لا تكاد تتحدث إلى أحد هذه الأيام إلّا وتجده مكتئبا يحدثك حديثا يثير فى النفس اليأس، ويملأ أذنيك وروحك بالإحباط والقنوط. وأصبح السؤال المركزى فى حواراتنا كلها هو: «هو البلد ده رايح على فين؟». وحتى وإن تصادف وتكعبلت فى أحدهم يبتسم أو يضحك أو يطلق القفشات والنكات - وهذا أمر نادر الآن- فسترى الناس ينظرون إليه باستغراب شديد كأنه كائن أبله هبط عليهم من كوكب آخر! التشاؤم صار هوايتنا الأثيرة، ولعبتنا المفضلة، وحديث الصباح والمساء.. بل وأصبحنا نتبارى ونتنافس لإظهار مَن فينا الأكثر براعة فى ترديد أغنية الحزن الكئيبة تلك. تلتقى الواحد منهم فتسأله: عامل إيه؟ فيرد عليك متحسرا: «آهى ماشية» بينما لسان حاله يصرخ فى وجهك: مافيش أى حاجة ماشية. وعندئذ ستسأل نفسك: هل صحيح أننا فى مصر بهذا القدر من السوء والانهيار والتدهور.. أم أن فى الأمر مبالغة ما وإسرافا لا داعى له؟ لا أحد يشكك فى أن أمورنا ليست كلها على ما يرام.. والأزمات تلاحقنا.. والكثيرون منا تعبانون. لكن هل كنا- نحن المصريين- فى السنوات الماضية نعيش فى حال أفضل مما نحن عليه الآن؟ هل كنا فى الماضى- مثلا- نحيا الحياة الهنيّة، ونأكل المهلَّبيّة، كالناس فى الدول الإسكندنافية، أو فى باريس الفرنسية، أو لندن البريطانية.. ثم باغتتنا الأيام فسقطنا فجأة على جذور رقابنا؟ أبدا.. طول عمرك يا بهيّة وانتِ على دا الحال.. فما الجديد؟ إن المصرى طوال تاريخه وهو يعانى الأزمة تتلوها الأزمة، ويشكو شظف العيش وضيق ذات اليد.. وإن شئت فشاهد أفلامنا القديمة، أو انصت إلى شكايات سيد درويش والنديم وبيرم وجاهين وغيرهم.. فلماذا تلك البكائية التى تفشّت فاستعمرت القلوب والعقول والأذهان وأقعدتنا عن السعى فى طلب الرزق.. وأسلمتنا إلى الاستهتار والتقاعس والبلادة؟ تعال نحسبها بعقل بارد: عندنا أزمات اقتصادية؟ نعم. لكن هل نحن وحدنا فى دنيا الله الذين نعانى الأزمات الاقتصادية؟ انظر حولك وسترى الدنيا كلها تعانى ومع ذلك فلم نرهم هناك يستسلمون لليأس، أو يقعدون جنب الحائط يلطمون الخدود والأصداغ. حتى الدول الإفريقية التى كنا نتندّر عليها بدأت فى الانطلاق والتقدم. طيب.. هل أزماتنا عصيّة على الحل؟ أبدا.. الحلول موجودة فليس فى الحياة مشكلة بلا حل إذا توافرت الفطنة.. ونهضت العزيمة.. وسكنت رعشة الخوف. إن مشكلتنا هى ببساطة انعدام الأمل. إنك إذا أردت أن تهدم شعبا فانزع منه الأمل فى المستقبل. لقد استرحنا wإلى أكذوبة «خلاص يا عمّ مافيش فايدة فتعالوا بنا نبك على الأطلال!».. وكما هو معلوم فإن الكسل هو بداية خروج الأمم من التاريخ. يعنى ما الحل؟ صدق أو لا تصدق.. إن مصر لديها من الموارد والعقول والخبرات التاريخية الموروثة ما يمكن أن يقودها- ليس فقط للخروج من أزمتها- بل وأن تصبح واحدة من أنجح الدول. والبداية هى إعادة الأمل إلى النفوس الضائعة. وعلى سبيل المثال فإن الأمل هو بداية طريق مكافحة الفساد. كيف يعنى؟ بأن نردد على أنفسنا ليل نهار أننا عازمون على خوض معركة القضاء على الفساد ولسوف نكسبها. وأيضا فإن الأمل هو الذى سيحفزنا على العمل وبذل الجهد والتفانى.. حتى لو كان بعض المستكينين للفشل يعرقلون المسيرة. تعالوا نكن عمليين ونطرح هذا الاقتراح: لماذا لا تبدأ وسائل الإعلام والصحافة والمسئولون الكبار ورجال الأعمال وقادة الرأى والمدرسون والأطباء والموظفون فى تغيير نغمة التشاؤم واستبدال أنغام الفرح بها ؟ تعالوا نضف إلى ذلك الشعار الجميل «تحيا مصر» كلمة ثالثة ليصبح الشعار «تحيا مصر بالأمل».. هيا نجعل من العيد الكبير يوما لوضع حجر الأساس لمشروعنا القومى الجديد. لمزيد من مقالات سمير الشحات