كان القرار الذي أصدره محافظ البحر الأحمر يوم الخميس الماضي بوقف الصيد بمحمية رأس محمد بمحافظة جنوبسيناء بمثابة قرار اللحظات الأخيرة قبل وقوع الكارثة التي كان سيتسبب فيها قرار نفس المحافظ رقم135 قبل11 يوم من القرار الأول. , وكان البحث العلمي هو الفيصل, ولولا تدخل مدير قطاع المحميات بجنوبسيناء وعشاق البيئة والغيورين عليها لتسبب القرار العشوائي بالسماح بالصيد في كارثة بانقراض هذه الأسماك من جميع سواحل البحر الأحمرالمصرية كذلك إلحاق أضرارا مباشرة بتوازن منظومة الأحياء البحرية وتدمير الشعاب المرجانية الجاذب الأول لهواة الغوص والسياحة البيئية بمحمية راس محمد وكافة محميات خليج العقبة, ولو تأخر إصدار قرار منع الصيد يوم واحد لوقعت الكارثة, كما أجمعت كل آراء خبراء ومتخصصي الأحياء البحرية والمحميات الطبيعية علي أن القرار الأول بأنه كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معني ويشكل خطورة كبيرة علي مستقبل أغني وأهم محميات مصر الطبيعية البحرية بل والعالمية أيضا بما تكتنزه مياهها من حدائق الشعاب المرجانية وتنوع هائل من الأسماك والأحياء البحرية وخاصة أسماك القرش. وكما يؤكد الدكتور محمد سالم رئيس قطاع محميات جنوبسيناء:- لحسن الحظ كانت أسماك من نوع الشعور المستهدفة بالصيد موضوعا لرسالة الدكتوراه الخاصة بي, ومن خلال خبرتي عرفت أن هناك ميعاد محدد لتكاثر هذه النوعية من الأسماك الهامة وهو يومي18,17 من شهر جمادي الثاني من العام الحالي, وفيه تبدأ عملية التزاوج الفعلي ووضع البيض في الماء, وهي عملية إنماء المرحلة الأخيرة من نمو' المبيض'( البطارخ) وهو المسئول عن التزاوج التي تنتهي في اليوم التالي ففي ليلها يبدأ إخصاب البيض الذي تضعه الأسماك في الماء لإنتاج أجيال جديدة من الأسماك الصغيرة, وبفعل التيارات البحرية تنتقل الأسماك الصغيرة وتنتشر لتغطي كافة المناطق الساحلية, وبالتالي يستفيد منها الصيادون طوال العام في المناطق المصرح بها للصيد, ومن عجائب الأقدار أنه وبموجب القرارالأول الذي يسمح بالصيد كان من الفروض أن يبدأ الصيد في يوم15 جمادي الأول وهو ما يعني حجب فرصة التزاوج تماما, ومن هنا كان القرار الثاني بمثابة قرار اللحظات الحرجة, ومن جميع الزوايا لو نظرنا للقرار الأول فهو في منتهي الخطورة ويهدد واحد من أهم عناصر منظومة التنوع الأحيائي في البحر الأحمر, والسماح بالصيد في محمية رأس محمد تحديدا يمثل كارثة يقنن خطورتها كل من له علاقة بالأحياء البحرية وعلوم البحار والمحميات الطبيعية, فالمنطقة الشمالية للبحر الأحمر مصنفة كأفقر وأضعف المسطحات المائية إنتاجا للأسماك علي مستوي العالم كله, وهذا يتطلب الحرص في إتخاذ أي قرار من أي مسئول بالصيد في تلك المنطقة, لأن ذلك من المؤكد أنه يمثل إهدار للمخزون السمكي بالمنطقة, بل أخطر نشاط يمكن بواسطته تدمير هذا المخزون والقضاء عليه تماما هواصطياده في موسم التزاوج ووضع البيض, و منطقة رأس محمد تعد أهم منطقة تلائم ذلك, وهذا مثبت وموثق علميا من خلال دراسات وأبحاث دقيقة للغاية قامت بها وزارة البيئة, بل إن ما يدلل علي خطورة ما يحدث رصد مؤشرات تؤكد أسماك الشعور والتي تعد واحدة من أهم الأسماك الإقتصادية في البحر الأحمر علي وشك الإنتهاء بشكل كامل, من خلال الإنخفاض الكبير في كميات الأسماك التي يتم صيدها من المنطقة, كذلك من إنخفاض حجم الأسماك بشكل كبير, وهناك دليل علمي قاطع بالمتابعة لحياة تلك الأسماك خلال تلك الفترة وهو اللجوء لبدء التزاوج عند سن ثلاثة سنوات فقط في حين أن السن المتعارف عليه لتزاوجها هو خمس سنوات, وهذا دليل علي أن السمكة ترسل رسالة لنا بأن المخزون السمكي أوشك علي النفاذ وأن الصيد الجائر يهددها بالإنقراض والأسماك تبذل قصاري جهدها من خلال هذا التزاوج المبكرللحفاظ علي النوع, وهذا رد فعل طبيعي من الأسماك متعارف عليه علميا علي مستوي العالم, وعن تأثير ذلك علي منظومة التوازن الأحيائي داخل مياه البحر الأحمر بمحمية رأس محمد الطبيعية يقول الدكتور سالم:- أسماك الشعور من أهم الأسماك المرتبطة ببيئة الشعاب المرجانية وتلعب دور هام جدا في ضبط المنظومة البيئية في بيئة المرجان, فهي قمة الهرم الغذائي بسبب طبيعة غذائها في الغذاء علي العديد من الكائنات البحرية التي تؤدي زيادة أعدادها إلي كوارث بيئية, وأشهر تلك الأضرار ماشهدته سواحل البحر الأحمر خلال التسعينيات عندما زادت أعداد حيوان نجم البحر الشوكي بشكل غير طبيعي وتسبب في خسائر فادحة في بيئة الشعاب المرجانية تقدر بما يزيد عن12 مليار دولار, ونجحت جهود المكافحة آنذاك في جمع32 ألف حيوان نجم بحر شوكي من المياه, كما إن استخدام الصيادين لطريقة التسقيط في الصيد( الصيد بالسنار) وهي طريقة لاتفرق بين الأنواع التي يتم اصطياها وتلتقف كل الأنواع يجعل التهديد يطولها جميعا وهذا خلل آخر في التوازن بل يجعلها جميعا مهددة بلإنقراض, وبالفعل نتائج الرصد والدراسات أثبتت انخفاض كثافة وتنوع جميع أنواع الأسماك بالمناطق التي يتم فيها الصيد بمعدلات تزيد عن90%, إضافة إلي أن ممارسات الصيد نفسها تؤدي إلي تدمير بيئة الشعاب بسبب استخدام الصيادين للمخاطيف الخاصة بتثبيت المراكب بمناطق تجمع الأسماك ويطالب الدكتور محمود حنفي أستاذ علوم البحار بجامعة قناة السويس بإلغاء الصيد فورا لانه من الناحية العلمية عند وصول المخزون السمكي للحد الحرج يحظر الصيد تماما, وبالنسبة لأسماك الشعور تحديدا انخفض معدل التجديد أو التوالد بنسبة95% في تجمعات هذه الاسماك بالبحر الأحمر نتيجة للصيد الجائر الذي يمارسه4 آلاف صياد يستخدمون عشرات المراكب, كما ان اصطياد كميات كبيرة من امهات هذه الأسماك في موسم التكاثر وقبل وضعها للبيض يؤدي إلي هذا التدهور, ومن الناحية القانونية وطبقا للقانون رقم124 لسنة83 يحظر بمناطق القرش, وهو مايعني ان المحافظ اصدر قرار الصيد دون اسانيد علمية من الخبراء والعلماء. ويري الدكتور عصام سعد الله مدير محمية رأس محمد ان بداية المخاطر قد بدأت تلوح في الافق, في ظل التوازن البيئي لمنظومة الاحياء البحرية حيث تعتبر الاسماك ومنها المفترسة تتغذي علي بعض الاحياء البحرية الأخري ومنها حيوان نجم البحر الذي يتغذي بدوره علي حيوان البوليب داخل الشعاب المرجانية ويمثل خطرا علي الشعب المرجانية فقلة اعداد الاسماك المفترسة سيسهم وبصورة هائلة في اعداد نجم البحر وبالتالي تدمير أكبر مساحات من حدائق المرجان, مما يعد كارثة بكل المقاييس, بل ان التكاثر السريع والهائل للنجم يجعل التدمير باسرع مايمكن تصوره, إذ ان الحيوان الواحد من نجم البحر يضع من60 إلي100 مليون بيضة, وهذا إنذار بكارثة تغطي كل البحر الأحمر في غضون سنتين وثلاث, وبالفعل ظهرت المؤشرات وبدأنا المكافحة باستخراج110 حيوانات خلال يومين, وهذه الظاهرة لم تتكرر في العالم مثل ماتكررت عندنا, فالمعروف عالميا انها تحدث علي فترات متباعدة تتراوح مابين20 إلي30 سنة, أما في مصر فتكررت مرتين في13 سنة فقط, وهو مايؤكد الخلل في المنظومة والتوازن. وترفض جمعية المحافظة علي بيئة البحر الأحمر هيبكا قرار السماح بالصيد علي لسان مديرها التنفيذي عمرو علي الذي قال: ان الصيد بهذه المنطقة أدي في السابق إلي تدميرها بشكل شبه كامل فقد تم تدمير آلاف الامتار المربعة من الشعاب المرجانية نتيجة لاستخدام الهلب أو المخاطيف لتثبيت مراكب الصيد, مع العلم انه وطبقا للدراسات الموثقة فإن المتر المربع من الشعاب المرجانية في مناطق الغوص بشرم الشيخ, خاصة في رأس محمد تقل قيمتها الاقتصادية300 دولار سنويا, وإعادة تأهيل هذه المنطقة يحتاج إلي مالايقل عن مائة عام وأكثر.