد العبقرية فى الأداء فى مشاهد كثيرة لم يسبقه لها أحد ، فإذا وضعنا يحيى الفخرانى على قائمة أهم الممثلين فى تاريخ السينما المصرية ، فأنت أمام ممثل صنع على مهل ببطء ، رفع نفسه من مرتبة ( الفن لأكل العيش ) إلى مكانة الفن الراقى المحترم الذى يبقى ممتعا فى كل زمان ومكان .
‎عبقرية الفخرانى تكمن حتما فى فن الاستغناء عن الهيكل العظمى للنجومية ، هو يمثل .. وليس ممثلا ، وهو نجم لكنه لا يعيش هناك مملوكا لفكرة الشهرة .
‎وسوف يستمر ، لا خوف على أفول نجمه ، لأنه حقيقى .. ولأن داخله ( صندوق الدنيا ) ، يمد يديه لكى يأتى بشخصيات أحبها فيقدمها دون إرهاق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.