قضية الفساد في صوامع القمح هي الأهم والأبرز علي الساحة السياسية والبرلمانية في مصر حاليا، بل كشفت عن الوجه القبيح لمافيا المتلاعبين بقوت الشعب المصرى والمتربحين من « طعامه « البسيط ، ومازالت المفاجآت تتوالى فى هذه القضية الخطيرة ، ولذلك حرص مجلس النواب على تشكيل لجنه لتقصي الحقائق في هذه القضية والوقوف على حقيقة الملف بالكامل ، وتقديم المتورطين في هذه الجريمة للعدالة ، رغم محاولات الألتفاف على ما كشفته اللجنة من حجم الفساد والمتوقع أن يزيد على مبلغ سبعة مليارات جنيه ، فالتحقيقات مستمرة أمام نيابة أمن الدولة العليا ، ولكن ما هو دور لجنة تقصى الحقائق البرلمانية فى هذه القضية ..؟ بداية يؤكد الدكتور محمد رضا النمر أستاذ القانون الدستورى أن رغبة القيادة السياسية والحكومة ومجلس النواب فى كشف الحقيقة وتقديم الفاسدين للمحاكمة، ساهم كثيرا فى كشف فساد هذه المنظومة ، وقد قام المستشار النائب العام بحبس المتورطين ومنعهم وزوجاتهم وأولادهم القصر مؤقتا من التصرف في أموالهم وإدارتها وإدراجهم علي قوائم الممنوعين من السفر، أما عن تشكيل لجان تقصى الحقائق البرلمانية فهذا يحدث عندما يطرأ أمر خطير كخلل في أحد أجهزة الدولة أو حدوث فضيحة مالية أو سياسية أو عسكرية، ففى هذه الحالة لا يعتمد البرلمان علي ما قدمته الحكومة إليه من معلومات أو بيانات مشكوك فى صحتها، بل يرغب في الاستفسارعن المعلومات بنفسه ومن مصادرها على الطبيعة، وذلك عن طريق إجراء تحقيق تقوم به اللجنة التى يشكلها المجلس من أعضائه وتتولي التحقيق باسمه ولحسابه وتسمي «لجنه التحقيق البرلماني» أو لجنه تقصي الحقائق «طبقا للمادة -135- من الدستور التي تنص علي أن لمجلس النواب أن يشكل لجنة خاصة، أو يكلف لجنة من لجانه بتقصي الحقائق في موضوع عام، أو بفحص نشاط إحدى الجهات الإدارية، أو الهيئات العامة، أو المشروعات العامة، وذلك من أجل تقصى الحقائق في موضوع معين، وإبلاغ المجلس بحقيقة الأوضاع المالية، أو الإدارية، أو الاقتصادية، أو إجراء تحقيقات في أي موضوع يتعلق بعمل من الأعمال السابقة أو غيرها، ويقرر المجلس ما يراه مناسبًا في هذا الشأن. صلاحيات لجنة تقصى الحقائق ويضيف الدكتور النمر أن للجنة في سبيل القيام بمهمتها أن تجمع ما تراه من أدلة، وأن تطلب سماع من ترى سماع أقواله، وعلى جميع الجهات أن تستجيب إلى طلبها، وأن تضع تحت تصرفها ما تطلبه من وثائق أو مستندات أو غير ذلك، وفى جميع الأحوال لكل عضو في مجلس النواب الحق في الحصول على أية بيانات أو معلومات من السلطة التنفيذية تتعلق بأداء عمله في المجلس.» فاللجنة هى وسيلة لممارسة رقابة البرلمان على الحكومة لاستظهار ما قد يهم البرلمان من حقائق في موضوع يدخل في أختصاصه ، ويكون لها في سبيل ذلك كل السلطات التي تخولها لها النصوص، وتنهي مهمتها بتقرير ترفعه للبرلمان صاحب القرار النهائي فى القضية كتحريك المسئولية السياسية ، أو إصلاح ضرر معين أو تلافي أخطاء جسيمة. ويعتبر حق المجالس التشريعية في تشكيل لجان التحقيق من أهم الوسائل التي أقرتها الدساتير في مواجهة السلطة التنفيذية، حيث تستطيع بهذه الوسيلة أن تفرض رقابة فعالة على أعمالها ، لا سيما إذا ما تشككت بصحة المعلومات المقدمة للبرلمان من قبل الحكومة بمناسبة سؤال قدمه أحد الأعضاء أو ما كشفت عنه المناقشة العامة في موضوع معين ، ولا يمكن للبرلمان أن يكتشف عيوب الجهاز الإداري للدولة الا بهذه الطريقة ، ويميز هذه الوسيلة من وسائل الرقابة على الحكومة أنها لا تعتمد على ما يقدمه الوزراء من بيانات، وإنما يتحرى البرلمان بنفسه ويستقي البيانات من مصادرها الأصلية، فلا يكون ثمة شك في صحة هذه البيانات فحق البرلمان في تكوين لجان التحقيق بأنه نتيجة طبيعية لحقه في اقتراح القوانين، لأن منحه هذا الحق يتطلب تزويده بالمعلومات الضرورية والصحيحة التي تمكنه من مباشرة حقه في الاقتراح. الهدف من تقصى الحقائق أولا: الاستنارة قبل إصدار تشريع معين وهو ما يعنى البحث والاستقصاء والاستجلاء في بعض النظم أو الشئون العامة التي يرغب المجلس فى معالجتها بتشريع ، ويرى تحقيقاً للمصلحة العامة أن يستبين حقيقة الحال ونقط الضعف التي ينبغي علاجها، فيكون تشريعه على أساس من دراسة الواقع وبحثه. ثانيا : استجلاء وقائع معينة وبحثها وتمحيصها في صدد تحريك المسئولية الوزارية تحقيقاً لمبدأ الرقابة البرلمانية وما يترتب عليه من نتائج ، وحتى تكون قرارات المجلس على أساس سليم من معرفة الحقيقة والوقوف عليها بالوسيلة التي يطمئن إليها قبل البت في موقف الوزراء. ثالثا: تحريك المسئولية الجنائية في حدود النصوص التي وردت بالدستور على سبيل الحصر ، والأصل أن لجنة التحقيق البرلمانية تملك الحق في استدعاء أي شخص يتناوله التحقيق لسماع أقواله في سبيل الوصول إلى تحقيق العدالة سواء بصفته شاهداً أو متهماً ، وسواء كان الاتهام الموجه إليه ثابتاً ، أو قائماً على مجرد الشبهات - دون إخلال بمبدأ أن الأصل في المتهم البراءة حتى ثبوت إدانته - التحقيق البرلمانى وقد نص على تشكيل هذه اللجان فى اللائحة الجديدة لمجلس النواب المصرى حيث نصت المادة - 240- منها على أن لمجلس النواب أن يشكل لجنة خاصة، أو يكلف لجنة من لجانه بتقصى الحقائق فى موضوع عام، أو بفحص نشاط إحدى الجهات الإدارية، أو الهيئات العامة، أو المشروعات العامة، وذلك من أجل تقصى الحقائق فى موضوع معين، وإبلاغ المجلس بحقيقة الأوضاع المالية، أو الإدارية، أو الاقتصادية، أو إجراء تحقيقات فى أى موضوع يتعلق بعمل من الأعمال السابقة أو غيرها، ويقرر المجلس ما يراه مناسباً فى هذا الشأن وعلى ذلك فحق مجلس النواب المصرى فى إجراء تحقيق برلمانى مستمد من اختصاصه التشريعى والرقابي.