تعتبر الشعاب المرجانية هي عصب حياة جميع الأحياء البحرية بالبحر الأحمر, وهي أيضا عصب السياحة البيئية وعامل الجذب الأول لرواد سياحة الغوص والسونوركل (مشاهدة الشعاب والأسماك الملونة من فوق سطح الماء باستخدام النظارات المائية). وللأسف كانت تلك الشعاب بألوانها البديعة الزاهية وأشكالها المتنوعة الجميلة الرائعة هدفا للكثير من الأنشطة الجائرة المدمرة وغير المستدامة, مثل عمليات ردم الشواطئ وممارسة الغوص بكثافة فوق طاقة تحمل الشعاب واصطدام المراكب واستخدام الهلب لتثبيت مراكب الغوص وإقامة مئات المنشآت والفنادق والقري السياحية والمراسي علي الشاطئ أو علي مساحات تمت أصلا بردم الماء, كل تلك الأنشطة الجائرة تضافرت مجتمعة وتسببت في تحطيم هذا التراث الطبيعي الفريد وبات تعويضه أمرا في غاية الصعوبة لأن تكون ونمو الشعاب المرجانية يكون عبر مئات وآلاف السنين, وان تحطيمه يتم في ثوان ودقائق وساعات أو أيام معدودة وأن تعويضه يحتاج لسنوات طويلة, ومعروف أن الإبيضاض هو علامة تلف وموت تلك الشعاب, والبحث عن حل لأزمة التدمير الهائل الذي لحق بها كان لابد أن يتحرك معه البحث العلمي المصري كقضية قومية لأن العائد يصب في الاقتصاد الوطني كعائد سياحي, وهو ما قام به الباحث المصري الشاب عمرو عبد الحميد من خلال بحثه لنيل درجة الدكتوراة وأشرف عليه الدكتور محمد أبوزيد أستاذ البيئة البحرية بعلوم الأزهر, ومن خلال تصميم نموذج تم تسجيله للحصول علي براءة الاختراع من أكاديمية البحث العلمي, وتمكن من خلال ذلك النموذج من تحقيق نتائج أكثر من رائعة في إعادة الحياة وتأهيل المناطق المدمرة وعن هذا النموذج يقول الدكتور عمرو عبد الحميد مدير إدارة البيئة بهيئة التنمية السياحية النموذج تم تصميمه لكي تنمو عليه الشعاب المرجانية مرة أخري بالمناطق التي دمرت بفعل الأنشطة البشرية غير المستدامة, وهو نموذج يشبه تصميما آخر بالولايات المتحدةالأمريكية, والتصميم الذي تم إنجازه بأيد وخامات مصرية أظهر تفوقا هائلا مقارنة بنظيره الأمريكي, علما بأن الأخير تمت صناعته من الأسمنت فقط, والنموذج المصري تم تصنيعه من الأسمنت أيضا ولكن تم خلطه بإضافات من الطبيعة هي كربونات الكالسيوم ومستخلصات بعض أنواع الطحالب, وإضافة تلك المواد بهدف جذب يرقات الشعاب المرجانية من الماء لتلتصق بالهيكل لتبدأ أولي مراحل إعادة تكوين الشعاب مرة أخري, وبالفعل كانت النتائج هائلة, ومقارنة بالنمو الطبيعي والنموذج الأمريكي الذي لايعتمد في آلية عمله علي جذب يرقات الشعاب المرجانية من الماء كما تفعل الهياكل المصرية, بل علي تكسير أجزاء من الشعاب المرجانية من مناطق أخري ولصقها علي الهيكل الخرساني ومع ذلك فإن معدل نمو الشعاب بها يزيد علي1 إلي2 سم في السنة, بينما النموذج المصري الذي ابتكرناه يزيد في معل نموه بمقدار 6 أضعاف هذا المعدل بتحقيقه نموا يبلغ 15 سم في السنة لبعض أنواع الشعاب المرجانية, الأمر الذي يعد طفرة هائلة بكل المقاييس العالمية, ولاتقف فوائد الهيكل المصري عند تلك الحدود بل تجاوزتها لنجاحات أخري مبهرة, منها أن المناطق التي دمرت فيها الشعاب عادت بعد نجاح تجربة الهيكل الأسمنتي من جديد وأصبحت موطنا لحياة وتوالد وتكاثر معظم الأسماك التي تعيش في بيئة البحر الأحمر. وعن تطبيق النموذج المصري والإستفادة منه علي أرض الواقع يقول الدكتور محمد عبد الوهاب رئيس جمعية أبو سلامة و الباحث البيئي محمد عبد الغني- بقطاع محميات البحر الأحمر قامت جمعية أبو سلامة بالبحر الأحمر بتنفيذ مشروع تطبيقي مثمر لهذا الفكر, باختيار ثلاثة مواقع من التي لحق التدمير بشعابها المرجانية وهي خليج مكادي وجزيرة أبو منقار والأحياء البحرية شمال الغردقة, وبالطبع هذه الخطوة تمثل مرحلة أولي في البحر الأحمر الذاخر بأكثر من 400 نوع من الشعاب المرجانية, والتي تنتشر في مساحات شاسعة من المياه تبلغ 3800 كيلو متر مربع وهي تمثل 1.34% من مساحة الشعاب المرجانية المنتشرة في مياه العالم كله, وربما يشكل هذا النشاط دورا جديدا للجمعيات الأهلية في إصلاح النظم البيئية المختلفة بإعادة التأهيل لنظم الشعاب المرجانية ويتبلور الهدف الاساسي للمشروع في توفيرالسطوح الصناعية الملائمة لنمو الشعاب بالطريقة الطبيعية, و طبقا للتسلسل الطبيعي الذي تتبعه الشعاب في النمو بداية من الطحالب البحرية الخيطية الصغيرة, و حتي يكسو هذه السطوح نمو من الشعاب الصغيرة والحيوانات اللافقارية الأخري التي تقطن الشعاب وتعطيها الشكل الجمالي والتنوع في الألوان, إلي جانب ما تجعله من بيئة حماية لجذب أنواع الأسماك بمنطقتها, ومن ثم تكاثرها لتعويض ما يحدثه الصيد الجائر بالمنطقة. و عملية نمو الشعاب المرجانية ليست بالعملية السهلة, إنما تمر بمجموعة من المراحل المتتالية من شأنها تدعيم تثبيت الشعاب في الطبيعة, و تشمل هذه المراحل التكسية بالطحالب ثم اختفاء الطحالب لتحل محلها مجموعة من الحيوانات اللافقارية المفرزة للكالسيوم و التي تبني لنفسها هياكل خارجية من كربونات الكالسيوم و لكن عمر هذه الحيونات الافتراضي صغير نسبيا مما يجعلها مصدرا مهما للكالسيوم الذي تحتاج اليرقات لبناء الهيكل. و يلي ذلك ظهور يرقات الشعاب التي سرعان ما تتحد أفراد النوع الواحد منها لتشغل مساحات لها علي الأسطح قبل البدء في النمو الرأسي.