منذ أيام قليلة كانت الذكرى الثالثة لفض اعتصام ميدانى «رابعة والنهضة»، تلك الأيام التى شهدت فيها بعض المحافظات واحدة من أسوأ الهجمات الطائفية التى بدأت فى 14 أغسطس 2013، واستمرت لعدة أيام، قام خلالها أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى بمحاولات عديدة لإثارة الفتنة الطائفية من ناحية، ومعاقبة الأقباط على مشاركتهم ووقوفهم بجانب كل فئات الشعب فى ثورة 30 يونيو من ناحية أخري. حيث تم الاعتداء على نحو 67 كنيسة ومنشأة قبطية فى محافظاتالمنيا، وسوهاج، والفيوم، والسويس، والجيزة، وأسيوط، وبنى سويف، والعريش , وفور وقوع هذه الأحداث تصدى لها المواطنون المسلمون والأقباط معا، مكونين لجانا شعبية لحماية دور العبادة المسيحية، مما قلل من خسائرها، كما تسابقت أجهزة الدولة المختلفة من أجل إزالة آثار هذه الهجمات وإعادة بناء وترميم ما تم «تخريبه» على ثلاث مراحل، تم الانتهاء من مرحلتين، والثالثة جار العمل فيها على «قدم وساق» ليتم افتتاحها فى عيد الميلاد المقبل كما وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي. عقب نجاح ثورة 30 يونيو المجيدة، وإعلان خارطة الطريق فى 3 يوليو 2013، وإزاحة حكم الإخوان المسلمين بقرارات شعبية، أقام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى اعتصاما مفتوحا فى ميدان رابعة العدوية، وبعد عدة أيام تم إقامة اعتصام آخر فى ميدان النهضة، معلنين تحديا واضحا لإرادة الشعب المصرى، واستمر الاعتصامان ما يقرب من 41 يوماً، حتى قررت الدولة فضهما بالطرق السلمية فى 14 أغسطس من نفس العام - نزولا على رغبة أبناء الشعب الذين يقيمون فى هذه الأماكن، والمتضررين من تصرفات المعتصمين، التى «قلبت» حياتهم، حتى قام البعض منهم بترك مسكنه والانتقال إلى مكان آخر، وبعد فض الاعتصامين، سادت حالة من الغضب بين أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، كان من نتائجها خروج مسيرات فى مختلف محافظات الجمهورية، نتج عنها عمليات تخريبية كثيرة، وكان أغلبها موجهاً نحو دور العبادة المسيحية ( الكنائس). نتائج التخريب كانت محافظة المنيا من أكثر المحافظات خسائر فى تلك الأحداث فى سبعة مراكز هى مغاغة وبنى مزار وسمالوط والمنيا وأبو قرقاص، وملوى ودير مواس، ووصلت لنحو 19 كنيسة ومنشأة قبطية (حضانات ملاجئ مدارس)، بين حرق كلى وجزئي. وكان من بين تلك المنشآت أربع كنائس بمدينة المنيا، وملجأ للأيتام، ومدرسة قبطية وجمعية الشبان المسيحيين، ودير العذراء والأنبا إبرام بدلجا، والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجيلية بملوي، وكنيسة الأنبا موسي، وكنيسة مار جرجس ببلهاسة بمغاغة، والمركبة النيلية «الذهبية» التابعة للكنيسة الإنجيلية بكورنيش المنيا، ودار الكتاب المقدس، وغيرها. ويأتى فى المرتبة الثانية محافظة أسيوط التى تأثرت فيها 5 مواقع، ومنها كنيسة مار يوحنا المعمدان، وكنيسة الإدفنتست، والكنيسة الرسولية، وكنيسة مار جرجس للأقباط الأرثوذكس، وحرق هيكل بكنيسة سانت تريز. أما محافظة الفيوم، فأثرت نتيجة الأحداث فيها على 4 مواقع، وهى كنيسة العذراء بالمنزلة، والأمير تادرس، والشهيدة دميانة، حرق جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وفى محافظة السويس، تم استهداف 3 مواقع، وهى الكنيسة اليونانية القديمة بشارع براديس للكاثوليك، ومدرسة وكنيسة الراعى الصالح، ومدرسة الفرنسيسكان . أما محافظة الجيزة، فقد تم استهداف موقع واحد فقط فيها حيث تم حرق كنيسة الملاك ميخائيل بكرداسة، ونفس الأمر فى محافظة شمال سيناء، حيث تأثرت كنيسة مار جرجس بشارع 23 يوليو بالعريش نتيجة الأحداث، وكذلك محافظة سوهاج، التى استهدفت فيها كنيسة مار جرجس . هذا بالإضافة إلى نحو 33 موقعا آخر تم استهدافها ببعض التخريبات الجزئية التى لم يكن لها تأثير بالغ على ممارسة الشعائر الدينية فيها. شهود العيان أشارت شهادات بعض شهود العيان إلى نمط معين كان سائدا وقت الاعتداءات، وهو توجه مسيرات ترفع شعارات مؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسى إلى كنائس أو ممتلكات لمواطنين أقباط وتنتهى عادة إما بإحراق كامل لهذه المنشآت أو نهبها أو إحداث تلفيات بأجزاء منها.. وأفاد الشهود أنه فى أغلب الحالات كان يتصدى مواطنون من المسلمين والأقباط بأنفسهم لهذه الاعتداءات عن طريق تشكيل لجان شعبية لحماية الكنائس، وكان أئمة المساجد يطالبون المسلمين بالخروج من منازلهم لحماية الكنائس من تلك الاعتداءات. شكر وتقدير للرئيس وكان قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قد أعرب فى أثناء اللقاء الأخير الذى جمعه بالرئيس عبد الفتاح السيسى يوم الخميس 28 يوليو- عن شكره وتقديره للرئيس على مواقفه من أجل تعزيز قيمة المواطنة، فضلاً عن حرص الدولة على ترميم الكنائس المُضارة جراء الأعمال الإرهابية، واهتمامها ببناء الكنائس فى المُدن والتجمعات السكنية الجديدة. إعادة الإعمار وأكد الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى متابع عن قرب لملف إعادة بناء وترميم الكنائس التى تأثرت بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، وهذا ما شعر به أعضاء المجمع المقدس خلال اللقاء الأخير معه، مضيفاً أن الدولة انتهت من بناء وترميم جميع مواقع ومنشآت المرحلة الأولى والثانية، البالغة 20 موقعا، بإجمالى 44 منشأة، وجارى العمل حالياً فى المرحلة الثالثة منذ يناير الماضى والبالغة 23 موقعا بإجمالى 23 منشأة، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منها مع عيد الميلاد المجيد المقبل. وأضاف ل «الأهرام»، أن إجمالى نفقات أعمال الترميم تتعدى 200 مليون جنيه، لأن هناك كنائس فى حاجة لترميم، وأخرى فى حاجة للهدم وإعادة البناء مرة أخري، موضحا أن المراحل الثلاث لإعادة البناء والإعمار يتم فيها مراعاة الأوضاع الأمنية فى اختيار الكنائس، فهناك صعوبة على سبيل المثال فى البدء بإعادة إعمار كنائس رفح والعريش. وأوضح أنه كان من المفترض - وفق الخطة التى أعلنت فى أكتوبر 2013- أن يتم الانتهاء من ترميم الكنائس مع حلول عيد الميلاد 2015، إلا أن ضعف المخصصات المالية حال دون تنفيذ الخطة فى موعدها، وأكد أن خطاب الرئيس الأخير فى الكاتدرائية فى شهر يناير الماضي، وضع حدا زمنيا للانتهاء من أعمال البناء والترميم، وهو عيد الميلاد المقبل. المرحلة الأخيرة وتابع الأنباء مكاريوس أنه تم الانتهاء من عشرة مواقع فى المرحلة الأولي، وهى : كنيسة مار يوحنا بأبنوب بمحافظة أسيوط، وكنيسة مار جرجس والشهيد أبو سيفين ببلهاسة بمغاغة بمحافظة المنيا، ومطرانية سوهاج، وكنيسة بالفيوم، دير الفرنسيسكان ببنى سويف، الكنيسة المعمدانية ببنى مزار بالمنيا، كنيسة الأمير تادرس بالمنيا، الكنيسة الإنجيلية بملوى بالمنيا، مدرسة الآباء اليسوعيين بالمنيا. وخلال المرحلة الثانية التى انتهت منذ 7 أشهر تم إعادة بناء وترميم 10 مواقع أخرى ومنها: كنيسة سانت تريز بأسيوط، وكنيسة الأنبا إبرام بدلجا بالمنيا، وكنيسة الأمير تادرس بالفيوم، ومنذ بداية هذا العام بدأ العمل فى المرحلة الثالثة والأخيرة، وتشمل المرحلة 23 موقعاً تم الانتهاء من عدد كبير منهما حتى الآن. وأكد أن العمل فى مراحل الاعمار وإعادة البناء يسير بشكل جيد ووصل لنحو 70 %، وباقى نحو 30 % فقط، وأن مصر بخير وستظل هكذا دائما بإذن الله، كما وجه تحية للقوات المسلحة على المجهود الذى قامت به فى المراحل الثلاث. وقال: « إن الكنيسة الأرثوذكسية لم تطالب الدولة سوى بتحمل تكلفة إعادة بناء وترميم 52 كنيسة ومنشأة قبطية من إجمالى 67، وقامت بترميم عدد من الكنائس التى لحق بها تدمير جزئى بالجهود الذاتية رغبة منها فى تخفيف الأعباء المالية عن الدولة». وقت قياسي وقالت رئيسة راهبات دير الفرنسيسكان ببنى سويف إنه فى 14 أغسطس 2013 تم حرق دير الفرنسيسكان للراهبات والكنيسة والمدرسة الملحقتين به، وبدأت القوات المسلحة فى أعمال البناء والترميم فى ديسمبر2013 وقامت بتسليم الأربعة مبانى فى سبتمبر 2014، أى فى أقل من عام، حيث إنها كانت تعمل طوال الوقت دون أن تتوانى، ووجهت الشكر للقوات المسلحة على مجهوداتها فى سرعة بناء الدير والمبانى الملحقة به. الشعور بالرضا الايجابيات الاجتماعية التى يشعر بها المواطنون نتيجة إعادة بناء وترميم الكنائس يرصدها الدكتور رامى عطا رئيس قسم الدراسات الإعلامية بمعهد الدراسات القبطية ومنها شعور المواطنين الأقباط بالمواطنة الحقيقية التى تقوم على أسس احترام القانون وسيادته على الجميع والمساواة بينهم دون تفرقة أو تمييز بسبب الدين، كما يجعلهم يشعرون بالرضا وأنهم مواطنون مصريون وليسوا غرباء، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، يمارسون الصلاة فى سلام وأمان ودون خوف أو فزع أو رعب. وأضاف هذا العمل الذى تقوم به الدولة حاليا يعد استقامة لمسار الوطن، ويجعل المواطنين الأقباط يثقون فى رأس الدولة، حيث شخص الرئيس، وأعضاء حكومته، والإيمان بأنه رئيس لكل المصريين ويعمل على ترسيخ مبدأ سيادة القانون والحكم بالعدل بين الجميع وعلى الجميع. وقال : إننى لا أكون مبالغًا إذا قلت إن هذا الأمر يجعل المواطنين المسلمين أيضًا يشعرون بالرضا عن حالة المواطنة فى مصر والتأكيد على الصورة الصحيحة للدين الإسلامى التى تقوم على احترام الآخر المختلف فى الدين والعقيدة وبالتالى احترام دور العبادة التى يرتفع فيها اسم الله سبحانه وتعالى ويمارس فيها المسيحيون- فى الحالة الحاضرة- معتقداتهم وطقوسهم وصلواتهم، ومن ثم يتأكد ويزداد الانتماء لهذا الوطن والشعور بالمساواة، وبالأخص لدى الشباب. وأوضح أن لديه أملا وتفاؤلا كبيرين أن القادم أفضل رغم كل شيء، ولكن هذا الأفضل لن يتحقق ولن نراه واقعًا أمامنا وماثلًا فى حياتنا إلا إذا امتلكنا إرادة مجتمعية حقيقية تقوم على عدة أسس فى مقدمتها تحقيق مبدأ المواطنة واحترام القانون وتأكيد الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، وغيرها من أسس ومبادئ الدول المدنية الحديثة، مما يساعد على احترام جميع المواطنين المصريين، شركاء الجماعة الوطنية المصرية بتعددهم وتنوعهم الذى يمثل ثراء وغنى للثقافة المصرية وحضارتها التى تمتد لآلاف السنين فى أعماق التاريخ.