انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ بني سويف يتفقد عددًا من اللجان    الجريدة الرسمية تنشر 4 قرارات جديدة لوزارة الداخلية (التفاصيل)    «الثقافة» و«الأوقاف» تطلقان سلسلة ندوات ضمن مبادرة «صَحِّح مفاهيمك» بمكتبة مصر العامة    بعد تجاوز الاحتياطي النقدي للبنك المركزي حاجز ال50 مليار دولار.. أحمد موسى: الشعب سيجني الثمار    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    هل الذكاء الاصطناعي قادر على كشف الكذب؟.. دراسة تفسر قدراته في البحث عن الحقيقة    عراقجي: لا توجد حاليا إمكانية للتفاوض مع أمريكا    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    كييف تعلن إسقاط 34 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    إبراهيم حسن : خروج أي لاعب عن النص سيكون مصيره الاستبعاد    نيابة الشرقية تقرر عرض 3 أطفال تركتهم والدتهم في الزراعات على الأطباء    مصرع عنصرين جنائيين شديدي الخطورة وضبط آخرين بحوزتهم مخدرات وأسلحة ب105 ملايين جنيه في أسوان    وزير العدل يزور رئيس مجلس الشيوخ لتهنئته بتولي منصبه.. صور    وزير الثقافة: الطفولة هي الركيزة الأساسية لبناء الإنسان المصري الواعي والمبدع    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    هيئة الشارقة للكتاب تعتمد خطة العمل لعام 2026    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    محافظ المنيا وكابتن منتخب مصر يكرمان الأبطال المتميزين رياضيا من ذوي الهمم (صور)    9 نوفمبر 2025.. البورصة تقفز وتحقق مستوى تاريخي جديد    شراكة متكاملة، تفاصيل اجتماع وزير الخارجية بسفراء دول أمريكا اللاتينية والوسطى والكاريبي    إعادة إعمار سوريا ورفع ما تبقى من عقوبات اقتصادية.. ملفات يحملها الشرع إلى واشنطن    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    وصول سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة للمشاركة بمنتدى إعلام مصر 2030    صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية    بمشاركة نخبة من الخبراء.. منتدى مصر للإعلام يناقش تحديات ومستقبل الإعلام في يومه الثاني    مهرجان القاهرة يعلن عن القائمة النهائية للبانوراما المصرية خارج المسابقة    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استخرج تصاريح العمل خلال 60 دقيقة عبر "VIP إكسبريس".. انفوجراف    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    وزيرة التضامن تطمئن على مستوى الخدمات المقدمة لمرضى السرطان بالصعيد    تعليم القليوبية تحيل واقعة تعدي عاملة على معلمة بالخصوص لتحقيق    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    جامعة القاهرة تهنئ الطالبة بسمة الحسيني لاختيارها ضمن المشاركين في برنامج Google Summer of Code 2025    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    أردوغان: نستعد لإرسال منازل مسبقة الصنع من «منطقة زلزال 2023» إلى غزة    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    المصريون بكندا ينهون التصويت في انتخابات مجلس النواب    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    بعد مسلسل كارثة طبيعية، ما مدى أمان الحمل بسبعة توائم على الأم والأجنة؟    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أوراق مراسل الأهرام فى البيت الأبيض
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 12 - 2015

حدث هذا في عام 1996 كانت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، تستعد لزيارة مصر، ضمن جولة لعدد من دول المنطقة. ودعينا المراسلين الأجانب في واشنطن لحضور مؤتمر صحفي تشرح فيه أولبرايت عقب فترة قصيرة من تعيينها وزيرة للخارجية، الخطوط الرئيسية لسياستها الخارجية في الشرق الأوسط، وبرنامج الزيارة.
وتكلمت أولبرايت وقالت الكثير، لكن المفاجأة لنا كمراسلين، أنها لم تقل شيئا. فكلامها يعطي المعني ونقيضه، بطريقة تجعل من يسمعها ومن سيقرأ كلامها في الصحف بعد ذلك لا يستطيع أن يضع يده علي ما تقصده بالضبط، وما تنويه في زيارتها.
وما فعلته أولبرايت بكلمتها، يضع المراسل في وضع، يكون فيه مثل ناقل الرسائل، لو أنه اكتفي بنقل ما قيل كما هو. وتكون النتيجة، اضافة القارئ إلي طابور الحائرين من المراسلين في واشنطن.
وإذا تصرف علي هذا النحو، فما جدوي أن توفده صحيفته إلي دولة كأمريكا، تصنع فيها سياسات تؤثر علي العالم كله. فما بالك والسياسة الخارجية في أمريكا، لها واجهة مرئية لنا ولغيرنا، من خلال دبلوماسية وزارة الخارجية، وواجهة أخري مستترة، تديرها من ورائها وفي الخفاء، أجهزة مخابراتها.
هنا يتحدد دور المراسل في السعي لحل التناقض، أو حتي الغموض، فيما يعلن من سياسات خارجية، بالبحث عن مفاتيح، يمكنه أن يصل إليها لو أراد.
البداية كانت حمدي فؤاد
إن دور مراسل الأهرام المقيم في واشنطن، قد بدأه الزميل المتميز حمدي فؤاد، عندما كلفه الأهرام، بإقامة مكتب للجريدة في العاصمة الأمريكية، باعتباره واحدا من أبرز القامات الصحفية في الأهرام، وأكثرهم طوافا بدول العالم علي اختلافها، ولعلاقاته الوثيقة بعدد من الرؤساء ووزراء الخارجية الأجانب، وخاصة في الولايات المتحدة، وليكون مراسلا للأهرام في واشنطن، وإلي جانبها الأمم المتحدة في نيويورك.
وجاء اختياري لأحل محله الشاغر في واشنطن، عقب وفاته، وفي مكتب الأهرام، الذي وفرته مؤسسة الأهرام، في مبني الصحافة القومي، الذي توجد به مكاتب المراسلين من الأجانب، ومن الأمريكيين، الذين توجد صحفهم في الولايات الأمريكية البعيدة عن العاصمة. وفي هذا المبني تتاح للمراسلين خدمات اخبارية تسهل لهم عملهم، إلي جانب وجود نادي الصحافة القومي، في الطابق الأخير من المبني، والذي توجد به قاعة كبري للمؤتمرات الصحفية، يأتي إليها بشكل منتظم رؤساء دول، ووزراء خارجية، زائرون للولايات المتحدة، ويعقدون مؤتمرات صحفية يتحدثون فيها للمراسلين، الذين توجد مكاتبهم في نفس المبني.
في بداية عملنا كان من أهم مصادر معلوماتنا، هي المؤتمرات الصحفية الثلاثة التي تعقد يوميا في وزارة الخارجية، والبيت الأبيض، ووزارة الدفاع، في الفترة من الثانية عشرة ظهرا، وحتي الثالثة بعد الظهر.
بيان مراوغ لأولبرايت قبل زيارتها لمصر
ولو عدنا إلي واقعة أولبرايت، الغامضة، وربما المراوغة، يكون السؤال: أين هي مفاتيح حل اللغز؟
إن الطريق إلي هذه المفاتيح، كان يبدأ بإقامة اتصالات منتظمة مع شخصيات لديها علم بما يجري في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية علي وجه الخصوص، والالتقاء معها أو الاتصال بها من حين لآخر، للحوار حول ما يحتاج إلي تفسير قد يلقي ضوءا كاشفا علي مسارات سياسة أمريكا الخارجية، خاصة تجاه الشرق الأوسط، ومصر بصفة خاصة بناء علي اقتناع بأن دور المراسل في هذه الدولة، لا يكون مجرد ناقل للأخبار لصحيفته فحسب، بل يكون أيضا واعيا لأهمية نقله الصورة كاملة لتكون واضحة لبلده.
ومن الشخصيات التي اعتدت زيارتها في مراكز نشاطها السياسي: برنت سكوكرفت الذي كان مستشارا للأمن القومي لاثنين من الرؤساء، وله آراء منشورة في الصحف الأمريكية، تحمل تعاطفا مع القضايا العربية وأيضا جيمس بيكر وزير الخارجية في إدارة بوش (الأب)، وجيفري كمب الذي كان من قبل عضوا بمجلس الأمن القومي، في البيت الأبيض،وشبلى تلحمي، وكان وقتها مديرا لبرنامج الشرق الأوسط، بمعهد بروكنجز الشهير في واشنطن، وغيرهم من الخبراء، للوصول إلي ما كان يدور في عقل أولبرايت، وأعلنته لنا مغلفا بالغموض. ثم اتبعت نفس الطريقة عندما تصادفنا أحداث مشابهة.
وأرسلت ل «الأهرام» رسالة عنوانها «في انتظار أولبرايت»، أوردت فيها نص كلمتها دون تغيير، وألحقت بها في نفس الرسالة، صورة واضحة بلا أي لبس، لما كانت أولبرايت تقصده، ولم تفصح عنه.
الأخبار المصنوعة
وأثناء تغطيتي للأحداث ما بين البيت الأبيض وغيره من المؤسسات، صادفتني وقائع مشابهة، كنت أحاول الوصول إلي الجانب الخفي منها بنفس الطريقة. وهذا يتطلب ألا يكون المراسل حبيس مكتبه، بل يصنع لنفسه برنامجه للتحرك اليومي، وحضور منتديات مناقشة السياسة الخارجية، والتي يقال فيها الكثير، من خلال عرض وجهات نظر، قد تتعارض مع بعضها، وتتيح للمراسل الاطلاع علي معلومات قد لا يعلنها المتحدثون الرسميون. لأن غياب المراسل عن موقع الحدث، يلقي عبء نقل الأخبار، علي وكالات الأنباء.
صحيح أن كثيرا من أداء هذه الوكالات يتسم بالثقة والمصداقية، إلا أن هذا لا يمنع بعضها من اذاعة أخبار تأتينا مصنوعة بمهارة ومهنية.
وأذكر أثناء حضوري مؤتمرا صحفيا بالبيت الأبيض، أن المتحدث الصحفي كان يشرح سياسة إسرائيل من جهود إدارة كلينتون في عملية السلام، وأن حكومة نتنياهو تتخذ مواقف سلبية من هذه الجهود. وراح مراسل احدي الوكالات يسأله ويكرر السؤال، ويرد المتحدث بنفس الاجابة. فأعاد المراسل سؤاله بقوله: وهل لم تكن لإسرائيل أي نقاط ايجابية. فرد عليه بذكر نقطة واحدة.
وتعمدت في اليوم التالي أن أطلع في الصحف الأمريكية علي معالجة هذا المراسل بالذات لما جري بالأمس، فوجدته يبدأ قصته بالنقطة الايجابية الوحيدة، وبإيحاء بأنها لب الموقف الاسرائيلي، ثم جعل المواقف السلبية في ذيل تغطيته للمؤتمر الصحفي وبجمل مختصرة.
(مونيكا لوينسكي وخطة الموساد للايقاع بكلينتون)
نفس واقعة تغييب الحقيقة، حدثت عندما ذاعت فضيحة الرئيس كلينتون مع مونيكا لوينسكي. وراح الجمهوريون في الكونجرس يشعلونها حريقا اعلاميا، وصل إلي حد تهديدهم بتقديم كلينتون للمحاكمة. ونجحوا في شل قدرته علي اتخاذ أي قرار كان يعده، في سياسته الخارجية، في ولايته الثانية.
فأين كانت الصورة الحقيقية والخفية؟
كنا قد أبلغنا كنراسلين أجانب، بأن كلينتون سوف يعلن بشكل حاسم، خطته لتحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك أثناء القمة الثلاثية التي سيعقدها مع نتنياهو وياسر عرفات، بعد أيام قليلة.
وفوجئنا ونحن نتابع بداية القمة، داخل المكتب البيضاوي، قبل بدء المباحثات الثلاثية والتي نقلتها شبكات التليفزيون في الولايات المتحدة بأحد الصحفيين الأمريكيين يوجه سؤالا لكلينتون، عما إذا كان يعرف فتاة تدعي مونيكا لوينسكي، ولوحظ أن كلينتون اضطرب، وإكفهر وجهه، بينما لاحت ابتسامة زائغة، علي وجه نتنياهو، أما عرفات فكانت ملامحه محايدة، لأنه لا يعرف مغزي السؤال.
ونفي كلينتون معرفته بها. ومن هذا اليوم تفجرت في وجه الرئيس الأمريكي فضيحة علاقته بمونيكا.
بدت الواقعة مريبة، خاصة أنها جاءت في نفس التوقيت الذي كان كلينتون سيعلن فيه خطته للسلام. لكن الخطة طويت في زوايا النسيان، ولم يعلنها كلينتون علي الاطلاق.
كان دوري كمراسل أن أبحث عما خفي في القضية، خاصة ونحن نعرف أن مونيكا يهودية. قبل ذلك كنت قد أجريت حوارات مع قادة اثنين من المنظمات اليهودية الأمريكية، التي لها فروع في أنحاء الولايات المتحدة، والتي ترفض سياسة نتنياهو، وتنتقده في بيانات صحفية تصدر عنها باستمرار.
وكانت المنظمتان تفسران موقفهما، باقتناع كل منهما بأن سياسة نتنياهو ستسبب كارثة لإسرائيل وأنهم مهتمون بتنبيه يهود إسرائيل، إلي خطورة سياسات نتنياهو عليهم.
وقمت بزيارة رئيسي المنظمتين في واشنطن، ومن خلال حواراتي مع كل منهما علي انفراد، علمت أن والد مونيكا، من أنصار الليكود في أمريكا، وأن مونيكا تذهب سنويا في العطلة الصيفية إلي إسرائيل، لحضور تدريبات في معسكرات للموساد، لشباب يهود يأتون بهم من دول في العالم. وأن الموساد بعد دراسته لنقطة ضعف كلينتون في علاقاته النسائية، قامت بتأهيل مونيكا للاقتراب من الرئيس الأمريكي، وإغرائه بإقامة علاقة معه.
وهي معلومات تظهر وجها من أساليب إسرائيل في تشويه سمعة رئيس الدولة الحاضنة لإسرائيل.
داخل مصانع السياسة الخارجية
لا يستطيع المراسل أن يكون بعيدا عن ندوات مراكز البحوث Think Tanhs والتي كنت أسميها مصانع السياسة الخارجية. فالابتعاد عنها يفقد صحيفتك، جانبا هاما مكملا للخبر. وفي أمريكا يصفون هذه المراكز، بأن بينها وبين البيت الأبيض، بابا دوارا. وسبب هذه التسمية أن معظم أعضائها من المسئولين السابقين من مستشاري الأمن القومي، ووزراء الخارجية، والدفاع، وغيرهم ممن شغلوا أعلي المناصب، بالاضافة إلي خبراء متخصصين في السياسة الخارجية.
وحين تنتهي فترة الرئيس، ويأتي رئيس جديد، فهو يختار من هؤلاء نوابه ووزراءه، ومساعديه. ويعود الذين كانوا مع الرئيس المنتهية ولايته إلي هذه المراكز.
ومن أول يوم لبدء عملي مديرا لمكتب الأهرام، أرسلت إلي هذه المراكز وعددها في واشنطن يقترب من المائة رسائل أبلغهم فيها انني مراسل صحيفة الأهرام، ويهمني حضور أوجه نشاطكم، وأن تصلني بانتظام، برامج ومواعيد الندوات التي تعقدونها.
وما كان يجري في هذه الندوات، ليس فقط مناقشات، وأسئلة من الحضور والرد عليها من المتحدثين، بل أحيانا تجري مناظرات بين وجهات نظر مختلفة وربما متعارضة. ومنهم من كان ينتقد سياسات الحكومة ويفندها بمعلومات مؤكدة لديه. وبذلك يتحصل المراسل علي معلومات عما يدور في خلفية صناعة السياسة الخارجية.
وكنت قد حضرت في عام 1998، مناظرة بين قيادات من الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري، وبين أقطاب حركة المحافظين الجدد، والذين قدرت نسبتهم ب20% من أعضاء هذا الحزب. وكل منهم يعبر عن آرائه، معارضا للآخر ورافضا له. يومها عرض المحافظون الجدد، المتحالفون مع الليكود في إسرائيل برنامجهم للسياسة الخارجية، الذي سيطبقونه لو أنهم وصلوا للحكم، وهو ما طبقوه حرفيا عندما أتي بهم جورج بوش أعضاء في حكومته عام 2001، وضمنوه لاستراتيجيته الجديدة للسياسة الخارجية التي أعلنها البيت الأبيض في سبتمبر 2002
الوجود في موقع الأحداث وخطاب عرفات بالأمم المتحدة
اعتدت علي مغادرة واشنطن إلي نيويورك مع افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأقضي هناك ما بين عشرة أيام واسبوعين، لأنها فرصة كبيرة لمعايشة الأحداث عن قرب، ومتابعة نشاط الوفد المصري برئاسة السيد عمرو موسي، وزير الخارجية، واللقاء معه يوميا بقاعة الوفود بمبني الأمم المتحدة.
وحدث في يوم كان محددا لالقاء الزعيم ياسر عرفات، كلمة فلسطين أمام الجمعية العامة. وقبلها بيوم دعا كلينتون عرفات لزيارته في البيت الأبيض. وكان قد علم بمضمون خطابه وأنه يتضمن فقرة عن الدولة الفلسطينية، ورجاه كلينتون تأجيل هذه الفقرة. ودعا عرفات صباح اليوم التالي إلي نيويورك. وكانت كلمته المطبوعة، قد وصلت إلي وكالات الأنباء.
في هذا اليوم، تحدثت مع السيد عمرو موسي، الذي نبهني إلي أن أتابع خطاب عرفات أثناء القائه، دون النظر إلي النص المكتوب. وجلست في قاعة الجمعية العامة، ورحت أكتب في مفكرتي ما يقوله عرفات كلمة كلمة، إلي أن وجدته يقرأ الفقرة، التي لم ترد في نص الخطاب الموزع. وكان واضحا أنها الفقرة التي أراد منه البيت الأبيض تأجيل اعلانها،
وصلت النسخة الأولية إلي الصحف عن طريق وكالات الأنباء، وكان طبيعيا أن يكون تركيزي علي الفقرة المضافة للخطاب، والتي كانت العنوان الرئيسي للجريدة.
هناك أدوار أخري للمراسل، فمثلا لفت نظري مقال في مجلة «نيويوركر»، واسعة الانتشار، عن أحداث تاريخية كانت قد جرت في مصر.
وجدت كلاما يخالف ما هو معروف تاريخيا، بل ويحرفه ويشوهه. وفي الحال اتصلت تليفونيا بالمجلة، وتحدثت إلي كاتب المقال، وشرحت له كل ما هو ثابت ومسجل عن هذه الوقائع، وكان رده أن تلك معلومات أرسلت إليه من منظمة دراسات في الولايات المتحدة. وأنه وجدها تثير اهتمام القارئ، ثم طلب مني أن أرسل له نصا مكتوبا يحوي كل ما ذكرته له تليفونيا. وفعلا أرسلت له ما طلبه. وكان الرجل أمينا لأنه نشر الرد كاملا.
جميع وزراء الخارجية علي قيد الحياة يشرحون التغيير القادم في سياسة أمريكا
كان مما يسهل مهمتي كمراسل ل »الأهرام«، أن الصحيفة في القاهرة، لم تتردد عن دعم هذه الجهود، تفهما منها لدور مراسلها في واشنطن. وعلي سبيل المثال فقد تلقيت دعوة من مركز جيمس بيكر للسياسات العامة، لحضور مؤتمر في مدينة هيوستن بولاية تكساس، يحضره جميع وزراء خارجية أمريكا، الذين علي قيد الحياة، ليناقشوا سياسة بلادهم الخارجية في القرن الحادى والعشرين. ووفرت الصحيفة في مصر، امكانيات السفر بالطائرة، والاقامة في هيوستن. وكان كل من الوزراء المشاركين يدلي برأيه في التغيير المستقبلي لسياستهم الخارجية، في العالم، وفي منطقتنا العربية وهو ما بعثت بأهم ما دار فيه إلي الأهرام.
إن الكثير يمكن أن يقال عن دور مراسل الأهرام في أمريكا، علي وجه الخصوص. وهو أكثر ما ورد في هذا المقال. وكما ذكرت فليس كل ما يقال، لابد أن يؤخذ قضية مسلما بها. فما نراه ونسمعه في العلن، تتستر وراءه خلفية غير ظاهرة، بعيدة عن العيون والآذان، ولأن ادارة السياسة الخارجية في أمريكا، لها واجهتان، احداهما التي تمثلها الدبلوماسية العلنية، والأخري ما نسميه الباب الخلفي للسياسة الخارجية، وإن كان الكثير مما يحدث فيه، تتردد أنباؤه من حين لآخر. والذين يعرفون خباياه، هم من في يدهم مفاتيحه، ويعرفون عن قرب، ما يدور في العالم الخفي للسياسة الخارجية الأمريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.