المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    واشنطن بوست: أمريكا دعت قطر إلى طرد حماس حال رفض الصفقة مع إسرائيل    "جمع متعلقاته ورحل".. أفشة يفاجئ كولر بتصرف غريب بسبب مباراة الجونة    كولر يرتدي القناع الفني في استبعاد أفشة (خاص)    الأرصاد الجوية: شبورة مائية صباحًا والقاهرة تُسجل 31 درجة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    حسين هريدى: الهدف الإسرائيلى من حرب غزة السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات يعلق على أزمة رمضان صبحي    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    التموين تتحفظ على 2 طن أسماك فاسدة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 4 مايو 2024    هيثم نبيل يكشف علاقته بالمخرج محمد سامي: أصدقاء منذ الطفولة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    فوزي لقجع يكشف حقيقة ترشحه لرئاسة الاتحاد الأفريقي    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراسل الأهرام فى ‬نظامين ‬مختلفين.. بريطانيا ‬وأمريكا دبلوماسى.. فى بلاد«شكسبير» و«الكاوبوى»
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 08 - 2016

كان ‬رئيس ‬مصر ‬الأسبق ‬مبارك، ‬في ‬زيارة ‬رسمية ‬للولايات ‬المتحدة، ‬وحسب ‬ما ‬هو ‬متبع ‬فإن ‬الصحف ‬الأمريكية ‬لم ‬تنشر ‬أي ‬خبر ‬عن ‬الزيارة، ‬إلا ‬بعد ‬بدء ‬مباحثات ‬الرئيسين، ‬وأيضا ‬لم ‬يصدر ‬عن ‬البيت ‬الأبيض ‬أي ‬تصريح، ‬بينما ‬الرئيس ‬الزائر ‬يصل ‬غدا.‬
كان ‬من ‬الصعب ‬علي ‬مراسل ‬الأهرام، ‬أن ‬تصدر ‬صحيفته ‬في ‬يوم ‬وصول ‬رئيس ‬بلاده، ‬وليس ‬بها ‬أي ‬كلمة ‬تخص ‬مصر.‬
ولما ‬كنت ‬علي ‬معرفة ‬بالمتحدث ‬بالبيت ‬الأبيض، ‬من ‬خلال ‬حضوري ‬المؤتمر ‬الصحفي ‬اليومي، ‬والذي ‬يحضره ‬المراسلون ‬ ‬أمريكيين ‬وأجانب ‬ ‬فقد ‬بادرت ‬بالاتصال ‬به ‬وسألته، ‬لماذا ‬هذا ‬التعتيم ‬علي ‬الزيارة، ‬فأجابني ‬بأن ‬هذه ‬تقاليد ‬متبعة ‬عندهم، ‬وأن ‬أي ‬بيان ‬يصدر ‬بعد ‬بدء ‬مباحثات ‬الرئيسين.‬
ورغبة ‬مني ‬في ‬أن ‬أحفز ‬تفكيره، ‬قلت ‬له، ‬لو ‬أن ‬صحيفتنا ‬صدرت ‬غدا، ‬ولم ‬يجد ‬القارئ ‬بها ‬أي ‬كلمة ‬عن ‬الزيارة، ‬فسيحدث ‬لديه ‬انطباع ‬باحتمال ‬وجود ‬مشكلة ‬بين ‬البلدين، ‬واقترحت ‬عليه ‬للخروج ‬من ‬هذا ‬المأذق ‬ ‬كما ‬وصفته ‬ ‬بأن ‬يرسل ‬الي ‬مكتب ‬الأهرام ‬في ‬واشنطن ‬بيانا ‬باسم ‬البيت ‬الأبيض، ‬ولو ‬بكلمات ‬عامة ‬عن ‬المباحثات. ‬أجابني: ‬انتظرني ‬نصف ‬ساعة، ‬وبعد ‬مرور ‬الفترة ‬التي ‬حددها، ‬وصلني ‬منه ‬بيان ‬باسم ‬البيت ‬الأبيض، ‬يتحدث ‬عن ‬الزيارة، ‬والعلاقات ‬الجيدة ‬بين ‬البلدين، ‬وموضوعات ‬المباحثات.‬
وفي ‬الحال ‬أرسلت ‬البيان ‬للأهرام ‬في ‬القاهرة، ‬والذي ‬نشر ‬‮»‬مانشيت‮«‬ ‬للجريدة.‬
في ‬هذا ‬الموقف ‬تصرفت ‬باعتبارى أقوم بعمل «دبلوماسى» وليس ‬مراسل ‬فقط في ‬واشنطن، ‬وهذا ‬التصرف ‬كان ‬لابد ‬أن ‬يكون ‬مختلفا ‬لو ‬كنت ‬مراسلا ‬في ‬لندن، ‬وهما ‬المحطتان ‬اللتان ‬عملت ‬فيهما ‬مراسلا.‬
فالمراسل ‬وهو ‬يضع ‬أجندة ‬عمله، ‬فهو ‬يحددها ‬وفق ‬هوية ‬المجتمع ‬الذي ‬يعمل ‬فيه.‬
ففي ‬أمريكا، ‬ماكينة ‬السياسة ‬تدور ‬يوميا ‬بلا ‬توقف، ‬والمؤسسات ‬صانعة ‬السياسة ‬الخارجية، ‬هي ‬محور ‬العمل ‬اليومي ‬للمراسل.‬
وفي ‬بريطانيا ‬فإن ‬محيط ‬الحركة ‬السياسية ‬أقل ‬نشاطا ‬بالنسبة ‬للمراسل، ‬بالمقارنة ‬بأمريكا، ‬فالهوية ‬الحضارية ‬والثقافية ‬لبريطانيا ‬ضاربة ‬في ‬عمق ‬التاريخ، ‬ولهذا ‬تحتل ‬الثقافة ‬قمة ‬التفكير، ‬والفكر ‬السياسي.‬
‬في ‬أمريكا.. ‬بطلهم ‬القومي ‬الكاو ‬بوي ‬جون ‬وين، ‬وفي ‬بريطانيا، ‬رمزهم ‬القومي ‬الأهم ‬هو ‬شكسبير ‬ ‬ذائع ‬الصيت ‬والتأثير ‬عالميا ‬ ‬حتي ‬إن ‬رؤساء ‬أمريكا ‬وساستها، ‬يتخذون ‬من ‬كلمات ‬للزعيم ‬البريطاني ‬ونستون ‬تشرشل، ‬مرجعيات، ‬وحكم ‬مأثورة ‬للفكر ‬السياسي.‬
السياسة ‬في ‬أمريكا عملية ‬شديدة ‬التعقيد
في ‬أمريكا ‬كان ‬الزميل ‬الكبير ‬الراحل ‬حمدي ‬فؤاد ‬هو ‬الذي ‬أسس ‬أول ‬مكاتب ‬للأهرام ‬في ‬أمريكا، ‬ومهد ‬بخبرته ‬الواسعة ‬الطريق ‬لمن ‬جاء ‬بعده.‬
وبسبب ‬التركيبة ‬المعقدة ‬للنظام ‬السياسي ‬في ‬الولايات ‬المتحدة، ‬لم ‬يكن ‬ممكنا ‬للمراسل ‬أن ‬يكتفي ‬بنقل ‬ما ‬يصدر ‬عن ‬البيت ‬الأبيض ‬أو ‬وزارة ‬الخارجية، ‬أو ‬غيرها، ‬من ‬بيانات ‬رسمية، ‬وكفاه ‬هذا، ‬وإلا ‬انعدم ‬سبب ‬ارسال ‬صحيفته ‬له ‬الي ‬واشنطن، ‬لا ‬تتوقع ‬منه ‬أن ‬يكتفي ‬بارسال ‬أخبار، ‬وروايات ‬صحفية، ‬فهو ‬أولا ‬وأخيرا ‬يخاطب ‬من ‬مقاله، ‬مواطنيه ‬في ‬بلده ‬الذي ‬ينتظر ‬منه ‬أن ‬يلم ‬بكل ‬أبعاد ‬السياسة ‬الخارجية ‬للبلد ‬الموفد ‬إليه.‬
وقد ‬حدث ‬قبل ‬أيام ‬من ‬سفري ‬الي ‬الولايات ‬المتحدة ‬لبدء ‬عملي ‬هناك، ‬ان ‬جلست ‬مع ‬الراحل ‬العظيم ‬الدكتور ‬أسامة ‬الباز (‬وكان ‬هو ‬الذي ‬اقترح ‬اختياري ‬مراسلا ‬في ‬واشنطن)‬، ‬يومها ‬قال ‬لي ‬بالنص: ‬أمريكا ‬الآن ‬تمر ‬بتحولات ‬مهمة ‬في ‬سياستها ‬الخارجية، ‬بعد ‬انتهاء ‬الحرب ‬الباردة، ‬وتستطيع ‬من ‬خلال ‬مقالك ‬بالأهرام ‬أن ‬تفسر ‬لمن ‬يقرأ ‬حقيقة ‬ما ‬يجري ‬هناك.‬
إن ‬السياسة ‬في ‬أمريكا ‬عملية ‬بالغة ‬التعقيد، ‬وتخضع ‬لضغوط ‬سبع ‬قوي، ‬يسمح ‬لها ‬النظام ‬السياسي، ‬بأن ‬تكون ‬معا، ‬شريكة ‬في ‬قرار ‬السياسة ‬الخارجية، ‬وهناك، ‬ليس ‬كل ‬ما ‬يقال ‬هو ‬كل ‬شيء، ‬لأن ‬في ‬الكواليس ‬ما ‬لا ‬يعلن.‬
والمراسل ‬في ‬بلد ‬كأمريكا ‬عليه ‬أن ‬ينقب، ‬ويبحث ‬كما ‬يمكنه ‬من ‬أن ‬يبعث ‬الي ‬بلده ‬ ‬عبر ‬صحيفته ‬ ‬بالصورة ‬الأكثر ‬وضوحا، ‬لما ‬يجري ‬هناك ‬ ‬ما ‬هو ‬معلن، ‬وما ‬يكون ‬قد ‬حجب.‬
نقطة ‬أخري ‬وهي، ‬أن ‬في ‬أمريكا ‬أحداثا ‬هامة، ‬أحيانا ‬ما ‬تفرض ‬عليه ‬الصحف ‬الأمريكية ‬تعتيما، ‬ولا ‬تنشر ‬عنها ‬شيئا، ‬والمراسل ‬ملزم ‬هناك ‬بأن ‬يفلت ‬من ‬هذه ‬الحلقة ‬الضيقة ‬من ‬حوله، ‬بالسعي ‬الدءوب ‬وراء ‬سبل ‬تزيح ‬الغطاء ‬عما ‬يكون ‬قد ‬تم ‬حجبه، ‬فالصحيفة ‬حين ‬اختارت ‬المراسل، ‬وأوفدته ‬الي ‬واشنطن، ‬وتكبدت ‬أموالا، ‬من ‬أجل ‬وجوده ‬هناك، ‬فهي ‬تتوقع ‬منه، ‬ألا ‬يكون ‬مجرد ‬ناقل ‬للرسائل!‬
في ‬أمريكا.. ‬تعتبر ‬مراكز ‬الفكر ‬السياسي، ‬أو ‬ما ‬اعتاد ‬البعض ‬ان ‬يطلق ‬عليها ‬اسم ‬مراكز ‬البحوث ‬thik tankes ‬منبرا، ‬لا ‬ينبغي ‬للمراسل ‬أن ‬يتغيب ‬عنه، ‬فهي ‬مصادر ‬حيوية ‬للمعلومات، ‬وفيها ‬ما ‬يقال ‬قد ‬يكون ‬مختلفا ‬أحيانا ‬مع ‬سياسة ‬الإدارة ‬الأمريكية، ‬وكثير ‬مما ‬يقال ‬فيها ‬قد ‬لا ‬تنشره ‬الصحف ‬الأمريكية.‬
وفي ‬أمريكا ‬أكثر ‬من ‬1500 ‬مركز ‬بحوث، ‬يوجد ‬في ‬واشنطن ‬وحدها ‬مائة ‬مركز، ‬وهي ‬تدير ‬لقاءات، ‬وندوات ‬شبه ‬يومية.‬
وكنت ‬في ‬بداية ‬تعييني ‬هناك، ‬قد ‬أرسلت ‬لها ‬جميعا ‬خطابات ‬أعلمها ‬باسم، ‬وموقعي، ‬وعنواني، ‬طالبا ‬منهم ‬أن ‬يبعثوا ‬الي ‬مكتب ‬الأهرام، ‬ببرامج ‬أنشطتهم، ‬وكنت ‬أتلقي ‬برامجهم ‬ومواعيد ‬الندوات، ‬وأختار ‬منها ‬ما ‬يتصل ‬بقضايانا ‬في ‬مصر، ‬والعالم ‬العربي، ‬والشرق ‬الأوسط ‬عامة، ‬ثم ‬أغادر ‬مكتبي ‬قبل ‬موعد ‬الندوة، ‬أحمل ‬في ‬يدي ‬مفكرة، ‬أسجل ‬فيها ‬ما ‬يقال.‬
والمتحدثون ‬في ‬الندوات، ‬من ‬أعضاء ‬هذه ‬المراكز ‬منهم ‬ ‬مستشار ‬سابق ‬للأمن ‬القومي ‬بالبيت ‬الأبيض، ‬ووزراء ‬خارجية، ‬ودفاع ‬سابقون، ‬وبعض ‬المتخصصين ‬الأكاديميين ‬في ‬القضية ‬محل ‬النقاش، ‬بالاضافة ‬الي ‬مسئولين ‬في ‬الحكومة، ‬يدخل ‬معهم ‬المتحدثون ‬في ‬مناظرات، ‬ويخرج ‬منها ‬المراسل ‬بمعلومات ‬وأفكار، ‬تلقي ‬ضوءا ‬كاشفا ‬عما ‬هو ‬مخفي ‬في ‬سياسة ‬أمريكا.‬
إعلان ‬بالسياسة ‬الخارجية ‬الهجومية قبل ‬سنة ‬من ‬تطبيقها
علي ‬سبيل ‬المثال ‬ ‬ففي ‬اخر ‬التسعينيات ‬حضرت ‬مناظرة ‬بين ‬مجموعتين ‬من ‬الحزب ‬الجمهوري، ‬احداهما ‬تضم ‬أقطاب ‬حركة ‬المحافظين ‬الجدد، ‬وكانوا ‬أقلية ‬نسبتهم ‬حسب ‬الاحصاءات ‬20% ‬من ‬أعضاء ‬الحزب، ‬والمجموعة ‬الأخري، ‬رافضة ‬لهم، ‬من ‬القيادات ‬المعقولة ‬في ‬الحزب، ‬والذين ‬اتهموا ‬المحافظين ‬الجدد ‬بالتطرف، ‬والغلو ‬في ‬تفكيرهم.‬
المهم، ‬طرح ‬المحافظون ‬الجدد ‬في ‬المناظرة ‬أفكارهم ‬عن ‬السياسة ‬الخارجية ‬التي ‬ينبغي ‬ ‬من ‬وجهة ‬نظرهم ‬ ‬أن ‬تتبعها ‬أمريكا، ‬وانهم ‬لو ‬قدر ‬لهم ‬الوصول ‬للحكم، ‬لطبقوها، ‬وهو ‬ما ‬حدث ‬بالفعل ‬عندما ‬جاءوا ‬الي ‬السلطة ‬مع ‬جورج ‬بوش ‬عام ‬2001، ‬وهم ‬الذين ‬وضعوا، ‬في ‬استراتيجية ‬بوش ‬للسياسة ‬الخارجية ‬عام ‬2002، ‬نفس ‬ما ‬قالوه ‬في ‬المناظرة ‬المشار ‬اليها.‬
وكانت ‬استراتيجيتهم ‬تلك، ‬هي ‬التي ‬أطلق ‬عليها ‬محللون ‬أمريكيون، ‬وصف ‬السياسة ‬الخارجية ‬الهجومية، ‬والتي ‬تضمنت ‬مبادئ ‬الضربة ‬الاستباقية ‬علي ‬عدو ‬محتمل، ‬والقوة ‬قبل ‬الدبلوماسية، ‬وغيرها.‬
في ‬نهاية ‬هذه ‬المناظرة، ‬كتبت ‬رسالة ‬بعثت ‬بها ‬الي ‬الأهرام، ‬وبناء ‬علي ‬معرفتي ‬بالمبدأ ‬القائل ‬عندهم: ‬بأن ‬السياسة ‬الخارجية، ‬بها ‬من ‬عناصر ‬الاستمرارية ‬أكثر ‬مما ‬بها ‬من ‬عناصر ‬التغيير، ‬فكان ‬من ‬المهم ‬أن ‬يتضمن ‬مقالي، ‬كل ‬ما ‬قالوه، ‬حتي ‬ولو ‬كان ‬في ‬عداد ‬الاحتمالات، ‬وهو ‬ما ‬حدث ‬بالفعل، ‬فلم ‬يكن ‬قد ‬مضي ‬عام ‬علي ‬مما ‬أعلنوه ‬نظريا، ‬حتي ‬كانوا ‬هم ‬القوة ‬المسيطرة ‬في ‬البيت ‬الأبيض، ‬ووزارتي ‬الدفاع ‬والخارجية.‬
ما ‬لا ‬يعلن ‬عما ‬دار في ‬مؤتمر ‬الإيباك
يعقد ‬سنويا ‬في ‬واشنطن، ‬المؤتمر ‬العام ‬لمنظمة ‬الإيباك (‬قوي ‬الضغط ‬اليهودية)‬، ‬يحضره ‬رئيس ‬وزراء ‬إسرائيل، ‬وقيادات ‬من ‬حكومته، ‬ومن ‬أمريكا ‬يحضر ‬أحيانا ‬نائب ‬الرئيس ‬الأمريكي، ‬وبعض ‬الوزراء، ‬وقيادات ‬الكونجرس.‬
وفي ‬أول ‬مؤتمر ‬أحضره ‬للايباك ‬عام ‬1996، ‬كان ‬نتنياهو ‬هو ‬رئيس ‬الوزراء، ‬وفي ‬هذا ‬المؤتمر ‬نستمع ‬الي ‬خطب، ‬وتصريحات ‬من ‬المتحدثين ‬ ‬إسرائيليين ‬وأمريكيين ‬ ‬تكشف ‬أحيانا ‬عن ‬توجهات ‬سياسية، ‬يكون ‬بعضها ‬في ‬عداد ‬التجهيز ‬للأخذ ‬بها ‬لاحقا.‬
ولم ‬تكن ‬الصحف ‬الأمريكية، ‬تنشر ‬كل ‬ما ‬يدور ‬في ‬مؤتمرات ‬الايباك، ‬لهذا ‬كان ‬حرصي ‬علي ‬حضورها ‬في ‬كل ‬سنة، ‬واعتبرها ‬جزءا ‬هاما ‬من ‬عملي ‬كمراسل ‬بعد ‬أن ‬أطلب ‬من ‬منظمي ‬المؤتمر ‬بطاقة ‬دخولي ‬المؤتمر.‬
وفي ‬قاعات ‬هذه ‬المؤتمرات ‬يستطيع ‬المراسل ‬أن ‬يرصد ‬ملامح ‬لتوجهات ‬تكون ‬قد ‬غرست ‬بذورها، ‬وعلي ‬سبيل ‬المثال ‬كان ‬قد ‬أعلن ‬تيار ‬مؤتمر ‬الإيباك، ‬مشروع ‬القانون ‬الذي ‬قدم ‬للكونجرس، ‬بمبادرة ‬من ‬زعيم ‬الأغلبية ‬الجمهورية ‬بمجلس ‬الشيوخ ‬السناتور ‬بوب ‬دول، ‬والذي ‬وافق ‬عليه ‬الكونجرس ‬بعد ‬ذلك، ‬وصدر ‬بمقتضاه ‬قانون ‬نقل ‬السفارة ‬الأمريكية ‬من ‬تل ‬أبيب ‬الي ‬القدس، ‬لكن ‬القانون ‬لم ‬يوضع ‬موضع ‬التطبيق، ‬حين ‬استخدم ‬الرئيس ‬بيل ‬كلينتون، ‬سلطته ‬التي ‬خولها ‬له ‬الدستور، ‬بتعليق ‬القانون، ‬وهو ‬القانون ‬‮»‬المعلق‮«‬ ‬حتي ‬الآن.‬
نحن ‬ننشر ‬ما ‬ترفض الصحف ‬الأمريكية ‬نشره
قد ‬توجد ‬أمام ‬المراسل، ‬منافذ ‬أخري، ‬تتراءي ‬لعينيه ‬منها، ‬معلومات ‬هامة، ‬تكون ‬الصحف ‬الأمريكية ‬ممتنعة ‬عن ‬نشرها، ‬منها ‬علي ‬سبيل ‬المثال، ‬ضابط ‬سابق ‬بالمخابرات ‬المركزية، ‬يبعث ‬بمقال ‬لاحدي ‬الصحف، ‬يكشف ‬فيه ‬ ‬في ‬لحظة ‬مراجعة ‬للنفس ‬ ‬عن ‬‮»‬مؤامرة‮«‬ ‬من ‬أمريكا ‬ضد ‬دولة ‬أجنبية، ‬وترفض ‬الصحيفة ‬نشرها.‬
ولتفادي ‬هذا ‬الجدار ‬المانع ‬للنشر، ‬عملت ‬اشتراكا ‬لمكتب ‬الأهرام ‬مع ‬صحيفة ‬اسمها ‬‮»‬كونتر ‬بانش‮«‬، ‬شعارها ‬المعلن ‬اعلاها ‬‮»‬نحن ‬ننشر ‬ما ‬ترفض ‬الصحف ‬الأمريكية ‬نشره‮«‬.‬
مثل ‬هذه ‬المطبوعات ‬تتيح ‬للمراسل ‬أن ‬يعرف ‬مالا ‬يراد ‬للقارئ ‬أن ‬يعرفه.‬
كما ‬توجد ‬أيضا ‬في ‬الولايات ‬المتحدة ‬منظمتان ‬يهوديتان، ‬لهما ‬فروع ‬وأنشطة ‬في ‬عدد ‬من ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية، ‬وهما ‬إسرائيل ‬‮»‬بوليسي ‬فوروم‮«‬، ‬و»أمريكيون ‬من ‬أجل ‬السلام ‬الآن‮«‬.‬
والمنظمتان ‬ترفضان ‬بقوة ‬سياسات ‬حكومة ‬إسرائيل، ‬خاصة ‬بناء ‬المستوطنات، ‬وإساءة ‬معاملة ‬الفلسطينيين، ‬وتدعمان ‬فكرة ‬قيام ‬دولة ‬فلسطينية ‬مستقلة، ‬وكنت ‬حريصا ‬علي ‬اجراء ‬لقاءات ‬مع ‬مديري ‬المنظمتين، ‬فمنهما ‬تعرف ‬ما ‬يدبر ‬في ‬إسرائيل، ‬مما ‬لا ‬يذاع، ‬وهو ‬ما ‬يسمح ‬لي ‬كمراسل، ‬الاطلاع ‬علي ‬مؤشرات ‬لإجراءات ‬يفرضون ‬عليها ‬ستار ‬السرية، ‬وتعد ‬بالنسبة ‬لنا ‬معلومات ‬هامة، ‬حتي ‬نعرف ‬ونفهم.‬
لأول ‬مرة ‬يعترفون بهزيمة ‬إسرائيل ‬في ‬73
إن ‬حضور ‬المؤتمرات ‬العديدة ‬التي ‬تناقش ‬فيها ‬قضايا ‬الشرق ‬الأوسط، ‬هو ‬دور ‬ينبغي ‬علي ‬المراسل ‬ألا ‬يتغيب ‬عنها. ‬فمثلا ‬ ‬دعيت ‬لحضور ‬مؤتمر ‬بجامعة ‬ميريلاند ‬ ‬في ‬الولاية ‬التي ‬تحمل ‬هذا ‬الاسم، ‬وكان ‬أحد ‬المتحدثين ‬فايتسمان ‬الرئيس ‬السابق ‬لإسرائيل، ‬ووزير ‬الدفاع ‬الأسبق، ‬ولحق ‬بهذا ‬المؤتمر ‬حضور ‬فايتسمان ‬الي ‬نادي ‬الصحافة ‬القومي ‬في ‬واشنطن، ‬والذي ‬نعتبر ‬نحن ‬المراسلين ‬الأجانب ‬أعضاء ‬فيه، ‬يومها ‬أطلق ‬فايتسمان ‬كلاما ‬يناقض ‬ما ‬اعتاد ‬نتنياهو ‬أن ‬يردده ‬في ‬خطبه ‬كلما ‬زار ‬أمريكا، ‬من ‬إدعاء ‬بأن ‬إسرائيل ‬هي ‬التي ‬انتصرت ‬في ‬حرب ‬1973.‬
فايتسمان ‬قال: ‬إننا ‬وجهنا ‬في ‬حرب ‬1967 ‬ضربة ‬موجعة ‬لمصر، ‬لكن ‬السادات ‬وجه ‬لإسرائيل ‬في ‬حرب ‬1973، ‬ضربة ‬موجعة.‬
نفس ‬المعني، ‬ولكن ‬بالتفصيل، ‬والبيانات ‬الموثقة، ‬تكشف ‬في ‬مؤتمر ‬نظمه ‬في ‬عام ‬1998 ‬‮»‬معهد ‬واشنطن‮«‬ ‬بمناسبة ‬مرور ‬25 ‬سنة ‬علي ‬حرب ‬اكتوبر، ‬شارك ‬فيه ‬تقريبا ‬جميع ‬المسئولين ‬في ‬الحكومة ‬الأمريكية ‬أثناء ‬حرب ‬73، ‬ومنهم ‬جيمس ‬شليزنجر ‬وزير ‬الدفاع ‬وقتها، ‬وجنرالات ‬سابقون ‬من ‬إسرائيل، ‬وسفير ‬إسرائيل ‬في ‬واشنطن ‬أثناء ‬الحرب، ‬وجنرال ‬من ‬المخابرات ‬السوفيتية، ‬وشخصيات ‬من ‬مصر ‬من ‬بينهم ‬السفير ‬أشرف ‬غربال، ‬وسفير ‬مصر ‬في ‬واشنطن ‬وقتها ‬أحمد ‬ماهر، ‬واعتذر ‬عن ‬عدم ‬تذكري ‬أسماء ‬أخري.‬
ومن ‬باب ‬حرصي ‬علي ‬ألا ‬أتغيب ‬عن ‬حدث ‬كهذا، ‬يشارك ‬فيه ‬من ‬هم ‬مراجع ‬تاريخية، ‬فقد ‬طلبت ‬من ‬معهد ‬واشنطن، ‬دعوتي ‬للحضور، ‬وجائتني ‬الموافقة ‬علي ‬الحضور ‬كمراقب.‬
كانت ‬خلاصة ‬ما ‬دار ‬في ‬هذا ‬المؤتمر ‬ ‬علي ‬لسان ‬كل ‬من ‬شارك ‬فيه ‬ ‬إن ‬مصر ‬انتصرت ‬في ‬حرب ‬73، ‬وأن ‬الجسر ‬العسكري ‬الذي ‬أقامته ‬أمريكا ‬الي ‬إسرائيل، ‬هو ‬الذي ‬أنقذها ‬من ‬الهزيمة، ‬وعدل ‬ميزان ‬المعارك، ‬وهو ‬ما ‬أقر ‬به ‬تحديدا ‬وزير ‬الدفاع ‬شليزنجر.‬
مصادر ‬رفيعة ‬المستوى للمعلومات ‬بالغة ‬الأهمية
بعض ‬من ‬لا ‬يعرفون ‬تركيبة ‬النظام ‬السياسي ‬الأمريكي، ‬يتعجبون ‬عندما ‬يسمعون ‬عن ‬مؤامرة، ‬تكشف ‬عنها ‬مصادر ‬أمريكية، ‬ويقول ‬أحدهم: ‬هل ‬يمكن ‬لدولة ‬تتآمر ‬أن ‬تعترف ‬بهذا؟، ‬مشكلة ‬هؤلاء ‬أنهم ‬لا ‬يعرفون ‬الطبيعة ‬المعقدة ‬للنظام ‬السياسي ‬الأمريكي.‬
المراسل ‬الذي ‬لا ‬يجلس ‬حبيس ‬مكتبه، ‬يسهل ‬عليه ‬الحصول ‬علي ‬مثل ‬هذه ‬المعلومات ‬من ‬عدة ‬طرق، ‬لو ‬اعتبرنا ‬أن ‬أولها ‬ما ‬يصدر ‬من ‬كتب ‬لسياسيين، ‬وعسكريين، ‬ورجال ‬مخابرات ‬سابقين، ‬ويسجلون ‬فيها ‬بالوثائق ‬كل ‬ما ‬كانوا ‬شركاء ‬فيه، ‬داخل ‬مطبخ ‬هذه ‬العمليات، ‬إلا ‬أن ‬قدرة ‬المراسل ‬علي ‬الإلمام ‬مباشرة ‬بأدق ‬المعلومات، ‬تتوقف ‬علي ‬ما ‬يقيمه ‬من ‬علاقات ‬وثيقة ‬ومنتظمة ‬مع ‬شخصيات ‬سياسية، ‬كانت ‬وقت ‬تقلدها ‬مناصب ‬رفيعة ‬المستوي، ‬متواجدة ‬داخل ‬غرف ‬صناعة ‬القرار، ‬مطلعة ‬علي ‬ما ‬يجري ‬فيها ‬ووراء ‬جدرانها.‬
كان ‬هذا ‬دافعي ‬نحو ‬لقاءات ‬مع ‬مستشاريين ‬سابقين ‬للأمن ‬القومي، ‬ووزراء ‬خارجية ‬سابقين، ‬ومسئولين ‬سابقين ‬بالبيت ‬الأبيض، ‬ممن ‬كنت ‬ألجأ ‬اليهم ‬لعمل ‬حوارات ‬للأهرام، ‬وسؤالهم ‬عن ‬تعليقات ‬أو ‬تفسيرات ‬حول ‬سياسة ‬خارجية ‬أعلنت ‬وقتها ‬من ‬الحكومة ‬الأمريكية.‬
هؤلاء ‬كنا ‬نجد ‬أسماءهم ‬في ‬الصحف ‬الأمريكية ‬الكبري، ‬كمراجع ‬سياسية ‬لها.‬
وهؤلاء ‬مصادر ‬معلومات ‬شديدة ‬الأهمية ‬للمراسل، ‬الذي ‬لا ‬يشبعه ‬بيان ‬رسمي ‬من ‬الإدارة ‬الأمريكية، ‬يقول ‬أشياء، ‬لكن ‬تظل ‬تنقصه ‬أشياء ‬أهم ‬ترسم ‬معا ‬صورة ‬كاملة ‬للحقيقة.‬
الأهرام ‬والمراسل ‬في ‬لندن ‬الحال ‬مختلف
والمراسل ‬هناك ‬له ‬أجندة ‬عمل ‬مختلفة، ‬وحين ‬ذهبت ‬الي ‬لندن ‬مراسلا ‬للأهرام، ‬كانت ‬البيئة ‬الصحفية ‬والسياسية ‬هناك ‬لها ‬طابع ‬مميز، ‬ولكي ‬تكون ‬علي ‬تواصل ‬معها ‬يلزم ‬عليك ‬أن ‬تعمل ‬وفق ‬قوانينها.‬
.. ‬الثقافة، ‬والحضارة، ‬والقيم، ‬والمواطن ‬الواعي ‬هناك ‬بالسياسة ‬ودهاليزها، ‬هو ‬ابن ‬تجارب ‬عميقة ‬في ‬الديمقراطية، ‬والنظام ‬الحزبي، ‬والثقافي، ‬هذا ‬المواطن ‬لا ‬تجده ‬جالسا ‬في ‬سيارة ‬الأتوبيس، ‬أو ‬في ‬المترو، ‬إلا ‬وفي ‬يده ‬كتاب، ‬فهو ‬قارئ ‬لما ‬هو ‬نافع ‬ومفيد، ‬والثقافة ‬بكل ‬أبعادها ‬تحتويه ‬حتي ‬في ‬اختياراته ‬السياسية.‬
واليك ‬علي ‬سبيل ‬المثال ‬في ‬قمة ‬المجتمع، ‬نموذج ‬الأمير ‬تشارلز ‬ولي ‬العهد، ‬والذي ‬تتنوع ‬اهتماماته، ‬ومن ‬بينها ‬الاهتمام ‬بالحضارة ‬الإنسانية، ‬والحرص ‬النشط ‬علي ‬الطابع ‬المعماري ‬للمباني ‬في ‬بريطانيا، ‬والمشاركة ‬في ‬مؤتمرات ‬سياسية ‬وثقافية، ‬منها ‬مؤتمر ‬حضرته ‬عام ‬1995 ‬في ‬شاتهام ‬هاوس، ‬يناقش ‬مستقبل ‬السياسات ‬الخارجية، ‬وتغيرها ‬في ‬القرن ‬الحادي ‬والعشرين ‬في ‬العالم، ‬ودعي ‬للمؤتمر ‬مفكرون ‬وأصحاب ‬رؤية ‬ابداعية ‬من ‬دول ‬متعددة.‬
في ‬هذا ‬المناخ ‬حرصت ‬علي ‬أن ‬تتسع ‬دائرة ‬نشاطي ‬كمراسل، ‬فإلي ‬جانب ‬التغطية ‬الصحفية، ‬ركزت ‬علي ‬النشاط ‬الثقافي ‬لمكتب ‬الأهرام.‬
ولما ‬كانت ‬النماذج ‬الانسانية، ‬والأحداث ‬في ‬بريطانيا ‬بلا ‬حصر، ‬فسوف ‬أذكر ‬هنا ‬ما ‬كنت ‬قريبا ‬منه، ‬أو ‬طرفا ‬فيه ‬كمراسل.‬
في ‬بريطانيا ‬ ‬يغلب ‬علي ‬نشاط ‬قطاع ‬كبير ‬من ‬العرب ‬الذين ‬استوطنوها، ‬النشاط ‬الاقتصادي ‬والتجاري. ‬لهذا ‬يحظي ‬باهتمام ‬الدولة ‬هناك ‬من ‬يباشر ‬نشاطا ‬ثقافيا، ‬يدعم ‬فكرة ‬التعاون ‬الثقافي ‬المشترك.‬
وبعد ‬سبعة ‬شهور ‬من ‬بداية ‬عملي ‬مديرا ‬لمكتب ‬الأهرام ‬في ‬لندن، ‬أقمت ‬ما ‬سمي ‬‮»‬مهرجان ‬الأهرام ‬الثفافي‮«‬، ‬احتفالا ‬بمرور ‬عشر ‬سنوات ‬علي ‬صدور ‬الأهرام ‬الدولي، ‬وحضره ‬رئيس ‬مجلس ‬الادارة ‬ورئيس ‬التحرير ‬إبراهيم ‬نافع، ‬ومدير ‬عام ‬المؤسسة ‬علي ‬غنيم، ‬وعدد ‬من ‬الزملاء ‬من ‬بينهم ‬الدكتور ‬السيد ‬يسين، ‬والدكتور ‬أسامة ‬الغزالي ‬حرب، ‬وتضمنت ‬فقرات ‬المهرجان ‬الذي ‬استمر ‬أسبوعا، ‬ندوات ‬شارك ‬فيها ‬متحدثون ‬إنجليز ‬عن ‬العلاقات ‬المصرية ‬ ‬البريطانية، ‬ومعرض ‬للكتاب ‬كانت ‬حصيلة ‬ما ‬بيع ‬منه ‬في ‬اسبوع ‬عشرة ‬آلاف ‬استرليني، ‬وعرض ‬فني ‬ومسرحي.‬
وبعد ‬انتهاء ‬المهرجان ‬بدأنا ‬في ‬إقامة ‬معارض ‬للكتاب ‬وندوات ‬في ‬مكتب ‬الأهرام، ‬حول ‬علاقات ‬التعاون ‬بين ‬البلدين، ‬وأيضا ‬عن ‬مشاكل ‬كل ‬العرب ‬المقيمين ‬في ‬بريطانيا.‬
وزير ‬خارجية ‬بريطانيا يشيد ‬بالأهرام
في ‬مناسبة ‬مرور ‬خمسين ‬عاما ‬علي ‬إنشاء ‬جامعة ‬الدول ‬العربية، ‬أقيم ‬احتفال ‬كبير ‬في ‬لندن، ‬كان ‬علي ‬رأس ‬مستقبلي ‬المدعوين، ‬في ‬مدخل ‬قاعة ‬الاحتفال، ‬الدكتور ‬عصمت ‬عبدالمجيد، ‬وإلي ‬جواره ‬دوجلا ‬هيرد ‬وزير ‬خارجية ‬بريطانيا. ‬مددت ‬يدي ‬لأصافحهما، ‬وقدمني ‬الدكتور ‬عبدالمجيد ‬للوزير ‬البريطاني، ‬الذي ‬فوجئت ‬به ‬يقول ‬كنا ‬نتحدث ‬عنك ‬الآن، ‬وعن ‬مكتب ‬الأهرام.‬
وحين ‬انتهي ‬استقبالهما ‬للمدعوين، ‬ودخل ‬الاثنان ‬إلي ‬قاعة ‬الاحتفال ‬قبل ‬بدء ‬المؤتمر، ‬سألت ‬الدكتور ‬عصمت ‬عبدالمجيد، ‬ما ‬الذي ‬كان ‬يعنيه ‬هيرد ‬بقوله ‬كنا ‬نتحدث ‬عنك ‬الآن؟.. ‬قال ‬لي ‬إنهم ‬قد ‬لفت ‬انتباهم ‬ما ‬يقوم ‬به ‬مكتب ‬الأهرام ‬من ‬نشاط ‬ثقافي، ‬وأنه ‬أشاد ‬بك ‬وبالأهرام ‬ونشاطه ‬في ‬بريطانيا.‬
الأهرام ‬في ‬المناسبات ‬الرسمية
بعدها ‬حضر ‬الرئيس ‬الأسبق ‬مبارك ‬في ‬زيارة ‬رسمية ‬لبريطانيا، ‬وأقام ‬له ‬رئيس ‬الوزراء ‬جون ‬ميجور، ‬مأدبة ‬غداء ‬في ‬مقره ‬في ‬10 ‬دواننج ‬ستريت، ‬وكان ‬المدعوون ‬هم ‬أعضاء ‬وفدي ‬البلدين ‬في ‬المباحثات ‬الرسمية. ‬ووصلتني ‬دعوة ‬باسمي ‬لحضور ‬المأدبة،
وحين ‬سألت ‬المسئول ‬بمجلس ‬الوزراء ‬البريطاني ‬الذي ‬أرسل ‬الدعوة، ‬لماذا ‬اختصتني ‬رئاسة ‬الوزراء ‬بدعوتي، ‬دون ‬بقية ‬الوفد ‬الصحفي ‬المرافق ‬للرئيس ‬قال: ‬إن ‬هذا ‬تقدير ‬للنشاط ‬الثقافي ‬للأهرام ‬في ‬لندن، ‬فنحن ‬نتابعه ‬باهتمام.‬
وتكرر ‬ذلك ‬عندما ‬أقام ‬الأمير ‬تشارلز، ‬حفلا ‬في ‬قصره ‬الريفي، ‬بمناسبة ‬اختياره ‬راعيا ‬لمركز ‬الدراسات ‬الإسلامية ‬بجامعة ‬اكسفورد. ‬ووجه ‬الأمير ‬دعوات ‬لشخصيات ‬إسلامية ‬نشطة ‬في ‬بريطانيا، ‬وكان ‬من ‬بينهم ‬السفير ‬المصري ‬محمد ‬شاكر، ‬وأنا ‬كمراسل ‬للأهرام.‬
وقيل ‬لي ‬من ‬منظم ‬الحفل، ‬إن ‬وراء ‬دعوتي ‬ذلك ‬النشاط ‬الثقافي ‬والتنويري ‬الذي ‬يتميز ‬به ‬مكتب ‬الأهرام.‬
المراسل ‬ما ‬بين ‬مجتمعين في ‬بريطانيا ‬وفي ‬أمريكا
إن ‬المراسل ‬في ‬لندن ‬يستطيع ‬أن ‬يتفاعل ‬مع ‬المجتمع ‬الذي ‬يمثل ‬بلده ‬فيه ‬ما ‬وأن ‬يترك ‬انطباعا ‬طيبا ‬عن ‬صحيفته ‬وعن ‬دولتهم. ‬وهذا ‬هو ‬مفهوم ‬دور ‬المراسل ‬في ‬الدولة ‬التي ‬أوفدته ‬صحيفته ‬إليها.‬وبالطبع ‬كان ‬لابد ‬للدور، ‬أن ‬يكون ‬مختلفا ‬عندما ‬انتقلت ‬من ‬لندن ‬إلي ‬واشنطن ‬ومعها ‬نيويورك ‬مراسلا ‬للأهرام.‬
البلد ‬هناك ‬مختلف، ‬وإهتمامات ‬المواطن ‬العادي ‬ ‬أو ‬ما ‬يطلق ‬عليه ‬اصطلاحا ‬رجل ‬الشارع ‬ ‬مختلفة. ‬وكما ‬سبق ‬أن ‬قال ‬لي ‬مسئول ‬أمريكي ‬وقتها: ‬ان ‬المواطن ‬هنا ‬يهتم ‬بالسياسة ‬الخارجية، ‬حين ‬يتأثر ‬دفتر ‬إيداعاته ‬بالبنك، ‬صعودا ‬أو ‬هبوطا ‬بسبب ‬أحداث ‬عالمية ‬ولهذا ‬كانت ‬النخبة ‬المتخصصة ‬في ‬السياسة، ‬هي ‬التي ‬تنظر ‬وتفكر، ‬وتؤثر ‬علي ‬صياغة ‬السياسة ‬الخارجية ‬في ‬الولايات ‬المتحدة.‬
هذه ‬النخبة ‬هي ‬صانعة ‬السياسة، ‬وهي ‬مخزن ‬الأسرار. ‬ولهذا ‬يكون ‬علي ‬رأس ‬أولويات ‬المراسل ‬النفاذ ‬من ‬وراء ‬أسوار ‬عالمها، ‬من ‬أجل ‬معرفة ‬وفهم ‬ما ‬يجري ‬هناك.‬
وهو ‬ما ‬لخصته ‬عبارة ‬سمعتها ‬وأنا ‬أدرس ‬مادة ‬‮»‬صناعة ‬قرار ‬السياسة ‬الخارجية ‬الأمريكية ‬في ‬المنتدي ‬المعروف ‬باسم ‬الكلية ‬الأمريكية ‬American College ‬كان ‬ذلك ‬في ‬أول ‬محاضرة، ‬وكان ‬من ‬يلقيها ‬مستشار ‬سابق ‬للرئيس ‬الأمريكي ‬وعنوان ‬المحاضرة ‬‮»‬كيف ‬أن ‬أمريكا ‬مختلفة‮«‬... ‬ثم ‬راح ‬يشرح ‬بالمعلومات ‬الواقعية، ‬كافة ‬المظاهر، ‬والأفكار، ‬والممارسات، ‬والتقاليد، ‬وتراكمات ‬التراث، ‬التي ‬تجعل ‬من ‬أمريكا ‬دولة ‬مختلفة.. ‬وعليك ‬أنت ‬كمراسل ‬أن ‬تتعامل ‬معها ‬علي ‬هذا ‬النحو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.