الاهتمام بدور الجمعيات الأهلية في مراقبة الانتخابات في مصر قضية مهمة. وفي عالم اليوم يعتبر هذا الدور من البديهيات. وهو دور جوهري, لا يقل في أهميته عن دور اللجنة العامة التي تكونها الدولة لكي تتولي تنظيم الانتخابات. وهذه الجمعيات لم يعد يقتصر دورها علي مجرد المراقبة داخل الحدود, بل أصبح يتعدي ذلك ويمتد, بحيث صار لهذه الجمعيات دور دولي أشبه ما يكون بدور الأممالمتحدة, ولم نعد نجد أي انتخابات في أغلب بلاد العالم تتم في ظروف تخلو من اشراف ومراقبة منظمات وهيئات وجمعيات دولية. (1) أهمية توافر عناصر النزاهة والحرية والشفافية للانتخابات المقبلة تفوق كل الانتخابات التي سبقت في مصر. لماذا؟ لأنه بعد رسوب إيران في امتحان انتخابات الرئاسة والحرج الشديد الذي وقعت فيه علي ضوء المظاهرات التي قامت بها المعارضة هناك, وفشل السلطات الإيرانية في التعتيم علي ما يحدث وأسبابه فإن كل أنصار إيران في المنطقة يتحينون الفرصة لكي ينتقموا لانفسهم إذا ما شابت الانتخابات المصرية المقبلة أي شائبة. وهذا الكلام ينطبق علي انتخابات مجلس الشوري, بنفس قدر انطباقه علي انتخابات مجلس الشعب. ولأجل هذا فإن القرار الذي اتخذ داخل الحزب الوطني ليس فقط بالعزوف عن إجراء تعديلات في قانون الجمعيات الأهلية بل ايضا في الحرص والاهتمام بتغذية هذا الدور, هذا القرار يصب في صالح كل الاطراف وعلي غير هوي ذوي الميول الإيرانية. فأن تجري انتخابات حرة ونزيهة, ويتم التصويت بكل شفافية, وتتم عمليات الفرز علي رءوس الاشهاد وتحت سمع وبصر مختلف الجمعيات الخاصة بمراقبة الانتخابات سواء كانت جمعيات أهلية أو دولية. كل هذا يعني أن كل عناصر السلامة للانتخابات قد توافرت ولن يستطيع أي شخص أن يطعن في سلامتها. (2) لن يكون من المقبول أيضا, فرض كردون أمني كامل علي بعض اللجان الانتخابية, بحيث لا يتمكن الناخبون من دخول اللجان للادلاء بأصواتهم, فمثل هذا الأسلوب العتيق لن يفيد. ففي حوزة الخصوم مثلا وكما لايجب أن ننسي تليفونات محمولة, وكاميرات فيديو, يستطيعون بها أن يلتقطوا الصور من علي أبعاد ومسافات كبيرة ثم يرسلوها باستخدام الكمبيوتر إلي مواقع شبكة الإنترنت المعروفة مثل تويتر وويدجيت ويوتيوب, وهذه يمكن نقلها إلي محطات الارسال التليفزيوني بحيث تصبح في كل المحطات العالمية.. وفي مثل هذه الظروف فإن مشاهدة اللجان الخالية تماما من الناخبين الذين لا يستطعيون الاقتراب منها بسبب كردونات الأمن, ستكون مأساة, ومحنة حقيقية للبلاد, وللعباد, وفي نفس الوقت ستكون انتصارا مجانيا بلا مقابل أعطيناه لكل الذين لا يريدون الخير لبلادنا. وعلينا أن ندرك جيدا أن الحزب الوطني قادر علي الفوز بأغلبية البرلمان دون حاجة إلي أي إجراءات من هذا النوع الذي عفا عليه الزمن. فلهذا الحزب, أعضاء, وانصار, لهم شأنهم, ويقدمون خدمات لا تحصي لأعداد غفيرة من المواطنين. كل المطلوب هو أن يتصدوا لكل أشكال الفساد والانحراف, هذا وحده كفيل بتوفير غطاء جماهيري للحزب ولانصاره في الانتخابات يجعله في غني عن الاحتياج لأي إجراءات خاصة يمكن أن يترتب عليها مساس بسمعة البلد. (3) أرجو ألا ننسي أن الانتخابات في عالم اليوم هي أداة الصراع السياسي السلمي في كل بلاد العالم. ولم يعد الصراع السياسي أو السعي إلي تولي السلطة في أي بلد في العالم مصدر أزمة أو خوف أو داعيا لأن يدخل من يريدون ذلك السجون ماداموا يلجأون إلي الوسائل السلمية العلنية لتحقيق هذه الغاية. وهذه الوسائل, مثل التجمع, والنشر, والإذاعة, والمؤتمرات ينظمها قانون مباشرة الحقوق السياسية, وهذا القانون يوفر هذه الحقوق لكل الاحزاب بنفس القدر من المساواة, وفوق ذلك ايضا فإن هذا القانون ينظم طرق تمويل الحملات الانتخابية بمستوياتها المختلفة ويضع لها حدودا قصوي ويحتم ضرورة الإعلان الصريح عن المتبرعين لكل حملة بالاسم والمبلغ الذي يتم التبرع به, والهدف من هذا هو ضمان ألا يتحول العضو الناجح من حملة انتخابية إلي أن يكون بوقا يتحدث باسم من مولوه بدلا من أن يكون نائبا أو ممثلا للشعب بأكمله. الميزة الاساسية في الجمعيات الأهلية غير الحكومية هي أنها تضم متخصصين في مسائل القانون والإجراءات المرتبطة به وبالدستور وبلوائح الانتخابات والقواعد التي تحكمها, وبالتالي تكون أكثر قدرة علي ضبط ايقاع الانتخابات وعلي التنبيه لأي خلل أو اضطراب يقع. ايضا لهذه الجمعيات علاقات كثيرة تستطيع بفضلها أن تحسم أي مشكلة تطرأ والأهم من كل هذا أن انتشارها وازدياد الاعتماد عليها وثبوت نجاحها في ضمان نزاهة وحرية الانتخابات لا تجعل هناك أي حاجة للاعتماد علي الاقارب والأهل والانصار ممن لا علم لهم لا بالقانون ولا بإجراءات الانتخابات وهؤلاء عادة ما يؤدي الاعتماد عليهم إلي اندلاع أحداث عنف. الجمعيات الأهلية غير الحكومية هي اذن مفتاح لخير عميم في الانتخابات والمهم أن نستفيد منها. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن