ما هى الديمقراطية؟ .. وما هو الإعلام؟ .. وما هى العلاقة المفترضة بين الإعلام والديمقراطية ؟..أسئلة محيرة للغاية فى عصر تسيطر عليه وسائل الإعلام بشكلها التقليدي، أو مواقع التواصل الاجتماعى التى تعتبر نوعا جديدا من الإعلام الفردي. فالإعلام بكافة أشكاله أصبح يمثل الجزء الأخطر من حياة الأفراد، إذ يشكل مواقفهم ويتلاعب بأفكارهم وتوجهاتهم، ولكن السؤال الأهم هو "لصالح من"؟ هل يخدم مصلحة الدولة أم الجهة الممولة لكل وسيلة إعلام على حدة، لتتحول المعارك الانتخابية والاستفتاءات من "أداة ديمقراطية" إلى "مذابح إعلامية".. وعندئذ، يكون المواطن والوطن هما الضحية الأولى والأخيرة لها. وأهم ما يلفت النظر فى صولات وجولات معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الطاحنة بين الملياردير الجمهورى دونالد ترامب والسياسية الديمقراطية المخضرمة هيلارى كلينتون أن وسائل الإعلام هى سيد الموقف فى كل جولة، بل إنها تحولت فى مرحلة من المراحل إلى شكل من أشكال "تليفزيون الواقع" الذى يلقى رواجا عالميا منقطع النظير فى العصر الحالي. فالأمر لم يعد مجرد الحفاظ على الصالح العام أو الترويج لما هو الأفضل للدولة، ولكنه تحول إلى الإثارة والتشويق ليس من خلال تصريحات المرشحين فقط، ولكن أيضا من خلال وسائل الإعلام التى حرص كل منها على دعم مرشح ضد الآخر. وقد لعبت هذه الصحف الدور الأكبر فى الكشف عن مجموعة من أهم الفضائح التى تسيطر على المعركة الراهنة، ربما يكون أهمها فضيحة البريد الخاص لهيلاري، والتى أرقت مضجعها طوال الفترة الماضية، وربما تهدد فرصها فى الفوز فى النهاية أيضا. فلا يخفى على أحد أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت وراء تفجير أكبر فضيحة تهدد طموحات هيلارى فى الرئاسة فى مايو 2015 عندما كشفت عن استخدام وزيرة الخارجية السابقة لبريدها الإليكترونى الخاص خلال أزمة اعتداءات بنغازى والتى راح ضحيتها ثلاثة من أفراد البعثة الدبلوماسية الأمريكية فى ليبيا عام 2012. وعلى الرغم من أن موقف نيويورك تايمز ربما يكون الهدف منه كشف الحقائق إلى حد كبير، فإن شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية على سبيل المثال اتخذت موقفا معاديا لهيلارى منذ بداية إعلان ترشحها، وهو ما يمكن لمسه من خلال تغطيتها الإخبارية للانتخابات حتى قبل بدايتها الرسمية. وعلى الرغم من الجدل الذى أثاره ترامب منذ بداية ظهوره على الساحة السياسية وربما الإعلامية وحتى هذه اللحظة، فإن أزمته مع صحيفة "واشنطن بوست" تكشف عن ثمن الإثارة فى العناوين التى تلجأ لها وسائل الإعلام، فقد اتهمت الصحيفة - على لسان ترامب - الرئيس باراك أوباما بالتورط فى مذبحة أورلاندو، حيث استهدف مسلح مسلم ملهى للشواذ، ففى الوقت الذى سارع فيه ترامب إلى تكذيب الصحيفة واتهمامها بعدم النزاهة الصحفية وسحب أوراق اعتماد حملته الانتخابية لها، ما كان من الصحيفة إلا أن اتخذت موقفا معاديا لترامب من خلال العناوين وموقعها الإليكتروني، وحتى صفحتها على الفيسبوك التى حملت "وجوها تعبيرية غاضبة" خلال تغطية لكلمة ألقاها ترامب خلال حملته الانتخابية. والأمر نفسه هو ما حدث على الصعيد البريطاني، فنجد أن الصحافة والإعلام هناك انقسما بشدة ما بين مؤيد ومعارض للبقاء فى الاتحاد الأوروبى أو الخروج منه قبل الاستفتاء الأخير، ولكن تتبع الجهات الممولة لكل جريدة هو الذى يفسر انتماءاتها وتوجهاتها، وبالتالى المبررات التى تطرحها سواء لصالح الانسحاب أو البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، ولكن فى النهاية لم تنجح استمالات التخويف الإعلامية من إقناع البريطانيين ب"البقاء". وبطبيعة الحال هذه الصحف أو الشبكات الإخبارية لا تفضل مرشحا على آخر بناء على كفاءته أو على الطرف الأفضل لخدمة مصالح البلاد أو المواطن أو تحسين الأوضاع الاقتصادية، ولكنها تخدم بالأساس الجهات الممولة لها، وهذه الجهات قد تكون رجال أعمال أو مؤسسات وشركات دولية أو دولا أخرى، وغالبا ما تكون لها انتماءات حزبية، وهو ما يدفعنا بكل أسف إلى الاعتراف بأنه لا يوجد فى العصر الحالى ما يعرف بالنزاهة أو المهنية الصحفية بعيدا عن تحكمات رأس المال والمصالح، فكل صحيفة تنطق بلسان ممولها وليس المصلحة العامة. لقد تحولت الديمقراطية الغربية إلى رجل مريض يخضع لمشرط الإعلام السام .. فهل سيقضى عليها أم ستتمكن من الإفلات من براثنه؟