وفقا للقانون، يختص البنك المركزى بإصدار أوراق النقد وتحديد فئاتها ومواصفاتها، ويتولى إدارة السيولة النقدية فى الاقتصاد القومي، وله أن يصدر الأوراق المالية، والتأثير فى الائتمان المصرفي، والرقابة على وحدات الجهاز المصرفي، وإدارة احتياطيات الدولة من الذهب والنقد الأجنبي، وتنظيم وإدارة سوق الصرف، والأشراف على نظام المدفوعات القومي، وحصر ومتابعة المديونية الخارجية على الحكومة والهيئات الاقتصادية والخدمية والقطاع العام وقطاع الأعمال والقطاع الخاص، وبصفة عامة له ان يقوم بأى مهام أو يتخذ أى إجراءات يقتضيها تطبيق السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية وأحكام الرقابة على الائتمان المصرفي. ( مادة 6 من القانون 88 لسنة 2003 من قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد) . كما ان مجلس إدارة البنك المركزى هو السلطة المختصة بتحقيق أهداف البنك ووضع السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية وتنفيذها؛ وله فى سبيل ذلك جميع الصلاحيات، وعلى الأخص ..تحديد أسعار الائتمان والخصم ومعدلات العائد (الفائدة) عن العمليات المصرفية، وذلك دون التقيد بالحدود المنصوص عليها فى أى قانون آخر..(م.14 من ذات القانون.) وفى ضوء هذه الصلاحيات، يمكننا ان نقرر بمسئولية البنك المركزى عن تدهور سعر الجنيه، إلى ان وصل سعر الدولار فى السوق الموازية إلى ما يعادل 12 جنيها، ولا ينال من تلك المسئولية، القول ان تدهور سعر العملة ليس بسبب سوء إدارته للمهام والصلاحيات التى يتولها، وإنما بسبب أمور خارجة عن ارادته مثل انحسار موارد العملات الحرة، التى تأتى من قناة السويس وصادرات البترول والغاز الطبيعى، وما تجذبه الحركة السياحة، وما تجلبه نشاطات تصدير المنتجات الوطنية، ومدخرات المصريين فى الخارج. قد يكون هذا الدفاع وجيها من جانب البنك، غير ان سبر غور القضية، يؤدى بنا إلى ان المركزى مسئول مسئولية مباشرة عن تدهور العملات الحرة نتيجة ضعف الصادرات وزيادة الواردات، حال كونه المشرف على نظام المدفوعات القومي. والمسئول على الرقابة على وحدات الجهاز المصرفي، وعلى إدارة السيولة النقدية فى الاقتصاد القومي، وللحقيقة فان حكومة الدكتور الجنزورى الأولى مسئولة معه مسئولية كاملة عن هذا التدهور. كيف؟ سبق للبنك المركزى ان واجه مشكلتين... الأولي: تتعلق بالدولرة.. وهى تتماثل مع المشكلة الحالية، وتتمثل فى الاقدام على شراء الدولار، والاحتفاظ به طمعا فى ارتفاع سعره على حساب الجنيه المصري، والحصول على فائدة أعلي.. والثانية: ترتبط بتوظيف الأموال.. حيث تمكنت شركات توظيف الأموال من استقطاب مدخرات المواطنين، بالسحب اساسا من ايداعتهم فى البنوك، مقابل ما تقدمه من فائدة عالية تراوحت ما بين 20% و30% .. وتحرك المركزى لمواجهة تلك المشكلتين حيث رفع عن طريق الحكومة إلى مجلس الشعب بمشروع قانون باستبدال حكم المادة 7 فقرة ( د ) من قانونه، ليسمح له بتحديد سعر فائدة الايداع مهما بلغت، دون التقيد بالحدود المنصوص عليها فى أى قانون آخر، وكان المعنى بأى قانون آخر هو القانون المدني، وكان تبرير الحكومة لهذا التعديل هو ان ظاهرتى الدولرة وتوظيف الأموال أدت إلى سحب مدخرات المصريين من البنوك، وان البنوك تحتاج لتلك الأموال للمساهة فى تمويل المشاريع الاقتصادية للبلاد التى تسهم فى إيجاد فرص عمل، وفى زيادة المنتج من سلع وخدمات، مما يساهم فى زيادة الصادرات، وفى الاقلال من الاستيراد وفقا لسياسة الاحلال محل الواردات، وهو ما يؤدى إلى اصلاح ميزان المدفوعات الأمر الذى يرفع من قيمة الجنيه. وتم التعديل فعلا فى عام 1992 ثم اقدم المركزى على رفع سعر الفائدة على الإيداع إلى 18 % دفعة واحدة، بيد ان معظم المواطنين احجموا عن ايداع اموالهم فى البنوك، بحجة ان ذلك يعد من قبيل الربا، واستمروا فى ايداع اموالهم لدى شركات توظيف الأموال، وانتهاج سبيل الدولرة. اضطرت الحكومة إلى الاستنجاد بمفتى الديار المصرية وقتذاك الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوى حيث درس الأمر، واطلق فتواه الشهيرة، من قال ان تلكم الفائدة البنكية ربا، فأين هؤلاء الذين يستغلون حاجة لدى البنوك لاقراضها، البنك غني، وليس هناك شبهة لاستغلاله من قبل المودعين، ولكن على البنوك ان تعدل مسمى «الفائدة»، وتضع مكانها مسمى «العائد» وفات فضيلة الشيخ طيب الله ثراه ان البنك ليس بغني، فالأموال لديه هى أموال المودعين، وليست أمواله، وان استمر يمنح فائدة 18 % سنويا سيفلس دون شك خلال خمس سنوات. ومع ذلك كيف استفاد البنك المركزى من فتوى الشيخ طنطاوى من القول بمشروعية الفائدة «العائد» مهما بلغ حدها، وماذا كانت نتيجة هذا التعديل سواء فى القانون القديم أو القانون الجديد؟. فى مواجهة محاربة الدولرة وتوظيف الأموال، تم رفع فائدة الإيداع فى عام 1992 إلى 18 % .. وعندها سعت البنوك لرجال الأعمال والمستثمرين لاقراضهم، بسعر فائدة عادية وصلت إلى 22 % فائدة بسيطة ومركبة وصلت إلى 68 % .. ولم تكتف البنوك بالحصول على الضمانات العادية وإنما سعت أيضا إلى الحصول ضمانات شخصية غير قانونية تمثلت فى استكتاب العميل أو كفيله على شيكات ائتمانية مسحوبة على ذات البنك المقرض، أو على بنك آخر بعد ان ابطلت محكمة النقض الشيكات الأولى لتوافر ركن العلم لدى البنك المسحوب عليه بعدم وجود رصيد للشيك وقت تحريره. وكان يتعين الا يسمح بها البنك المركزى بصفته الرقيب على الجهاز المصرفي. أما البنوك عينها، فهى فى حقيقة الأمر لم تقدم للمقترض جنيها واحد من الأموال المودعة لديها، وإنما هى منحت المقترض ما تتمتع به من ميزة ايجاد النقود، فقررت فتح حساب جار مدين للمقترض بحد أقصى هو قيمة القرض المطلوب مضافة إليه فائدته خلال مدة القرض، وبفائدة غير تناقصية، وتلك الفائدة غير التناقصية ترفع الفائدة بطريقة جهنمية إلى الضعف فالخبير المحاسبى يفيدك بأنك ان اشتريت سيارة بالقسط، بفائدة 9% على سبيل المثال، والتزمت بسداد قسط شهري، لمدة سنة، وكان ما تسدده من قسط غير قابل للخصم من مبلغ القرض، فتكون فى حقيقة الأمر فى نهاية السنة سددت فائدة قدرها 18% وليس 9% - وعودة لعميل البنك المقترض، فقد حصل كمثال على قرض بمبلغ 10 ملايين جنيه لإقامة مشروعه بفائدة 22% غير متناقصة حيث سيقوم بسداد اقساط شهرية فى حسابه الجاري، هنا الفائدة ستصبح فى نهاية العام 44 % ، وللحق بعض المستثمرين الأوائل الذين حصلوا على قروض بدفعات مقدمة كبيرة، واكتشفوا انهم لن يستطيعوا سداد فوائد تلكم القروض ذاتها من ناتج المشروع بعد تشغيله، اضطروا إلى الهروب مبكرا بما حصلوا عليه من مقدمات، ولا نلوم هؤلاء لان من بقى منهم فى مصر وقام باستخدام القرض فى الغرض المخصص له وهو اقامة المشروع وتشغيله، كان مصيره ان زج به فى السجن، بموجب تلكم الشيكات الائتمانية التى لم تع المحاكم حقيقتها، وأضحى مصير المقترض المتعثر السجن، والمشروع مصيره الغلق، والعمالة تم تسريحها، والمنتجات تم التوقف عن انتاجها، فكانت النتيجة عكس ما سعت إليه الحكومة من اهداف حيث ضربت العملية الانتاجية فى مقتل وزاد الطين بلة، ان حكومة الدكتور كمال الجنزورى الأولي، اوقفت سياسة البنوك فى تعويم المستثمرين المقترضين، بمنحهم سيولة ليستمروا فى نشاطهم. وتدخل المشرع بناء على مقترحات الحكومة لمحاولة وقف هذا التدهور للمشروعات الاستثمارية الانتاجية والخدمية بإنشاء المحاكم الاقتصادية لتقوم بدور نظام التحكيم العام بديلا عن نظام التحكيم الخاص توفيرا للتكلفة عن المستثمرين المتعثرين، ولسرعة اصدار الأحكام، وجاءت النتائج عكسية ايضا، اذ اعتمد قانون المحاكم الاقتصادية على تعيين محاسبين مصرفيين لمساعدة المحاكم، عوضا عن خبراء وزارة العدل بحجة السرعة فى الانجاز، لتوفر الخبرة المصرفية فإذا بهؤلاء الخبراء، وهم موظفون سابقون فى البنوك، وبعقلية مصرفية محضة، يقومون فى تقاريرهم بتبنى حسابات البنك، وبما تحويه من فائدة بسيطة ومركبة، وبالقول إن العقد شريعة المتعاقدين، وان العميل ملزم بسداد القرض وفوائده، حتى وان وصلت الفائدة إلى عشرة أضعاف أصل الدين، بالرغم من ان القانون المدنى لا يعتد بالفائدة التى تزيد عن ضعف الدين، وبالرغم من ان المادة 68 من القانون التجارى تقضى بتقادم الالتزامات بين التجار بمضى سبع سنوات، والقانون المدنى يسقط الفوائد بخمس سنوات الخبير المصرفى يقف عاجزا امام تلك الدفوع ويترك للمحكمة ان تفصل فيها والدوائر الاقتصادية الا ما رحم ربى تأخذ بتقرير الخبير محمولا على أسبابه، فتكون النتيجة الزام المقترض المتعثر بأصل الدين وفائدة تراكمية تصل إلى خمسة أو عشرة اضعاف مبلغ الدين، ليس هذا فحسب، حيث ان المصائب لا تأتى فرادى عليه ان يسدد رسوما قضائية (نسبية وخدمية) تصل إلى 7% من المبلغ المحكوم به عليه، بالرغم من ان مبادئ الشريعة الاسلامية التى تعتبر المصدر الرئيسى للتشريع لا تقر بتلك الفائدة المتوحشة، وان الفائدة التى اقرها الشيخ طنطاوى كانت تتعلق بفائدة مقابل ايداع اموال لدى البنك، وليست الفائدة المتعلقة بالاقتراض من البنك، وكذلك مباديء الشريعة الاسلامية تأخذ بقاعدة «الغنم بالغرم» أى ان الرسوم القضائية يجب ان يتحملها من حكم له بالمبلغ لا من حكم به عليه. اليوم المحاكم بما فى ذلك المحكمة الدستورية العليا - وهى على قمة الهرم القضائى فى مصر - ملزمة بالحصول على رأى الأزهر الشريف فيما يتعلق بحكم الاسلام الحنيف على الفوائد، بنوعيها بسيطة ومركبة، وعلى الرسوم القضائية بشقيها نسبية وخدمية. وما رأيناه من قضية الفائدة، والتعثر، وحبس المستثمرين، هو مسئولية البنك المركزى مباشرة باعتباره الرقيب على الجهاز المصرفي، صحيح انه تدخل لالزام البنوك بتحديد الفائدة الهامشية، وامر بوقف حساب الفائدة عند بداية اى نزاع بين البنك وبين العميل، ولكن تدخله هنا لم يكن بقصد حماية العميل المتعثر المستحق للحماية، وإنما لوقف عملية تجميل ميزانيات البنوك بتضخيم الفوائد وكأنها ارباح حققتها البنوك. نحن هنا نتحدث عن عملية نهب منهجية مارستها البنوك التجارية تحت رقابة البنك المركزى ذاته للملكية الخاصة والملكية التعاونية بالمخالفة لأحكام الدستور حيث أضحى المقترضون من البنوك سواء من القطاع الخاص أو القطاع التعاونى ملزمين بسداد فائدة سحب عالية جدا نتيجة قيام البنوك بمنح المودعين فائدة ايداع عالية لمحاربة الدولرة وتوظيف الأموال، وكان يتعين ان تتحمل الدولة فارق السعر لهذه الفائدة العالية باعتبارها من قبيل الدعم المصرفى لمحاربة الدولرة وتوظيف الأموال، مثلما تتحمل دعم الوقود، ودعم رغيف العيش، ولكننا لأول مرة نجد ان الدعم يدفع من المستثمرين المتعثرين بدلا من الدولة. والمطلوب اليوم تدخل البنك المركزى بسياسات جديدة تؤدى إلى اطلاق سراح رجال الأعمال ومن كفلهم من السجون وفورا، وإلى الغاء الديون التى ارهقت كامل المشروعات الاستثمارية الانتاجية والخدمية، وإلى منح هؤلاء المستثمرين المتعثرين أموالا على سبيل التعويض وليس على سبيل القروض لإعادة تشغيل المشروعات الاستثمارية الانتاجية والخدمية، عندها وعندها فقط سيتوقف تدهور سعر الصرف، وسيعود للمواطن المصرى وللجنيه المصرى عزته وكرامته. لمزيد من مقالات حسن أحمد عمر