فى شهر رمضان المبارك تزينت المساجد وامتلأت بيوت الله عن بكرة أبيها بالمصلين، وبعد أيام قليلة نودع هذا الشهر الكريم الذى يتعجل الرحيل. ويقول العلماء، إن رب رمضان هو رب شوال، ويجب المحافظة على صلاة الجماعة فى أحلك الظروف، ولا يمنعك من هذه الصلاة إلا الضرورة القصوى ، فالنبي، صلى الله عليه وسلم، لم يرخص للأعمى كى يصلى فى بيته، وهذا دليل على أهمية وعظمة صلاة الجماعة، وأن الله تعالى قال: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلتَقُم طَائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَليَأخُذُوا أَسلِحَتَهُم فَإِذَا سَجَدُوا فَليَكُونُوا مِن وَرَائِكُم وَلتَأتِ طَائِفَةٌ أُخرَى لَم يُصَلُّوا فَليُصَلُّوا مَعَكَ وَليَأخُذُوا حِذرَهُم وَأَسلِحَتَهُم) سورة النساء، فهذه الآيات أمر من الله سبحانه بأداء فريضة الصلاة جماعة فى أحرج الأوقات، ويجب على المسلم أن يحافظ على أداء الصلاة فى المسجد سواء فى رمضان أو غير رمضان، لأن الصلاة هى أول الأعمال التى سنسأل عنها يوم القيامة. قلوب معلقة بالمساجد ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن من فضل الله تعالى على عباده أنه جعل الثواب الجزيل على أداء الصلاة فى جماعة ويبدأ هذا الثواب من تعلق القلب فى المسجد فالمشى إليه لأداء الصلاة فيه مع الجماعة حتى يفرغ العبد من الصلاة ولا يتوقف الثواب عند هذا بل يستمر حتى يصل المصلى إلى بيته كما جعل الله ثوابا خاصا على أداء العشاء والفجر والعصر مع الجماعة، مما يدل على فضل الصلاة فى جماعة أن من كان شديد الحب للمساجد لأداء الصلاة مع الجماعة فيها فإن الله تبارك وتعالى: سيظله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله فقد روى الشيخان عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله....) وذكر منهم رجلا قلبه معلق بالمساجد، وبين النبى صلى الله عليه وسلم أن الخطوات التى يخطوها المرء المسلم إلى المسجد تكتب له فقد روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد قال: والبقاع خالية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا بنى سلمة دياركم تكتب آثاركم) حديث صحيح، ومما يدل على فضل المشى إلى المسجد لأداء الصلاة فيه مع الجماعة أن الله تعالى قد رفع منزلة آثار قاصد المسجد حتى إن الملائكة المقربين يختصمون فى إثباتها والصعود بها إلى السماء ودليل ذلك عندما سال الله تبارك وتعالى محمد صلى الله عليه وسلم فى نهاية الحديث بقوله: يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت أى الرسول صلى الله عليه وسلم (نعم فى الكفارات والكفارات: المكث فى المساجد بعد الصلاة والمشى على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء على المكاره ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه). محو الخطايا وأضاف: إن المشى إلى الجماعات من أسباب ضمان العيش بخير والموت بخير فقد جاء فى الحديث السابق انه من فعل ذلك أى الأعمال الثلاثة المذكورة فى الحديث ومنها المشى على الأقدام إلى الجماعات فقد عاش بخير ومات بخير فما أعظم هذا الضمان ! العيش بخير والموت بخير ومن تعهد بذلك ؟ هو الله الواحد الذى لا أحد أوفى بعهده منه. بل جعل الله المشى إلى الجماعات أيضا من أسباب تطهير العبد من الذنوب فقد روى الإمام مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات...) وذكر منها (وكثرة الخطى إلى المساجد)، فكل خطوة واحدة يرفع الله بها درجة وتحط عنه خطيئة وتكتب له حسنة. كما أن أجر الخارج من بيته لأداء الصلاة ويكون على حالة التطهر، لا يخرجه إلا الصلاة المكتوبة، كأجر الحاج المحرم، فقد روى الإمامان أحمد وأبو داود، عن أبى أمامة رضى الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم) حديث حسن، ولذلك أجرها عظيم فى الجماعة. وفى سياق متصل أكد الشيخ إبراهيم حافظ من علماء الأزهر الشريف أن الدليل على فضل الذهاب إلى المسجد ما بينه النبى صلى الله عليه وسلم من أن الخارج إلى الصلاة ضامن على الله تعالى فقد روى الإمام أبو داوود عن أبى أمامة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل) وذكر منهم (ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة) حديث صحيح، ولا ننسى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له فى الجنة نزلا كلما غدا أو راح ).