كيفية حفظ لحوم الأضاحي.. خطوات بسيطة لصحة آمنة في عيد الأضحى    دوى صافرات الإنذار وإعلان حالة التأهب الجوى فى كييف و11 مقاطعة أخرى    أبو الغيط: الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بلبنان تهدد بتجدد العنف    وول ستريت جورنال: إيران تطلب من الصين مواد لمئات الصواريخ الباليستية    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    تحرك أمني لضبط صاحب شركة مقاولات وهمية نصب على المواطنين في ملايين الجنيهات بالهرم    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في القاهرة والإسكندرية وجميع المحافظات    موعد ظهور نتائج سنوات النقل في الجيزة عبر بوابة التعليم الأساسي 2025 (تفاصيل)    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    محافظ الأقصر يتفقد ساحة أبو الحجاج استعدادًا لصلاة العيد (صور)    وفاة الإعلامية والكاتبة هدى العجيمي عن عمر 89 عاماً    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    رسميًا الآن.. موعد صلاة العيد الاضحى المبارك 2025 ( التوقيت المحلي)    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    عمر جابر: جمهور الزمالك يستحق بطولة    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    محمد أسامة: ثلاثي الزمالك استكمل المباراة مُصابين ونهدي اللقب لجمهورنا    اليوم.. الرئيس السيسي يؤدي صلاة العيد بالعاصمة الإدارية    4 قضاة في مرمى النيران، الجنائية الدولية تصف عقوبات واشنطن بمحاولة تقويض استقلاليتها    غارات إسرائيلية جديدة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية    عقوبات أمريكية على 4 قضاة بالجنائية الدولية لإصدارهم مذكرات ضد نتنياهو    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    مصرع شابين وإصابة 4 آخرين أثناء سباق موتوسيكلات بكفر الشيخ    وفاة شقيقين وابن عمهم في تصادم ملاكي مع تروسيكل بالإسماعيلية    عيار 21 يقفز أكثر من 100 جنيها.. مفاجأة في أسعار الذهب محليا وعالميا أول أيام عيد الأضحى    بيراميدز يهنئ الزمالك بالفوز بكأس مصر    طرح البرومو الرسمي لفيلم the seven dogs    بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر 2025    ناصر منسي: أهدي كأس مصر لجماهير الزمالك الوفية    طريقة صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 وصيغة التكبيرات الصحيحة    وزير السياحة يتفقد مخيمات الحجاج فى عرفات ويشيد بالتنظيم    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    عاجل.. "الشهر العقاري" تواصل تقديم خدماتها خلال إجازة عيد الأضحى    سالى شاهين: مجال ملكات الجمال مش شبهى ولا شخصيتى    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    المايسترو تامر غنيم مديرًا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 2025    وفاة الإذاعية القديرة هدى العجيمي صاحبة برنامج «مع الآباء الشبان»    الرئيس السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى بالعاصمة الإدارية    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    ما هي سُنة الإفطار يوم عيد الأضحى المبارك؟    سُنن الخروج لصلاة العيد.. احتفالات واتباع للسنة النبوية    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    الري: خطة طوارئ شاملة لمواجهة فترة أقصى الاحتياجات المائية بعيد الأضحى    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف ومستعدون للانخراط في محادثات جديدة لإنهاء الحرب    الإمام الأكبر يهنئ الرئيس السيسي وقادة العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك    السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى اليوم في مسجد مصر بالعاصمة الجديدة    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي محافظ بورسعيد ويبحثان سبل تطوير الخدمات الصحية    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هؤلاء المبدعون العظام.. وأفلامهم المدهشة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 04 - 2016

إذا كان الأمر يتعلق بالخلق والابداع.. فإن مصر هي التي علمت الدنيا ما لم تكن تعلم..
وهي التي أمسكت بالقلم وعلمت العالم كله قبل الزمان بزمان.. كيف يكتب وكيف يقرأ وكيف يفهم وكيف يتعلم؟
وفي شارع الفن والأدب والخلق والابداع.. فإن عربة مصر دائما في المقدمة.. هذا هو قدرها.. وهذا هو دورها في هذه الدنيا..
حتي إذا سبقها أحد أو تخطاها.. فإنها تلاحقه وتلحقه ثم تسبقه وتتقدم الصفوف.. كل الصفوف..
ولأن السينما قد أصبحت أعظم الفنون التي عرفتها البشرية وأكثرها إثارة وتشويقا وإقبالا.. وأصبحت صناعة هائلة تتدفق في عروقها آلاف المليارات من الدولارات كل سنة.. وأصبح نجومها ونجماتها يتقاضون أجورا خيالية تتجاوز العشرين مليون دولار، وهو رقم لو سمع به حسين صدقي بطل فيلم العزيمة أحسن فيلم مصري في القرن العشرين باعتراف الكاتب السينمائي الفرنسي الشهير جورج سادول.. والذي تقاضي في الفيلم ستين جنيها بحالها.. لسقط من طوله!
وأصبحت ميزانية فيلم أمريكي واحد الآن تتجاوز ميزانية دولة بحالها من دول افريقيا الوسطي أو بحر الكاريبي!
وإذا كانت شمس السينما قد أطلت علي الدنيا في الثامن والعشرين من ديسمبر من عام 1895.. يعني من 121 سنة.. من خلال أول عرض سينمائي أقامه للجمهور الفرنسي الاخوان لومير في قاعة الصالون الهندي بمقهي الجراند كافيه في شارع كابوسين في باريس.. والذي اعتبره مؤرخو السينما.. التاريخ الرسمي لبداية تاريخ السينما في العالم.
فإن مصر بعد أربعة أيام فقط لحقت نفسها وشهدت أول عرض سينمائي أقيم في مقهي زواني في الاسكندرية في أول يناير عام 1896.
وبعد 28 يوما لاغير شاهدت القاهرة أول عرض سينمائي في العالم أقيم في دار سينما »سانتي علي مقربة من فندق شبرد القديم الذي احترق في حريق 26 يناير 1952 وتحول إلي ساحة لانتظار السيارات!
وكان غير مسموح للسيدات بحضور العرض السينمائي.. إلا بعد نحو عام كامل.. عندما نشرت جريدة الأخبار.. وهي غير جريدة الأخبار الحالية التي أصدرها مصطفي أمين وعلي أمين في عام 1952 خبرا في ديسمبر 1896 يسمح للسيدات بحضور عرض السينما توغراف في حمام شنيدر من الرابعة حتي السادسة مساء مع أطفالهن ليشاهدن أبرع وأبدع ما يراه المتفرج!
أما أول دار للسينما في مصر فقد أقيمت في عام 1897 ولكن في الاسكندرية بشارع لومير بمحطة مصر وكانت الاسكندرية سباقة دائما في مجال السينماتوغراف!
وقد نشر الأهرام أيامها أن المصريين يشكون من سوء المعاملة داخل دور السينما حيث كانوا يتركون الصفوف العشرة الأول للأجانب.. أما المصريون فإنهم كانوا يجلسون في مقاعد الترسو، يعني طول عمرهم في آخر صفوف المتفرجين!

وقد أجمع المؤرخون وكتاب السينما في مصر والعالم أن يوم 20 يونيو من عام 1907 هو بداية تاريخ السينما المصرية.. ما شاء الله يعني من 109 سنوات بالتمام والكمال!.
ولقد اعتبر النقاد أن ظهور فيلم زيارة إلي جناب الخديو العالي عباس حلمي الثاني للمعهد العلمي في مسجد المرسي أبوالعباس وعرضها في سينما فون عزيز ودوريس الذي أنتجته شركة مصرية بأموال مصرية وصنع في مصر وأخرجه الفيزي أورفانيللي هو أول فيلم مصري حقيقي.. وهو بداية صناعة السينما في مصر.
وإن كانت هناك آراء لاتري ذلك.. وتري أن مئوية السينما سوف تجيء بعد عشرين سنة قادمة في 16 نوفمبر 2027.. بعد مائة سنة من عرض أول فيلم روائي مصري اسمه »ليلي«.. ويقول ذلك نقاد سينمائيون كثر منهم الزميل محمود قاسم وسعد الدين توفيق ومحمد دوارة ومجدي فهمي وآخرون.

وإذا كنا نؤرخ للسينما المصرية بعد 107 أعوام.. فإنها كانت حتي الستينيات من القرن العشرين.. ثالث دولة في العالم في مجال السينما بعد أمريكا وفرنسا.. ما الذي جري لنا؟
ولماذا تأخرنا ولا أقول تدهورنا وأصبحنا نجلس في صفوف الترسو؟
علي أي حال منذ ظهور أول فيلم مصري روائي بطولة عزيزة أمير قال لها الشاعر أحمد شوقي بعد عرضه الأول يوم 17 نوفمبر 1927 في دار سينما متروبول: »لقد فعلت ما لا يقدر عليه الرجال!«
أتعرفون كم تكلف الفيلم كله؟
لقد تكلف بأسعار ذلك الزمان ألف جنيه بالتمام والكمال!
ماذا فعلنا.. وماذا قدمنا؟
لقد قدمنا من خلال مشوار السينما المصرية أفلاما عظيمة إبان العصر الذهبي للسينما المصرية.. في مقدمتها: العزيمة للمخرج المبدع كمال سليم وتمثيل فاطمة رشدي وحسين صدقي + لاشين الفيلم الذي تنبأ بثورة 25 يناير قبلها ب 62 عاما.. ومنعت السراي الملكية عرضه في أول ليلة من عام 1938 + فيلم ابن النيل ليوسف شاهين وتمثيل فاتن حمامة وشكري سرحان + بداية ونهاية لصلاح أبوسيف وتمثيل سناء جميل وعمر الشريف وفريد شوقي + ثمن الحرية لنور الدمرداش تمثيل محمود مرسي وصلاح منصور + سي عمر لنجيب الريحاني + السوق السوداء لعماد حمدي وزكي رستم واخراج كامل التلمساني + ريا وسكينة لأنور وجدي + صراع في الوادي ليوسف شاهين + الفتوة لصلاح أبوسيف + رد قلبي لعز الدين ذو الفقار + باب الحديد ليوسف شاهين + الناصر صلاح الدين ليوسف شاهين أيضا + القاهرة 30 لصلاح أبوسيف +أم العروسة لعاطف سالم+ البرئ لعاطف الطيب + عشرات الأفلام الجميلة التي انتهي بها العصر الذهبي للسينما.
وإذا كان يوسف وهبي قد أبكانا كثيرا.. فإن الريحاني وعلي الكسار واسماعيل يس وأخيرا عادل إمام قد أضحكونا أكثر.. وإن كان الأخير قد سجل قفزة سينمائية رائعة تخرجه من سباق أفلام الموجة الجديدة التي انحدر بعضها بالفن السينمائي إلي أسفل سافلين.
ولقد ظهر نجوم عظام علي مدي المائة عام: يوسف وهبي + زكي رستم + محمود المليجي + شكري سرحان + نجيب الريحاني + صلاح منصور + فريد شوقي + أحمد مظهر + محمود مرسي + عمر الشريف + أحمد زكي + يحيي الفخراني + نور الشريف + محمود عبدالعزيز + حسين فهمي + عزت العلايلي.
وسطعت نجمات مشرقات: عزيزة أمير + فاطمة رشدي + أمينة رزق + فاتن حمامة + سعاد حسني+ هند رستم + شادية + ماجدة + سميحة أيوب + سناء جميل + فردوس عبدالحميد.
وظهر مخرجون عظام أمثال: يوسف شاهين + صلاح أبوسيف + كمال سليم + شادي عبدالسلام + حسن الامام + عاطف سالم + عاطف الطيب + داود عبدالسيد + محمد خان + خيري بشارة + رأفت الميهي..
إنها قصة السينما المصرية عبر قرن من الزمان.
إنها رحلة حب عمرها 100 سنة ويا لها من رحلة ويا لها من حكاية.
ولأن مصر طول عمرها ولود ودود.. فقد ولدت لنا مصر جيلا سينمائيا عبقريا هو امتداد لشجرة السينما المصرية المتألقة التي تكاد تضئ ليل المصريين الغلابة المطحونين دنيا وآخرة.. بهجة ومرحا وحبا وانتماء وعشقا لتراب هذا الوطن..
ليست السينما وحدها.. ولكن في كل الفنون والآداب والكتابة والشهر والقصة والمسرح وفنون الرسم والألوان والأحبار والموسيقي والغناء.. وكل اشعاعات شمس الابداع المصرية التي تألقت وأبدعت وتجملت وجملت الحياة كلها.. ولقد كان قدرنا أبناء جيلي وأنا منهم أن نعيش هذا الزمن الطيب الجميل..
يخبرنا الناقد السينمائي كمال رمزي أنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة تألق عدد لا يستهان به من النجوم: نور الشريف ومحمود ياسين وعادل إمام وحسين فهمي وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز ويحيي الفخراني.
وفي المقابل تغيرت ملامح وأبعاد بعض النجوم، واختفي البعض الآخر.
فريد شوقي، ويحيي شاهين، وعماد حمدي، بفعل الزمن.. تركوا أدوار فتيان الشاشة، ليصبحوا من أرباب العائلات كل منهم علي طريقته ولأن الثمانينيات القاسية، فضلا عن السبعينيات المؤثرة، والتسعينيات الحبلي بشتي التوقعات، لم تكن تحمل صورة الولد الشقي، العابث، المترنح سكرا، فإن أحمد رمزي سرعان ما أنطفأ بريقه لينسحب من الشاشة، ويلحق به حسن يوسف متعزلا متعللا بفكرة أن السيما حرام!
يعود كمال رمزي إلي تشغيل شريط سينما الستينيات: كان من المستحيل أن تقبل سينما الاربعينيات والخمسينيات نجوما علي غرار أحمد زكي أو عادل امام أو يحيي الفخراني أو حتي نور الشريف أو محمود ياسين .. فهؤلاء النجوم لاعلاقة لهم بأجسام نجوم الماضي الممشوقة ذات الطابع الر ياضي، وملامح وجوههم تخاصم نضارة وأناقة وجمال شعر محمود ذو الفقار وحسين صدقي وأنور وجدي. كما أنهم للعديد من الاسباب الموضوعية والذاتية، ابتعدوا عن طريق العشاق الملتهبين المعذبين بحبهم العاصف المستحيل، الذي حرق قلبي عماد حمدي ويحيي شاهين مرارا
امام نجوم الحاضر او الجيل الثالث، ولدوا في الاربعينيات، في أسر متوسطة الحال، انفتحت أمامهم آفاق التعليم المجاني، بفضل الثورة، وخفقت قلوبهم بأحلام الستينيات، وطن مستقل، عادل، وعمل شريف، يتيح للجميع فرصة الحياة السوية الكريمة، أنهم أصلا من البسطاء القدامي من قلب الحياة، ورثوا قدرا من تواضع التغذية، يتجلي في لون البشرة المنطفئ، والاجسام الهزيلة النحيلة غالباً، فيما عدا يحيي الفخراني البدين بطبيعته وليس بسبب حياج ارستقراطية ناعمة
الاستثناء يتمثل في حسين فهمي أبيض البشرة، أخضر العينين أصفر شعر الرأس ناعمة!
وينضم حسين فهمي إلي زملاء جيله القادمين من أحراش الحياة الذين يخوضون صراعات طويلة مضنية واقعية، تنتهي« في الكثير من الاحيان بخسارتهم وهزيمهتهم فهو المدرس الجامعي المكافح في »انتبهوا أيها السادة« لمحمد عبد العزيز 1980، الذي ينافسه متعهد جمع القمامة »محمود ياسين« علي خطيبته فحسب، بل يستولي عليها كزوجة، وهو رجل القانون، المتواضع الحال في »العار« لعلي عبد الخالق 1982، الذي يجسد نفسه متورطا في تجارة المخدرات مع شقيقيه: نور الشريف ومحمود عبد العزيز.
أما محمود حميدة، فرغم أن ظلال رشدي أباظة المفهم بالقوة، تتسلل إليه فإنه. مع مخرجيه. يتخلي عن أنتصارات أباظة ليسير في ركب الخاسرين، و علي الأقل الذين يعشون علي هامش الحياة، أنه مجرد تابع مخلص لتاجر المخدرات في »الامبراطور« لطارق العريان 1990 تنتهي حياته قتيلا علي يد سيدة، وهو البائع الجوال في »حرب الفراولة« لخيري بشارة 1994، وسائق الميكروباص المنهك نصف الضائع، مدمن التدخين الذي ورث داء الربو من والده في »عفاريت الاسفلت« لأسامة فوزي 1995.
ملحوظة من عندي: وان كان أعظم أدوار محمود حميدة الذي صفقت له طويلا هو دوره في فيلم »بحب السيما«.. كمدرس قبطي محافظ علي تعاليم دينه بالحرف.. حتي الاقتراب من زوجته!
...................
....................
أحمد زكي يقفز إلي الصف الأول
ومن قلب الواقع المر.. من البيوت الميتة المظهر.. من قلب العتمة والوجع يولد أحمد زكي .. الذي يصفه لنا الناقد سمير فريد في فيلم »عيون لاتنام« للمبدع رأفت الميهي عام 1981 بقوله: »أنه نجم السيما المصرية« بشعره الأكرت، ووجهه الفرعوني الأسمر، وعيونه التي تتطلع إلي العالم في براءة الأطفال وحمق المجانين، وملابسه التي يرتديها أي شاب تلتقي به قارعة الطريق، وحركته الطبيعية، وصوته العادي الجميل، وإلقائه العفوي للحوار، إنما يعبر عن الشاب المصري الضائع الذي لايدري ما الذي يحدث حوله في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات في القاهرة والاسكندرية وكل المدن والقري المصرية
وفي أفلامه، زاول أحمد زكي العديد من المهن الهامشية وتحايل علي الحياة بكل السبل فهو سائق سيارة أجرة بين الأقاليم، في »طائر الطريق« لمحمد خان 1981، والطبال في »الراقصة والطبال« لأشرف فهمي 1984 وجندي الأمن المركزي المتمرد في »البرئ« لعاطف الطيب 1988، والصعلوك في »أحلام هند كاميليا 1988.
ويتوهج أحمد زكي بالمشاعر علي نحو بالغ الاقناع، وربما كان بلا مغالاة الأكثر موهبة بين مجمل نجوم السينما العربية، ذلك أنه يستطيع بسلاسة أن يكون أي شئ يريده ويتمتع بقدرة فائقة في التعبير عن الشخصيات والمواقف التي يمثلها بأسلوب متفرد شديد الخصوصية في »زوجة رجل مهم« لمحمد خان 1988، يحال الي التقاعد كضابط مباحث ويفقد نفوذه مما يجعله في توتر عنيف وفي مشاجرة مع جاره، يتهدج صوته ويمسي رفيعاً مختنقاً متقطعاً، ترتبك الحروف في أثناء النطق، كما لو أنه طفل غاضب، مقهور، علي وشك البكاء.
وفي »البيه البواب« لحسن ابراهيم 1987 يتعمد أن يجعل رقبته منتصبة، فيظهر قفاه طويلا، عريضا، يبعث علي السخرية من صاحبه في البداية، لاحقا سيجعلنا نري ما الذي سيفعله هذا القفا الذي سينتقل بسبب خلل القيم، من حال الي حال.
ويبدع ابداعا في تقمص شخصيتي عبد الناصر والسادات في فيلمين متتاليين.. وتحسب انه عبد الناصر حقاً مرة.. وتتأكد أنك تري السادات وقد عاد الي الحياة مرة أخري!
.....................
....................
ثلاثي الابداع: نور + يحيي + محمود
أما صديقنا العزيز نور الشريف الذي رحل عن الحياه دون سابق انذار فإنه يخضع الشخصيات التي يتقمصها الي نوع دقيق من الدراسة التاريخية والاجتماعية والنفسانية، ثم يبحث عن الوسائل النموذجية التي تتواءم معه كي يعبر عنها في »مع سبق الاصرار« لأشرف فهمي 1987، يجسد شخصية مدرس الريف المضطرب، نصف المنهار، نصف المهزوم، علي كل المستويات، نظرة الكليل مع أغماض العينين، بعصبية بين هنية وأخري، الأمر الذي يكشف عن اصابته برمد زمني عندما كا طفلا، البذلة الوحيدة القديمة المهترئة، تتم عن وضعه الاقتصادي المتدهور، حركته المضطربة، المرتبكة تشير بوضوح إلي نفسيته المحطمة، وفي »كتيبة الاعدام« لعاطف الطيب 1989، عندما يخرج من السجن، بعد سنوات طويلة قضاها في زنزانة ضيقة تبدو خطواته الأولي في شوارع المدينة، خائفة، مترددة فالشارع بضجيجه وسيارته وناسه بالنسبة لمن لم يره منذ أعوام يغدو أكثر ازدحاماً واتساعاً وخطراً.
في »الصعاليك« 1985 أسند المخرج داود عبد السيد بطولة فيلمه لكل من نور الشريف ومحمود عبد العزيز ويتفهم جعل نور الشريف يقوم بدور العقل المدبر، الذي يخطط لكيفية الصعود من القاع إلي القمة، بينما يؤدي محمود عبد العزيز دور الصديق المخلص والشريف العاطفي، الذي يتبع قلبه في سلوكه وتصرفاته، وهذه التوزيعة النموذجية تستجيب للفارق العتيق. الموجود أصلا بينهما، وفي مقدمتها طريقة الأداء، فإذا كان كل لفتة، وحركة ونظرة عند نور الشريف، محسوبة بدقة، فإن محمود عبد العزيز يتدفق علي الشاشة وعلي نحو عفوي، تلقائي، لايخيب، لذلك فإن أجمل أدواره وأعمقها وأكثرها اتساقا مع شخصيته، هي تلك التي يطالعنا فيها كرجل مقبل علي الحياة، شغوف بها، يعيشها ولا يتأملها، فهو في »الكيت كات« لداود عبدالسيد 1991 الضرير الذي يصر بكل جوارحه علي أن يندمج في قلب الحياة مستمتعا بمباهجها.
وفي »البحر بيضحك ليه« لمحمد كامل القليوبي 1995، يترك حياته البرجوازية وينضم إلي مجموعة من اللا منتمين للمجتمع، مستمتعا بحياة لاتقيم وزنا لمعايير النجاح والفشل السائد في طبقته المزعجة، الخاضعة بخنوع لسلسلة طويلة من الممنوعات والنواهي.
ورأيي الشخصي: أن أعظم أدوار الصديق العزيز محمود عبد العزيز هو دوره في فيلم »الكيف« مع يحيي الفخراني وذلك الممثل الفذ الذي كسر قاعدة »الشكل الي المضمون« فهو أول فنان سمين يجلس علي عرش التمثيل الجيد والرصين والمؤثر.. يدخل قلبك ببساطة ودون أن تفكر
وقد قدم محمود عبد العزيز دور الفتي الضائع الذي يجد نفسه في سكة الأغاني السوزوكية والصنف والسلطنة،، ويجر معه شقيقة يحيي الفخراني تحت اغراء المال.
بل أن أغانيه في هذا الفيلم أصبحت منتشرة علي الموبايلات.. ثم دوره مع المتألق صاحب الألف وجه نور الشريف في فيلم »العار« الذي ورث فيه مع المتألق الوسيم حسين فهمي مملكة الكيف من أبيهم.. وكلمات نور الشريف عن الحشيش: »لوكان حلال بنشربه.. ولو كان حرام أدي احنا بنحرقه!«
ولاننسي آخر لقطة في الفيلم للصديق محمود عبد العزيز فوق القارب وهو يرقص ويغني: الطراحة الطراحة ويندب حظه العاثر بعد ذوبان المخدرات في البحر المالح!
محمود ياسين يمسك بالخيط الرفيع!
ولقد جاء محمود ياسين إلي عالم السيما، مدعما بأسباب النجاح: خبرة بالأداء التمثيلي اكتسبها إبان اشتغاله بالمسرح، وجه تعبر قسماته عن العناء، نظراته هادئة، عميقة، لاتقتحم بقدر ما تتأمل، تبدو كما لو أنها تنظر الي داخل نفسه، فضلا عن صوت مؤثر واضح النبرات، ينبض بالصدق.
ووجد محمود ياسين فرصته الكبيرة في السينما، عندما منحه بركات بطولة »الخيط الرفيع« 1971 أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والأهم ان دوره هنا الملائم له تماما، المستوحي من قلب الواقع، فتح له الطريق ليقدم بنجاح عشرات الأدوار التي تعد تتويعا علي شخصيته في الخيط الرفيع: الوافد الجديد الي الشرائح العليا في المجتمع، التي أخذت تسيطر علي مقدرات الأمور في السبعينيات، وهو يتسلل اليها مدججا بسلاح العلم الذي حصله مجانا في الستينيات، فضلا عن دأبه علي العمل، ولكن أيضا بنزعته الانتهازية التي تجعله يضرب بالقيم الاخلاقية عرض الحائط، ويشعر في جانب من قلبه بالذنب، يعبر عنه بمعالم العناء البادية علي وجهه.
فإذا كانت التغييرات السريعة في الخريطة الاجتماعية . كما يقول لنا الناقد كمال رمزي خلال ربع القرن الأخير، انعكست علي نجوم الفترة نفسها، وجعلت البعد الطبقي واضحا عند كل منهم، فإذا كان احمد زكي وعادل إمام يمثلان علي الشاشة في الكثير من أفلامهما الفئات المتدنية الهامشية، فإن محمود ياسين ويحيي الفخراني من بعده يعبران عن الطبقة الوسطي في سنوات الانفتاح التي شهدت تبجيلا فظا لقيم الربح السريع، وترحيبا فظيعا بالانتقال من حال الي حال، بأي وسيلة ، أن محمود ياسين في » غابة من السيقان« لحسام الدين مصطفي 1974 و«العذاب امرأة« لأحمد يحيي 197 علي سبيل المثال يجسد قلق ابن الطبقة الوسطي النابه وحيرته، عندما وجد نفسه في أحضان فئات بالغة الثراء، ولكن عليه ان يتوافق ويتماشي مع انحطاطهم فينتهي امره بالجنون! كما في »السادة المرتشون« لعلي عبد الخالق عام 1983.
يحيى الفخرانى ممثل الطبقة المتوسطة!
ثم يأتي يحيي الفخراني ليستكمل جانبا من النماذج التي قدمها محمود ياسين.
الفخراني ابن الطبقة المتوسطة علي الشاشة طبعا التي كانت فيما مضي شديدة الالتزام اخلاقيا ووطنيا يجد نفسه وسط دوامة التغييرات، كارها لوظيفة لاتتيح له حياة كريمة وغير متوافق مع خطيبة طموحة فيهرب من المدينة كلها في »خرج ولم يعد« لمحمد خان 1985، وفي »عودة مواطن« لمحمد خان 1986، يعود بعد غياب سنوات طويلة في احدي دول الخليج ليفاجأ بانقلاب القيم الذي اقتحم اسرته ، بأشقائه الذين احبهم من كل قلبه، وعلي نحو مرهف، بالغ الرقة والعمق، ينتهي الفيلم بيحيي الفخراني حزينا، جالسا علي مقعد في بوفيه المطار لايقوي علي المغادرة، ولايرغب في البقاء فتتوقف دمعة علي جانب من وجنتيه.
صلاح السعدنى.. سارق الكاميرا!
وفي رأيي أن محمود عبد العزيز يحيي الفخراني نجحا بامتياز علي الشاشة الصغيرة.. الأول في مسلسل »رأفت الهجان«، والثاني في مسلسليه »جحا« و«ليالي الحلمية«، وان كان العمدة صلاح السعدني قد سرق الكاميرا من الجميع وتفوق علي الجميع في مسلسلي »ليالي الحلمية« و«أرابيسك«.. واذا كان أحد عنده اعتراض.. فليتقدم!
..............
..............
ومازالنا مع المبدعين العظام وافلامهم المدهشة!{
هذه صفحات مجهولة من صفحات الاهرام عبر مشوار صحفى طوله 140 سنة.. للاجيال الصحفية التى تبشر بخير كثير فى رحلة البحث عن الحقيقة وحب مصر
Email:[email protected]
لمزيد من مقالات عزت السعدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.