تجربة جديدة خضتها الأسبوع الماضي، حيث شاركت فى حوار ثقافى ممتد على مدى يومين، بعيدا عن عالم السياسة وأحداث المنطقة والتطورات المتلاحقة للأوضاع الكارثية، وحالة التشقق والشقاق للمشهد السياسى فى العالم العربي، وأنا الذى عايشتها بشكل متصل على مدى الساعة لسنوات طويلة، مشاركا ومتابعا بحكم التخصص السياسى فى مصر والشرق الأوسط. هذه المرة كانت الدعوة من اليونسكو عبر مكتبها الإقليمى فى بيروت، للمشاركة فى الملتقى الثانى للحوار بين الثقافة والإعلام فى الرياض، بعد أن عقدوا مؤتمرهم الأول فى الرباط بالمغرب، وخصص اليونسكو فى الملتقى الثانى فى الرياض بالتعاون مع مركز الملك عبدالله للحوار، جدول أعمال حافلا بورش العمل، ودعوة أكثر من 50 من رجال الثقافة والإعلام وأساتذة الجامعة وأهل الاختصاص، وأصحاب التجربة الصحفية الطويلة فى جلسات مغلقة على مدى يومين، حيث امتدت الجلسات لساعات طويلة لأكثر من ثمانى جلسات ممتدة ومطولة، حيث كانت النقاشات ومسار الحوارات معمقة صاحبها عصف فكرى موسع. حيث كانت الأهداف الرئيسية للملتقى الثانى فى الرياض بناء على عنوان اليونسكو، الذى تم اختياره بعناية هو «تعزيز الحوار بين الثقافات والإعلام فى الدول العربية» بغرض إطلاق ثقافة الحوار بين الشعوب العربية، ومناقشة الإمكانات المهمة للإعلام كمنصة للحوار ووسيلة للتفاهم باعتبار أن الإعلام أصبح صاحب اليد الطولى الآن فى عالمنا العربي، للتأثير فى الأغلبية لدى عوام الناس والتثقيف وإيجاد مدارات الوعى والإدراك. كذلك بحث إمكانية مشاركة ونقل الخبرات والمبادرات الناجحة، سواء فى العالم أو المنطقة العربية والموجودة وإمكان استغلالها ونقلها فى تعزيز ثقافة الحوار من خلال وسائل الإعلام. فضلا عن اقتراح مبادرات وتوصيات لليونسكو، لتعزيز المبادئ التوجيهية المقترحة وتعميمها. ولا شك أن حسن الاختيار للموضوعات وجدية وبراعة التنظيم، من قبل مركز الملك عبدالعزيز للحوار، بالتعاون مع مكتب اليونسكو ببيروت، بفضل خبرة وحضور السيدة ميسون شهاب مسئولة التربية والإعلام باليونسكو، خاصة جلسات عمل الحوار بين الثقافات فى غرفة الأخبار، سواء فى التليفزيونات أو الصحف، وتكريس مبدأ التعايش وثقافة الحوار فى عالمنا العربي، وكذلك الحوار بين الثقافات فى إعداد التقارير وكذلك البرامج، انتقالا إلى دور وسائل الإعلام فى تعزيز الحوار بين الأديان والتفاهم المتبادل. كل ذلك أسهم بشكل كبير وحرفى من قبل المشاركين، فى إلقاء الضوء وتفعيل مبدأ التواصل لإشراك المشاركين فى التفاعل والمناقشات والاكتشافات المشتركة، حيث اكتشفت أنه تم تصميم الجلسات بشكل مبتكر لإشراك المشاركين «تعاونى تشاركي» الأمر الذى عرض لتجارب عديدة سواء فى الإخفاق أو النجاح فى عالمنا العربى عبر استعراض نماذج عديدة والتأثيرات السلبية لتكاثر وتزايد لغة وعمليات الإرهاب، وكراهية الآخر بدلا من لغة التعايش وتكريس مبدأ الحوار بين الثقافات، حيث كانت ومازالت تعتبر مهمة وسائل الإعلام الأولى فى محيطنا العربى. لا شك أننى استمعت للكلمات ومداخلات أكثر صراحة وشفافية لحالة وجملة الحملات التى توجه لعالمنا العربى، خاصة من قبل الغرب بعد تزايد أحداث الإرهاب فى العالم، وتكاثر بعض التنظيمات الإرهابية فى المنطقة وخطابهم هناك فى الغرب ضد كل ما هو عربى ومسلم، خاصة عديد الوقائع والمناظرات والنقاشات المطولة مع مسئولى المعاهد والمراكز العربية المتخصصة، تلك التى خاضها السيد فيصل بن عبدالرحمن بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطنى لتبديل كثير من الصور الذهنية السلبية وخلق مصدات فكرية وثقافية عربية لرد خطابات الكراهية من قبل الغرب ضد العرب والمسلمين، وجولات الحوار الممتدة التى شارك فيها مركز الملك عبدالعزيز لتعزيز الحوار وتغيير التركيبة الفكرية السلبية لأهل العلم والفكر والتوجه الدينى الغربى ضد عالمنا العربي. كما أن دور اليونسكو ومكتبه الإقليمى فى بيروت، كان حاضرا بقوة من خلال استعراض وطرح المهام العديدة التى يقوم بها فى عالمنا العربي، خاصة هذه الأيام لمواجهة الأفكار المغلوطة وفكر الخوارج وتشجيع ثقافة الحوار والتموضع نحو نجاح استراتيجية تشجيع حوار الثقافات، عبر طرح الدكتور حمد بن سيف الهمامى مدير مكتب اليونسكو الإقليمى للتربية فى الدول العربية. ربما أتفق وشاركت بنفسى أيضا فى توجيه كثير من الانتقادات مع الحضور لغياب الخطاب الثقافى والإعلامى العربى لمحاورة أنفسنا نحن فى العالم العربي، مما أدى الى تزايد وإكثار الفكر الإرهابى وأصحابه فى منطقتنا العربية، فما بالنا بغياب هذا الخطاب أيضا من قبلنا لمواجهة العالم الغربى حيث لفت نظر الحضور أننا مازلنا نحدث أنفسنا دون امتلاك الخطاب والرؤية لمواجهة الغرب، ولذا كثرت الاتهامات وتوجيه المسئولية لنا فى العالم العربى دون دراية بأننا المسئول الأول عن تصدير الإرهاب للعالم الغربي، وغالبية مناطق العالم. إلا أن الأهداف والاستخلاصات التى خرج بها هذا الملتقى بفضل عمق النقاشات والعصف الفكري، كانت إيجابية وجيدة للغاية حيث سيسطرها اليونسكو فى أوراق عمل لطرحها على الجميع، إلا أن التوصية الأكبر كانت ومازالت بسرعة تعزيز ثقافة الحوار فى عالمنا العربى عبر جميع مؤسساته وفضاءاته هى الأفضل لتغيير الصورة النمطية والسلبية عن أنفسنا وأوضاعنا حتى نوجد أجيالا واعية قادرة على مخاطبة الغرب وامتلاك خطاب ثقافى وإعلامى وكوادر ومؤهلات عربية قادرة على إقناع واختراق الغير، وإثراء لغة الحوار والثقافات بعد ذلك مع الآخر، وبالتالى لا بديل عن البدء بأنفسنا هنا فى المنطقة أولا. لمزيد من مقالات أشرف العشري