القوات المسلحة تنعى اللواء محمد علي مصيلحي ووزير التموين الأسبق    أمانة "مهنية الجبهة الوطنية": النقابات شريك رئيسي في بناء الجمهورية الجديدة    مؤشر البحث العلمي: 16.7 ألف بحث في الذكاء الاصطناعي خلال 5 سنوات    بيان عاجل بشأن العامل صاحب فيديو التعنيف من مسؤول عمل سعودي    لازاريني يرفض اتهامات إسرائيل بوجود صلات بين الوكالة وحماس    الأونروا: ما يجري في غزة عملية تجويع ممنهجة    ملك بريطانيا يرد على تهديدات ترامب أمام البرلمان الكندي    بيراميدز ضد الزمالك.. اتجاه لتعديل موعد نهائي كأس مصر لهذا السبب    "المشاركة في أفريقيا".. أول تعليق لمحمد عزت مدرب سيدات الزمالك الجديد    شكك في أقوال الشهود.. إيداع سفاح المعمورة مستشفى الأمراض العقلية (صور)    31 بالقاهرة.. الأرصاد تكشف التوقعات التفصيلية لطقس الأربعاء    "الجبهة الوطنية" يحذر من خطورة إغلاق قصور الثقافة: "منارات للإبداع"    مستشار زاهي حواس يكشف كواليس الحوار المثير للجدل مع جو روجان    ب"فستان جريء"..هدى الإتربي تنشر صورًا جديدة من مشاركتها في مهرجان كان    لا أستطيع صيام يوم عرفة فهل عليّ إثم؟.. أمين الفتوى يحسم    الجيش اللبناني يفكك جهاز تجسس ويزيل ساترَين ترابيّين للجيش الإسرائيلي جنوبي البلاد    السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    المفوضية الأوروبية: ملتزمون بتنفيذ حل الدولتين ونطالب برفع الحصار    ختام امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل بالبحيرة    نائب رئيس جامعة بنها تتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التربية الرياضية    تكريم الصحفية حنان الصاوي في مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي    بعد دخوله غرفة العمليات..تامر عاشور يعتذر عن حفلاته خلال الفترة المقبلة    وزير العمل يُسلم شهادات دولية للخريجين من مسؤولي التشغيل بالمديريات بالصعيد    «تنظيم الاتصالات» يصدر تقرير نتائج قياسات جودة خدمة شبكات المحمول    «الإفتاء» تكشف عن آخر موعد لقص الشعر والأظافر ل«المُضحي»    وكيل صحة البحيرة يتفقد العمل بوحدة صحة الأسرة بالجرادات بأبو حمص    ميار شريف تخسر منافسات الزوجي وتودع رولان جاروس من الدور الأول    غياب ثلاثي الأهلي وبيراميدز.. قائمة منتخب المغرب لفترة التوقف الدولي المقبلة    "دون رجيم".. 3 مشروبات فريش تساعد في إنقاص الوزن دون مجهود    ذكرى ميلاد فاتن حمامة فى كاريكاتير اليوم السابع    "التنسيقية" تشارك في منتدى قادة الأعمال المصري الأمريكي    مصرع شخص بطلق ناري في الصدر بسبب خلافات في الدقهلية    رئيس مجلس النواب مهنئا بعيد الأضحى: ندعو أن يتحقق ما يصبو إليه شعب مصر    6 أدعية مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أيام لا تُعوض    لو عندى مرض أو مشكلة أصارح خطيبي؟.. أمين الفتوى يُجيب    تشابي ألونسو يسعى لخطف "جوهرة باريس"    محافظ دمياط يفتتح وحدتي السكتة الدماغية والرعاية المركزة بمستشفى كفر سعد    مصدر أمني ينفي تعدي قوة أمنية على شخص بالإسكندرية مما أدى إلى وفاته    خبير: زلزال إيران غير مؤثر على مصر.. والاحتباس الحراري وراء الهزات الأرضية    5 فوائد صحية مذهلة للعنب.. (تعرف عليها)    تامر حسني ل "الفجر الفني": "ريستارت" استغرق سنة ونصف.. وبحضر لعمل درامي جديد(حوار)    مؤتمر الأعمال العُماني الشرق أفريقي يبحث الفرص الاستثمارية في 7 قطاعات واعدة    السجن 15 سنة لمتهمين باستعراض القوة وإحراز سلاح نارى فى سوهاج    وزير خارجية ألمانيا ل إسرائيل: لن نتضامن معكم بالإجبار    الإدارة العامة للمرور تبدأ تجربة «الرادار الروبوت» المتحرك لضبط المخالفات على الطرق السريعة    زينة تروي تفاصيل مرعبة عن هجوم كلب شرس على طفليها    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو مشاجرة بورسعيد    كلوب "مصدوم" من حادث احتفالات ليفربول    أمجد الشوا: الوضع فى غزة كارثى والمستشفيات عاجزة عن الاستجابة للاحتياجات    خلال 24 ساعة.. ضبط 146 متهمًا بحوزتهم 168 قطعة سلاح ناري    تؤكد قوة الاقتصاد الوطني، تفاصيل تقرير برلماني عن العلاوة الدورية    الزمالك يتفق مع مدرب دجلة السابق على تدريب الكرة النسائية    وزير الكهرباء يستقبل وزير التجارة الخارجية والتعاون الدولي بالسويد لبحث سبل التعاون    محمد ممدوح: المصريون رفضوا أن تدار بلادهم بمنطق السمع والطاعة    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية.. شاهد    اليوم| إقامة ثاني مباريات نهائي دوري السوبر لكرة السلة بين الاتحاد والأهلي    نائب يتقدم بطلب إحاطة بشأن غش عسل النحل في الأسواق.. ويحذر من تهديد مباشر لصحة المصريين    في إطار التعاون الثنائي وتعزيز الأمن الصحي الإقليمي.. «الصحة»: اختتام أعمال قافلتين طبيتين بجيبوتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من منحدرات البطالة إلى مهاوى العشوائية
شعارات «التكاتك».. هتاف الصاخبين !!
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 07 - 2016

دلَّعها فى الغِيارات.. وريَّحَها عالمطبات تعمل حسابي أقدَّرك تهزر معايا أعوَّرك
لم يكن يخطر على بال الدكتور «سيد عويس» عالم الاجتماع الراحل حين أصدر كتابه «هتاف الصامتين .. ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات فى المجتمع المصرى المعاصر» (1970)، أن وسيلة جديدة اسمها « التوك توك» ستظهر بعد أربعين عاما تقريبا، وستغزو أنحاء مصر لتصبح الأكثر انتشارا، وأنها ستُشيع شعارات مختلفة جذريا، حد التناقض، عن تلك التي رصدها أواخر الستينيات وأول سبعينيات القرن العشرين. وكما فارق المجتمع أمانه الاقتصادي، وتحللَّت منظومات قيمه، خَلَت الشعارات من مضامينها الرصينة، إلى تهاويم الانحدار والتردي.
الحلوة لما تتدلع.. تِخلِّى الأسفلت يولَّع
ما تبُصش لموتورها.. لا الزيت يقف في زورها
كان مُلاَّك المركبات في مصر الستينيات، يضعون مُصحفاً، أو إنجيلاً، صغير الحجم في سياراتهم، أو يُعلِّقُون في مرآة المنتصف «خمسة وخميسة»، و«مسبحة»، أو«حِجابا»، أو بعض «سنابل القمح» أو «دُمىً» أو «حدوة حصان»، للتبرك، والتيمن، واتقاء الحسد، كصِيَغِ رمزية للإيمان، وطلب الرزق، وخشية المجهول، لكن راكب «التكاتك» الآن لا يجد غير سمَّاعات قاسية تصمُّ الآذان، وغناء هابط لا يظهر منه سوى صخبه.
يمكننا تخيل حجم الظاهرة فائقة الانتشار، إذا أدركنا أن مصر دخلها حتى الآن أكثر من ثمانية ملايين «توكتوك»، وفق تقديرات غير رسمية، والرقم لا يحمل أية مبالغة حسب المشاهدة المباشرة لأي شارع في جميع مدن وقرى مصر، وأعرف يقينا أن مئات منها في كل قرية بالدلتا الآن، وتتزايد باطراد لافت، فإن عرفنا أن عدد القرى، في الدلتا والصعيد، حوالي خمسة آلاف، وتوابعها من العزب والكفور والنجوع أكثر من عشرين ألفا، وعمرانها اتسع عشرات أضعاف حجمه في الستينيات، يجعلنا نصدق الرقم بسهولة، وربما كان أكبر من هذا، خاصة أن الامتدادات العشوائية في المدن الإقليمية، وعواصم المحافظات، بلغت حد الاكتظاظ، والدولة في سُباتٍ عميق.
يا تْهَدِّي يا تْعَدِّي
تركب أسليك.. تنزل أولَّع فيك
وفي إحصاء رسمي عام 2014 أُعلن أن 74 ألف «توك توك»، من إجمالي الثمانية ملايين، هي المُرخصة فقط، والحكومة التي تسمح باستيرادها بغزارة، تلاحقها في كل مكان، وبعض الحملات المرورية تصادرها، وتضيع لأنها «أشياء بلا أوراق»، حيث لا يستطيع أصحابها إثبات أي شىء ضد أفراد السلطة الذين صادروها، ويمكنهم بيعها في الخفاء لآخرين من محافظات أخرى، وتتجلى المأساة إذا عرفنا أن ثمن «التوكتوك» وصل إلى ثلاثين ألف جنيه، وربما أكثر في بعض المحافظات، وأغلب الناس يشترونه بأقساط مؤلمة نظرا لضعف قدراتهم، والمركبة الواحدة منها تعمل ثلاث ورديات (شِفتات)، أى تفتح ثلاثة بيوت، ما يفيد بأن المصادرة هذه تؤدي إلى مآسٍ اجتماعية.
متقولش دى بكام.. دى جَاَيَهْ بدهب المدام
ما تبصش كده يا عبيط.. الحلوة دي بالتقسيط
في «هتاف الصامتين» رصد «عُويس» في بحثه الميدانى أن الناس كتبوا على مركباتهم عبارات كلها لطيفة وموحية، من الأغاني السائدة، ووفقا لمستوى الوعي حينها، وسلامة الوجدان العام، منها «أبو سمرة السكرة»، و«اتمخطرى واتمايلى يا زينة»، وتصدرت أغاني «أم كلثوم » مثل «أروح لمين»، و«اسأل روحك اسأل قلبك قبل ما تسأل إيه حيرني»، و«طوف وشوف»، و«أكثر من مرة عاتبتك واديت لك وقت تفكر»، و«بتبص لى كده ليه»، وكذا حليم وغيره من المغنين، مثل «سواح وماشى فى البلاد سواح»، و«سوق على مهلك»، و«فوق الشوك مشانى زماني»، و«م الموسكى لسوق الحميدية»، وتعبيرات شعبية، مثل «آخر طريقك فين؟» و«حلوة صلاة النبي» و«خليها على الله»، و«ما تبصليش بعين ردّية وبصّ للى اندفع فيّه»، إضافة لآيات قرآنية وإنجيلية، ما دفع «سيد عويس» للتشديد على ضرورة تمعن هتافات الصامتين الذين اختاروا أسلوباً سلميا للتعبير عن مطالبهم وأحلامهم، مع أن الدولة وقتها كانت تهتم بالتعليم والصحة والقطاع العام، وتراقب الأسعار، وتوفر المرافق، بعكس الحاصل تماما الآن من التخلي عن مساندة الفقراء.
إحسدوني.. لما أسد ديوني
3 عجلات برفارفهم.. نازلين يجيبوا مصاريفهم
والشاهد أن «التوكتوك» ساهم بشكل واسع في حل أزمة المواصلات بآلاف القرى، والمدن الصغيرة، وفي الاسكندرية، والقاهرة التي تضم وحدها أكثر من ستين منطقة عشوائية امتدت بطيش في جميع الاتجاهات وأحاطت بالعاصمة كالسُوَار المُحكم، وكذا ساعد بوضوح على تخفيف حِدَّة البطالة بين الشباب، وعُمَّال القطاع العام المُسرَّحين، والمتبطلين، وحل مشكلة التنقل في القرى المصرية بعد توسعها العمراني الكبير، لقدرته الكبيرة على التسلل إلى الشوارع الضيقة، والمناطق النائية، وتسهيل حياة الملايين يوميا من الكادحين، وبالمقابل فاقمت أزمات المرور لأنها تتحرك كالصراصير، وتخنق شوارع العشوائيات، وباتت المُشادات بين سائقي «التكاتك والميكروباصات» مشهدا اعتياديا، واستخدمها قلة من المنحرفين في ارتكاب جرائم فردية هنا أو هناك.
الرجولة ملهاش قطع غيار
حبيتها وقعدنا نُلكلُك.. أتاريها طمعانة فى التوك توك
فماذا لو كان «عُويس» بيننا الآن ورأى هذه الشعارات، التي أحالت «هتاف الصامتين» الموحي، إلى «هتاف الصاخبين» المُوحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.