المتابع لسوق الصرف فى الآونة الأخيرة يلاحظ تغير النمط الاستهلاكى للمتعاملين فيه بتباين واضح، فمع تعيين المحافظ الحالى للبنك المركزى، انتابت سوق العملة السوداء حالة من القلق تبعها حالة من ثبات أسعاره بدرجة ما، و ازداد الثبات ثباتاً مع تصريحه بإمكانية نزول سعر الدولار لأربعة جنيهات، رغم صدور بعض التعليقات المصحوبة بالاستغراب، إلا أن الرجل أعلن عزمه فرض يده على سوق الصرف بقوة وإصرار. وتمر الأيام والفرق بين السوق الرسمية والسوداء يظل فى إطار القروش، لم يتخط حاجز الجنيه فى الأغلب، إلى أن خرج بتصريح مفاده، أن هناك صعوبة فى الحفاظ على قيمة الجنيه!! قرأ الكثيرون ولاسيما تجار العملة هذا التصريح بعين مغايرة لعيون العامة، فاحتمالية رفع سعر الدولار فى السوق الرسمى قد تكون كبيرة، بالرغم من أن القيمة الحقيقية للجنيه مقابل الدولار قد تصل لأكثر من السعر المعلن، ولكن عمليا رفع السعر مرة أخرى وبهذه السرعة قرار خطير لما له من تداعيات أكثر خطورة على كل جوانب الاقتصاد المصرى. وأصبحنا نشاهد صعودا مجنونا لسعر الدولار، لم نشهده من قبل، نهم فى المضاربة والتخزين، حتى وصل الفرق بين السوق الرسمى والموازى لأكثر من 4 جنيهات! فى وقت كان المعروض من الدولار كثيرا بحكم عودة المغتربين من الخليج لقضاء الإجازات حائزين للدولار، ولأنهم يشاهدون السوق يرتفع يوما بعد يوم، فباتوا يبيعون قدر احتياجهم، أملا فى تحقيق أقصى استفادة، ولكن تبقى المحصلة أن هناك وفرة فى المعروض، ولم يحدث ما يدفع الدولار لهذا الارتفاع الجنونى سوى ما ذكرت آنفاً. وفجأة ودون مقدمات يصاب سوق العملة بشلل تام، بعد خروج حملات المداهمة على شركات الصرافة، والقبض على البعض بتهمة الاتجار فى السوق السوداء، و هى جريمة يعاقب عليها القانون، وفى نفس الوقت نشاهد شيئا غريبا فهذا السوق الذى تحاربه الدولة وتسعى للقضاء عليه، تسمح لكل وسائل الإعلام بنشر سعر الدولار فيه بكل وضوح و يسر، دون خوف أو قلق! وهى حالة فصام عجيبة لم أجد لها أى تفسير، فالحكومة تحرم الاتجار بالعملة، و لكنها تسمح بالاعلان عن سعر التعامل فى هذا السوق المحرم قانونيا! وهى بهذا الشكل تعطى لهذا السوق شرعية وغطاء قانونيا، فسماحها بنشر سعر التعامل فى السوق السوداء، يعنى سماحها بوجود سوقين رسمى وهو ما تتعامل به البنوك، ومواز، أى حر تتعامل به شركات الصرافة، حتى أمسى من الطبيعى أن يذهب البائع لأى شركة صرافة يطلب منها بيع الدولار بسعر السوق السوداء المنشور فى وسائل الاعلام صبيحة يوم البيع، فكيف لتاجر العملة أن يبيع له بسعر السوق الرسمى! وهنا لنا ملاحظة غريبة، فكثير من وسائل النشر تنسب إعلان سعر البيع لأحد المصادر، وفى الغالب هو مصدر موثوق فيه، وهى هنا تقوم بدور المروج للسوق السوداء، وأصبح من المعتاد الإعلان عن سعر صرف العملة فى السوق الرسمى، وإلى جانبه السعر فى السوق الآخر، من باب التغطية الخبرية شيء لزوم الشيء، كما كان يقول المبدع نجيب الريحانى ولا يوجد أى مانع فى أن تنشر إحدى الوسائل سعراً ما وأخرى سعراً أعلى بكثير، وهذا قد يساعد على تفسير صعود الدولار لما يوازى 13.6جنيه. ثم نتعجب من استمرار صعود سعر الدولار بهذا الشكل المفزع، ونبدأ فى توجيه اللوم لكل الأطراف، دون الاقتراب من الحكومة أو المسئولين عن إدارة سوق الصرف! لذا كانت الهجمة الشرسة على هذا السوق فى الأسبوع الماضى مفاجأة من العيار الثقيل، أربكت السوق وأصابت نجومه بخسائر كبيرة، مما يجعلنا نطرح تساؤلاً واضحاً: هل بتنا نشاهد حربا لتكسير العظام بين الكبار، بمعنى نصب فخ لتجار العملة للمضاربة بكل قوة فى أجواء مهيأة، حتى يتم توجيه ضربة غير متوقعة لهم مثلما حدث، فيصابون بخسائر فادحة تجعلهم مهرولين لكنف المسئولين طالبين السماح عن خطاياهم التى اقترفوها، ومبدين الندم إثر خروجهم من المعية! حتى يتم التمكن من السيطرة بإحكام على سوق الصرف؟!. وفى المقابل لمن يعارضون وجهة نظرى، أطرح عليهم سؤالين، الأول، لماذا انتظرت الحكومة ارتفاع الدولار لهذا الحد، منتقلة لصفوف المشاهدين دون أن تتحرك بشكل عملى كما حدث أخيرا وهاجمت بعض تجار السوق السوداء التى كانت تراقبهم و تعرفهم، وكانت النتيجة انخفاض سعر صرف الدولار بالفعل فى السوق السوداء، ولكن بعد أن ارتفعت الأسعار أيضا بشكل جنونى أضنى كاهل المواطن الذى لم يزد دخله، وبدأ يشعر بالضيق والاختناق؟. أما السؤال الثانى، هل تستطيع الحكومة تخفيض أسعار السلع، مثلما تمكنت من تخفيض سعر الدولار؟! الإجابة للأول تبدو معروفة، أما للثانى، فعرفها الصغير والكبير، فلا يتذكر المواطن ارتفاع سعر سلعة ونزولها مرة أخرى، إن المواطنين ولاسيما الطبقة الوسطى منهم، بدأ الإحباط يتسلل إلى نفوسهم، كما بدأنا نسمع أنينهم، تلك الطبقة غير المدعومة اجتماعيا، والسباقة فى دفع ضرائبها قبل أن تتسلم رواتبها والتى تتوالى زيادتها بشكل مطرد فى الوقت الذى قد يتهرب رجال المال من دفعها. بينما الغالبية العظمى من فئات الكادحين باتت على حافة الضجر بسبب سياسات اقتصادية أقل ما توصف بها أنها عجيبة ومتخبطة. إننا فى مرحلة مصيرية عصيبة تحتاج إلى قرارات حاسمة تراعى المواطن و تحافظ على أمنه الاجتماعى الذى بات عرضة للتآكل بشكل مقلق. [email protected] لمزيد من مقالات عماد رحيم