من العيوب الجوهرية فى ثقافتنا السائدة أن كثيراً من النخب السياسية والثقافية تكتفى بشجب ما يجب أن يتغير، وأنهم لا يُطوِّرون الموقف إلى سياسة عملية وإجراءات قانونية لن يتم التغيير المنشود إلا بها. لذلك ترى بعضهم يميلون إلى التركيز على حق التظاهر، وبعضهم يكتفى به، ولا يدركون، مثلاً، أهمية أن يكون لهم تمثيل نيابي. وقد يتظاهرون من أجل دعم حق التظاهر، وفى نفس الوقت يقاطعون الانتخابات البرلمانية! فتخلو الساحة لمن يصير له صلاحية التشريع كل يوم ضد اختياراتهم لو أراد، ولا يبقى أمامهم، فى أحسن الأحوال، إلا أن ينظموا تظاهرات لإعلان رفضهم! خُذْ هذا المثل الأخير: ما إن أُعلِنَ تقريرُ لجنة تشيلكوت عن توريط بريطانيا فى الغزو العراقى مع أمريكا، وأثبت التقرير مآخذ على تونى بلير فى الزجّ ببلاده فى حرب خارج الشرعية الدولية، ودون مبرر سياسي، ودون أن يكون هنالك تهديد من العراق على أمن بريطانيا..إلخ، إذ بأصحابنا ينبرون بالصياح فى أكثر من اتجاه، بعضهم يستدعى إلى ذاكرة الجماهير مواقفه ورؤيته الثاقبة وكيف أنه رأى حقيقة الغزو مسبقاً قبل أن يدركها تشيلكوت ولجنته! وبعض آخر أضافها على الفور إلى السجل الأسود للاستعمار الغربي! وآخرون راحوا يسبّون فئة السياسيين الأوروبيين العنصريين الذين ينظرون إلينا نظرة استعلاء! وربما تكون أفضل الأفعال النسبية منهم فى الإشادة بسعى البريطانيين إلى تقصى الحقائق احتراما لحق الرأى العام لديهم فى معرفة أخبار بلاده، ولكن دون أن يأخذ هؤلاء الأخيرون عظة تفيدنا. طيب، وبفرض أن بلير حُوكِم وأُديِن وفُرِضت عليه وعلى حكومته غرامات، فسوف تكون الفائدة مقصورة على من حرَّك الدعاوى ضده وقدَّم للقضاء أسماء ضحاياه وما يُثبِت أنهم سقطوا من جراء هذا العدوان..إلخ، يعني، وبالعربي، لن يحصل العراقيون ولا أى مضار من الغزو على شئ إذا لم يطرقوا السبل الصحيحة العملية المجدية. البدء يكون بإجراءات الدعاوى وتجهيز المذكرات القانونية وملفات تثبت الجريمة وأخرى تتضمن الضحايا..إلخ إلخ. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب