بعد معركة انتخابية قوية، حققت يوريكو كويكى، وزيرة البيئة والدفاع، سابقا انتصارا كاسحا على اثنين من أقوى منافسيها هما هيرويا ماسودا وزير الداخلية السابق، وشينتارو توريجو الصحفى السابق فى جريدة «ماينشى» شيمبون، لتصبح كويكى أول امرأة تحتل منصب عمدة طوكيو فى تاريخ اليابان،وتسير على خطى تاكاكو دوى أول رئيسة لمجلس النواب اليابانى وأول امرأة تتولى رئاسة حزب هو الحزب الاشتراكى الديمقراطى. وإن كانت كويكى لاتتسم بشراسة دوى إلا أن نعومتها وجمالها اللافت يخفيان خلفهما امرأة حديدية ذات مخالب قوية تستخدمها عند اللزوم. وكويكى البالغة من العمر 64 عاما تبدو أنها فقط ابنة 30 عاما.. ليست فقط أول سيدة يابانية تحتل منصب عمدة العاصمة التى يزيد عدد سكانها على 13 مليون نسمة، ولكنها امرأة خاصة جدا، حيث يعرف كل اليابانيين أنها تخرجت فى جامعة القاهرة قسم علم الاجتماع وانها عاشت وتعلمت اللغة العربية والانجليزية فى مصر لسنوات بدعم من وزير الاعلام آنذاك الدكتور عبدالقادر حاتم الذى اعتبرها مثل أبنائه كما حكت لى كويكى نفسها فى لقاءات عديدة معها فى طوكيو وفى القاهرة وكانت الأهرام أول صحيفة عربية تهتم بهذه السياسية الواعدة وتحتفى بها على صفحاتها كثيرا. وقد بدأت كويكى مسيرتها السياسية فى بداية عقد التسعينات من القرن ال 20 بعد أن عملت مذيعة لنشرة «العاشرة مساء» فى تليفزيون «أساهى» القناة العاشرة عدة سنوات وحققت من خلال أدائها الراقى وعمق ثقافتها شهرة واسعة فى كل أنحاء اليابان كانت بمثابة رصيد رائع لها فى مشوارها السياسى الذى بدأته بعد ذلك، حيث فازت لأول مرة بمقعد فى مجلس المستشارين أو «upper House» عام 1992 عن حزب «نيهون شنتو» أو حزب اليابان الجديدة. وبعدها بعام واحد فقط ترشحت لعضوية مجلس النواب «Lower House» ونجحت وأصبحت «نجمة» سياسية منذ ذلك الوقت واستطاعت أن تحافظ على مقعدها بمجلس النواب ثمانى دورات برلمانية متتالية، وشغلت مناصب عدة منها وزيرة للبيئة ثم الدفاع وأخيرا وزيرة دولة لشئون أوكيناوا والمناطق الشمالية، وهى وجه معروف لكل السياسيين والبرلمانيين العرب الذين يزورون اليابان. ولم تكن انتخابات الأحد الماضى الذى حققت فيها كويكى انتصارا كاسحا سهلة، فهى من ناحية فإن المجتمع اليابانى رغم التقدم الاقتصادى والصناعى والحضارى الهائل الذى حققه مازال ينظر إلى المرأة على أنها كائن ضعيف مكانه المنزل وتربية الأبناء وليس التنافس مع الرجال فى مجالات العمل، فما بالك بالتنافس فى السياسة؟!. ومن ناحية أخرى فقد كانت الحملة شرسة من قبل أبرز منافسيها، حيث إن منافسها الأقوى هيرويا ماسودا مدعوم من الائتلاف الحاكم الذى يقوده رئيس الوزراء شينزو أبى، فضلا عن أنه «عمدة» سابق شغل منصب حاكم مقاطعة «ايواتا»، فضلا عن المناصب الوزارية الأخرى التى شغلها. والمنافس الآخر هو الصحفى اليسارى المخضرم شينتارو توريجو الذى حظى بدعم واسع من أحزاب المعارضة، ولم تكن كويكى مدعومة سياسياً من أحد كما قالت «أنا أحارب وحدى.. ولكنى أعول على الناخبين الذين يثقون فى شخصى». والواقع أن سلسلة الفضائح المالية وغيرها التى تفجرت خلال الأعوام القليلة الماضية وتورط محافظى طوكيو السابقين فيها كانت بمثابة جسر عبرت عليه كويكى إلى منصبها الجديد، حيث أطاحت الفضائح بثلاثة محافظين منذ عام 2011 دون أن يكمل أى منهم مدة السنوات الأربع، وبعد أن استقال عمدة طوكيو الأشهر «شينتارو إيشيهارا» صاحب الكتاب الذى أحدث دويا هائلا فى العلاقات الدولية «اليابان تستطيع أن تقول لا» والذى حقق إنجازا كبيرا للعاصمة طوكيو على مدى الدورات الثلاث التى أعيد انتخابه فيها ثم استقالته المفاجئة فى عام 2011 دخلت العاصمة فى سلسلة من الفضائح المالية وجرت 4 انتخابات لاختيار عمدة جديد حتى الأحد الماضى. والحقيقة أن مهمة كويكى فى إدارة ملفات العاصمة ومواجهة التحديات القوية التى تعصف بطوكيو عقب تلك الفضائح ليست سهلة. وأول تلك التحديات هو الفضائح الخاصة ببناء استاد أوليمبى خاص باستضافة طوكيو لأوليمبياد 2020 وتعثر الخطط الخاصة بذلك ويتعين على «العمدة» الجديدة أن توجد مخرجا لهذه الأزمة بسرعة كبيرة، كما أن عليها مواجهة مشكلة نقص عدد المواليد وزيادة نسبة المسنين فى العاصمة وفى اليابان عموما، وهو ما يشكل أعباء جديدة، فضلا عن وضع إجراءات صارمة لمواجهة الكوارث خاصة ما يقول عنه اليابانيون «الزلزال الأكبر» الذى يتحدثون عن أنه قد يضرب طوكيو خلال سنوات، وسوف يتعين على كويكى إدارة أضخم اقتصاد مدينة فى العالم، حيث تتجاوز ميزانية العاصمة 1.6 تريليون دولار لتجعل العاصمة«كما لم ترونها من قبل» كما قالت عقب فوزها.