قبل25 يناير كان شعب مصر مغلوبا علي أمره. أستاذ بهندسة القاهرة أما اليوم فلا يستطيع أحد أن يزعم ذلك, لأن الشعب أثبت قدرته علي تحديد مصيره بإرادته. قرر الشعب بإرادته الحرة في استفتاء مارس2011 خريطة الطريق التي يريد أن يسير عليها. كما قرر بإرادته نوع الأغلبية التي يريدها في مجلسي الشعب والشوري. وبعد أيام سيقرر بإرادته طبيعة الدولة التي يريدها: إن أرادها مدنية ديمقراطية, فهو مع مرسي, وإن أرادها عسكرية دكتاتورية, كما هي منذ ستة عقود, فهو مع شفيق. يستطيع الشعب أن يخرج بأعداد غفيرة للتصويت لنصير الثورة, كما يستطيع أن يتقاعس ويجلس في بيته للتصويت لعدو الثورة. يستطيع الشعب أن يثبت أن نفسه طويل وصبره جميل, بالتصويت لنصير الثورة حتي تتجاوز مصر آثار عدوان مبارك وجماعته عليها. كما يستطيع أن يعلن زهقه واستسلامه لحملة الترويع والإنهاك التي تعرض لها منذ خلع مبارك, فيمنح صوته لعدو الثورة. يستطيع الشعب أن يعلن يأسه, كما يستطيع أن يقول لمن يتاجر اليوم بالثورة وشهدائها ويزعم أنه جاء لإنقاذها, إن أحدا لن يستغفله ويستخف بعقله بعد اليوم اذا كنت تعتقد أيها الشعب الكريم أن الشياطين يمكن أن ينقلبوا إلي ملائكة, وأن من يقفون وراء عدو الثورة, بكل قوتهم وثرواتهم, يفعلون ذلك حبا لك وحرصا عليك ومن أجل إعادة أموالك التي نهبوها من الخارج, فلا تقل بعد ذلك إنك مغلوب علي أمرك. اذا كنت تعتقد أن هؤلاء المستميتين علي إنجاح عدو الثورة يفعلون ذلك لأنهم حريصون علي تعمير سيناء وزرعها بملايين المصريين, أو علي تنفيذ مشروع ممر التنمية أو علي تنفيذ مشاريع الطاقة النووية والشمسية, فلا تقل بعد ذلك أنك مغلوب علي أمرك. إذا لم تكن متيقن من أن همهم الوحيد هو الإفلات بالأموال التي نهبوها, واستعادة فرص سلب ونهب المزيد, فلا تشكو من أنك مغلوب علي أمرك. لا تتجاهل المقارنة بين كلام مبارك وتعهداته منذ30 سنة عندما استلم السلطة, وبين كلام وتعهدات تلميذه النجيب الآن, ثم انظر كيف أصبح مبارك لتعلم كيف سيصبح خليفته. إذا كنت تعتقد أن عدو الثورة لن يتعامل معك كعبء ومشكلة وزائدة بشرية يسعي للتخلص منها, وأن ضباط الشرطة لن يسيئوا معاملتك بعد اليوم لحمايته وإرضائه, خاصة بعد الحكم الأخير الذي برأ قياداتهم من قتل المتظاهرين, فلا تقل بعد ذلك أنك مغلوب علي أمرك. إن الانتخابات القادمة قد تكون فرصتك الأخيرة لكي يكون لصوتك قيمة, لأن النظام الذي أدمن التزوير علي مدار ثلاثة عقود وأبدع في فنونه, والنخبة العلمانية المتواطئة معه والكارهة للديمقراطية, لن يسمحوا بانتخابات نزيهة بعد اليوم. لقد سقطت أقنعة الكثيرين ممن يدعون الثورية ويتاجرون بحقوق الشهداء ودمائهم, وكشفوا عن وجوههم الحقيقية بتأييدهم المعلن أو المستتر لعدو الثورة. كما أخطأ كثير من الثوار في حق الثورة والديمقراطية عندما انساقوا وراء المتثورجين من نجوم الصحف والفضائيات الخاصة الذين خانوا الديمقراطية ثلاث مرات.. الأولي برفض قرار الشعب في الاستفتاء ومحاولة الانقلاب عليه, والثانية برفض اختيارات الشعب في الانتخابات البرلمانية, ومحاولة تقويض شرعية البرلمان بوضعها نقيضا ل شرعية الميدان, والثالثة برفض اختيار الأغلبية في انتخابات الرئاسة( الجولة الأولي) بزعم أنه سيقود إلي دولة دينية كمبرر للترويج لعدو الثورة. لقد كتبت في مقال سابق أني كنت رافضا من البداية فكرة المرشح الإسلامي للرئاسة. ولكن عندما يقرر الشعب أمرا, فعلي الجميع أن يرضخ وينصاع لما تريده الأغلبية. هذه هي الديمقراطية لمن لم يفهمها بعد من أساتذة العلوم السياسية وفقهاء القانون والدستور. وعليه فإن نصيحتي إلي الثوار هي: لا تنصتوا لهؤلاء المتثورجين الذين يروجون الآن لتلميذ مبارك, لأن الخيار واضح بين نصير الثورة وعدوها. يستطيع الشعب بالتصويت الكاسح لنصير الثورة أن يرسل رسالة ويمنع كارثة. من ناحية, فإن الرسالة إلي حزب أعداء النجاح والمفلسين, الذين يكرهون الناجحين ويسعون إلي إسقاطهم بالإفك والكذب والتضليل الإعلامي, تقول: لقد خدعتمونا بعض الوقت ولكن لن تخدعونا كل الوقت. إن الثورة نعمة عظيمة من الله سنعض عليها بالنواجذ ولن نتركها تفلت من أيدينا أيا كانت الأسباب وأيا كانت دوافعكم وأحقادكم الشخصية. من ناحية أخري, فإن التصويت لنصير الثورة باكتساح سيردع بالتأكيد كل من يحاول, أو حتي تسول له نفسه التفكير في تزوير النتيجة لمصلحة عدو الثورة. أما أن يفوز نصير الثورة بفارق بسيط, فإن هذا قد يفتح الباب لشرور لا نهاية لها. نعم إن الثورة فرصة ثمينة, والفرص الثمينة نادرا ما تتكرر في حياة الأمم, وعدو الثورة يراهن علي ذلك باتباع تكتيك الانقلاب الهادئ المتدرج, الذي بدأ بتسلله إلي سباق الرئاسة دون أن يشعر به أحد. وهو سيعيدنا إلي الوضع البائس الذي كنا عليه قبل يناير2011 دون أن يشعر بذلك أحد. فإذا تركت أيها الشعب هذه الفرصة تفلت من يدك, فلا تقل بعد ذلك أنك غلبت علي أمرك. إن جولة الإعادة ستجري في أواخر شهر رجب, وهو أحد الأشهر الحرم التي أمرنا الله تعالي بألا نظلم فيهن أنفسنا. فهل هناك ظلم للنفس أكبر من أن نعيد إلي الحكم بإرادتنا الحرة نفس النظام الذي ثرنا لإسقاطه؟ وهل هناك ظلم للنفس أكبر من أن نجعل أنفسنا أضحوكة العالم الحر بعد أن كنا مفخرته في فبراير2011 ؟