من خلال صداقة شخصية، دامت أكثر من خمسة عشر عاماً، تعرفت عن قرب على صديقي، رحمه الله، الدكتور أحمد زويل. أذكر جيداً مرة تعارفنا، فى أول أسبوع عمل لى بدار الأوبرا المصرية، اتصل بى الدكتور زويل، فور وصوله إلى القاهرة، طالبا حضور إحدى حفلات الموسيقى العربية، فقضينا السهرة معاً، أبهرنى خلالها بحفظه كل أغانى الزمن الجميل... عبدالحليم عبدالوهاب أم كلثوم وأغانى أخرى كثيرة. وبدأت، يومها، التعرف على ذلك الجانب للعالم الكبير، الحاصل على جائزة نوبل فى الكيمياء عرفت أنه لا ينام، فى غربته فى الولاياتالمتحدة، إلا على أصوات عمالقة الفن المصري، وقال لي، يوماً، إن هذا الفن الراقي، وأغانى زمان، هو ما يشعره، دوما، بأنه فى اتصال مباشر مع الوطن. ورأيته بنفسي، عندما زرنا شرم الشيخ لمدة أربعة أيام، يقرر أن يحتسى الشاى على مقاهى خليج نعمة، ويختار منها تلك التى تقدم عازف العود، يعزف الأغانى المصرية القديمة، فيختار معه الأغانى، ويقضى ليلته مستمتعاً بها. وفى مرات كثيرة أثناء وجوده فى مصر، كان يتابع مواعيد احتفالات الموسيقى العربية، فإن لم يجد عرضاً فى القاهرة، كنا نسافر معا، لحضور العروض بأوبرا الاسكندرية. واعترف بأن واحداً من أهم أسباب نجاحات الصالون الثقافى لدار الأوبرا المصرية، الذى قدمه الزميل أسامة هيكل لمدة أربعة أعوام، كان لقاءات الدكتور أحمد زويل، والتى وصل عدد الحضور فى إحداها إلى ما يزيد على ستة آلاف، معظمهم من الشباب، حضروا ليشاهدوا، ويستمعوا إلى القدوة، والمثل الأعلى، ومصدر الفخر... الدكتور أحمد زويل. لما كان المسرح الكبير لا يسع أكثر من 1500 ضيف فقط، فلقد تم تركيب شاشات عرض كبيرة فى كل من المسرح الصغير، والمكشوف، وحدائق الأوبرا، لتستوعب هذا العدد من الحضور، الذى لم يتكرر فى تاريخ الأوبرا المصرية، وبالطبع تم تسجيل تلك اللقاءات وتمت إذاعتها على شاشات التليفزيون. لم يقتصر وجود الدكتور أحمد زويل فى دار الأوبرا، كضيف لصالوناتها الثقافية، وإنما حل عليها ضيفاً كريما، فى الكثير من حفلاتها وعروضها، وكان يرفض التوجه إلى الصالون أثناء الاستراحة، أو حتى بعد نهاية العرض، بل فضل، دائماً، البقاء مع الجمهور، أمام المسرح الكبير، ليتحاور معهم ويتجاذب أطراف الحديث، وكان دائم الحرص على تشجيع الشباب للتواصل معه عبر بريده الألكتروني. فكنا، دائماً، ما نجد صعوبة فى بدء العرض مرة أخرى بعد الاستراحة، فالجميع مستمتع بحديثه الشائق، وأسلوبه اللبق. ولن أتحدث كثيراً، عن الجانب الإنسانى للدكتور أحمد زويل، فى عدد لا يستهان به من علاج الحالات المرضية للكثير من المصريين، سواء كانوا فنانين أو غيرهم، وهو ما لا يعرفه عنه إلا عدد محدود،احتراما لرغبته الدائمة فى عدم الكشف عن اسمه فى تلك الموضوعات. واستقبلت الدكتور زويل، بعد ذلك، فى الأقصر، التى حضر إليها فى زيارة شخصية مع زوجته الفاضلة، السيدة ديما السورية، وأولاده، ومكث فيها خمسة أيام، شاهدت فيها إصراره على أن يتعرف أبناؤه على أصل الحضارة المصرية العظيمة، وتاريخ أجدادهم، قائلاً انه بالرغم من وجودهم فى الولاياتالمتحدة، إلا أنه حريص على أن يحتفظوا بسماتهم المصرية طوال العمر. ولقد شهد أبناؤه حفاوة أهل الصعيد بأبيهم، وافتخارهم به، فعندما دخلنا السوق السياحية، كنا نتوقف كل خمسة أمتار، ليتقدم لهم شعب الأقصر بالتحية مقدمين لهم الهدايا التذكارية، وملتقطين بعض الصور معهم، فينظر الدكتور زويل إلى أبناءه، بفخر، قائلاً: هذه هى بلدكم مصر... وهذا هو كرم أهلها، الذى لا تجدونه فى أى مكان آخر فى العالم. وعندما قامت ثورة 25 يناير، ونظرا لانقطاع الاتصالات عن القاهرة، اتصل بى الدكتور أحمد زويل فى الأقصر، وطلب منى أن أرسل، باسمه، بياناً إلى شعب مصر، يطلب منه أن يتحد، ويتكاتف، ويحافظ على سلمية ثورته، وهو ما تم بالفعل، وأرسلت البيان إلى وسائل الإعلام المصرية، وحقق الهدف منه، لما للدكتور أحمد زويل من شعبية، واحترام فى المجتمع المصري، بجميع أطيافه. أذكر أن اتصل بي، الدكتور زويل، من الولاياتالمتحدة فى أحد الأيام، قائلاً ان الولاياتالمتحدة تقوم بتكوين طاقم عمل من جميع التخصصات العلمية، لبحث وسائل التصدى لمرض الزهايمر، خاصة بعدما أصاب الرئيس الأمريكى الأسبق، رونالد ريجان، وجعله فى الأربع سنوات الأخيرة من حياته، ينسى، تماماً، أنه كان، يوماً، رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية. وكان الدكتور زويل، فى ذلك الوقت، على وشك التوصل إلى اختراع جديد، قد يمنحه نوبل جديدة، لما سيسهم به فى تغييرات فى مجريات العلم، كما فعل من قبل. فكان يستشيرنى فى المفاضلة بين المشاركة مع هذا الفريق، وما يتبع ذلك من تأثير على وقته ومجهوده فى اكتشافه الجديد، وبين الاعتذار عن عدم المشاركة، والتفرغ لإنهاء أبحاثه، وما قد يكون له من تأثير سلبى عليه فى الولاياتالمتحدة. وللأسف، بعدها بأيام، أصيب الدكتور زويل بمرضه الخطير، وهو ما أعفاه عن المشاركة مع فريق البحث لمرض الزهايمر، ولكنه أبطأ خطوات أبحاثه للحصول على نوبل الثانية. على أية حال، أعتقد أنه حصل على جائزة أخرى، لا تقل فى أهميتها عن جائزة نوبل العالمية، وهى حب شعب مصر، وحب جميع الشعوب العربية، وفخرهم واعتزازهم به، خاصة الشباب منهم، الذين رأوا فيه القدوة الحسنة، والمثل الأعلى ، وهو أكبر مكسب لزويل ، وللشعب المصري. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج