الحقيقة أننا لا نحكم على كل الاخيار بأنهم يبغون مآرب سياسية، بل هناك أسماء كثيرة لمعت فى قلوب المجتمع ولم يكن لها هدف سوى مساعدة المحتاجين بل تواروا بأعمالهم عن أى مناصب سياسية وابتعدوا عن الشو الاعلامى أو الترشح فى الانتخابات ،بخلاف جماعة مثل الإخوان التى أسست ظهيرا سياسيا وشعبيا لمآرب أخرى . . وقد تركت لهم الدولة خلال ثلاثين سنة شرائح اجتماعية فى التعليم والصحة وعلاج المساجد، فاعتمدوا على النشاط الخيرى كعنصر مهم فى استمالة المواطنين فى الانتخابات واستقطابهم كاستراتيجية سياسية لجلب أكبر عدد ممكن من المواطنين المغلوب على أمرهم وإدخالهم فى معادلة ما هو قادم من محطات وطنية مهمة. ................................................................................................................ وكانت النتيجة أن وقع الغلابة فى المصيدة بعد أن غابت عنهم الدولة أو غيبت عنهم خلال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، وبعد ثورة يناير وجدت التيارات الدينية التربة صالحة بين أوساط الغلابة والمهمشين والعشوائيات، فكان من الطبيعى أن نسمع عبارات مثل» هانتخبهم، لأنهم بيجيبوا لى انبوبة البوتاجاز بخمسة جنيه، وكمان بيطلعوها على كتفهم لحد عندى»، تلك العبارة سمعتها من أحد كبار السن أواخر عام 2011، قبيل إجراء انتخابات مجلس الشعب التى احتلت فيها جماعة الاخوان المسلمين الأغلبية تلاها التيار السلفى، قالها الرجل بإصرار شديد معلنا إعجابه بالجماعة التى يحمل شبابها أسطوانة الغاز لتصل إليه مرفوعة على اكتافهم بثمنها الحقيقى،وبعد فوز التيار الدينى بغالبية مقاعد البرلمان تأكد لى أن « الأنبوبة» وأمثالها كانت إحدى الوسائل الرئيسية للتعبئة الشعبية فى ظل غياب واضح لأجهزة الدولة وقتها. كيف يرى الخبراء هذه الظاهرة الإجرامية فى استغلال معاناة الناس؟ أعماق المجتمع د. عمار على حسن أستاذ الاجتماع السياسى يتحدث عن تلك الظاهرة قائلا إن السلطات السياسية فى أى زمان ومكان تحرص على أن تكون علاقتها بأعماق المجتمع عامرة بالفهم والرضاء بغية تعزيز شرعيتها،كما أن معارضيها يفعلون الامر نفسه أو يحاولون،كما تفعل ذلك أيضا «الحركات الاجتماعية»، وإن كان كل منها ينشغل بقطاع اجتماعى معين. وأوضح أن الحركات الدينية هى الأكثر انشغالا بالوصول إلى أعماق المجتمع، مرة باسم تكليف دينى بنشر الدعوة أو تحقيق الهداية وفق مبدأ «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، ومرة لتعبئة الناس حول تصوراتها السياسية والوقوف على أكتافهم من أجل بلوغ السلطة، تحت شعارات «ما لا يزع بالقرآن يزع بالسلطان» و»مهمة الحاكم هى حراسة الدين وسياسة الدنيا» و»الإسلام دين ودولة»،وغيرها من الشعارات. وهذا الأمر متواجد حتى فى الدول الغربية بنسبة ما،أما فى العالم العربى فكانت ظاهرة المد الأصولى بنت «أزمة الاجتماع السياسى العربي» بوجه عام، بل هناك من نظر إلى «الإسلاموية» بشكل عام على أنها «حركة المطحونين فى الحضر»، حيث زاوجت الأحياء الفقيرة فى القاهرة مثلا بين الفقر والنزعة الإسلامية المتشددة، وحافظت على هذا التزاوج. لذلك سعت التنظيمات والجماعات الدينية المسيسة إلى تحقيق العمق فى ركاب «التدين الاجتماعي»، أو إعمال التدابير الاجتماعية النابعة من الدين والتدين، والتى تبلغ ذروتها فى شهر رمضان، وتستقطب حتى غير المتدينين، وتتجلى فى أعمال مثل الصدقة،وصلة الأرحام، وكفالة اليتيم،وتوظيف الورع والخشوع فى تحقيق السلم الأهلي. ويخلص د. عمار الى أنه يجب فصل العمل الخيرى عن السياسى ،موضحا أن الاحزاب السياسية والتنظيمات والجماعات الدينية المسيسية تسعى إلى تعبئة الانصار ،فالعمل الخيرى يجب ان يبتعد عن الاستثمار السياسى والدينى،الذى يؤدى الى تحويل الاعمال الخيرية إلى» رأسمال سياسي» ، وهو ما حدث فى مصر خلال وقت مبكر، ففى نهاية الثمانينات كانت حركات العودة إلى الإسلام أصبحت على رأس شبكات قوية تسيطر فى بعض الأحيان على أحياء بكاملها، ثم بدأت التحرك نحو الحيز السياسي. تسييس العمل الخيرى وفى الاتجاه نفسه ،أكد أبو الفضل الإسناوى الباحث بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية أن مصر شهدت تسييسا للعمل الخيرى ،ليس على مستوى الجماعات الدينية والأحزاب السياسية فقط،بل على مستوى مؤسسات المجتمع الأهلى فى مصر، وهذا الخلط يبدو أكثر وضوحا فى الجيل الرابع من المنظمات الحقوقية. وأضاف الإسناوى أن السمة الأكثر وضوحا فى تسييس العمل الخيرى بعد مراقبة جمعيات الإخوان من قبل الدولة المصرية، هى حالة النشاط السياسى لبعض مؤسسات المجتمع المدنى توجيهيا وتشاركيا مع بعض القوى والأحزاب، و إضفاء السمة السياسية على قضايا أو موضوعات قد لا تكون سياسية،كرفع الدعاوى المتعلقة بالحفاظ على استقلالية المنظمة وحرياتها. وأستكمل قائلا أن تسييس العمل الخيرى جاء نتيجة لسد الفراغ الذى نمته بعض الجماعات الدينية فى مصر، لافتا إلى أن توقف الآلاف من الجمعيات الأهلية التى كانت تمولها تيارات دينية قبل 30 يونيو عن توظيف العمل الأهلى والخيرى لتعبئة وخلق موالين من الفقراء والمهمشين من خلال تقديم المساعدات الخيرية والخدمات الصحية، فى ظاهرة تعرف ب «تسليع الفقراء» أى اعتبارهم سلعة يتم الاستثمار فيها وفقا للمتغيرات الوظيفية وأجندة الأهداف.. هذا التوقف قد آثار شهوة الكثير من المؤسسات الخيرية التى يمولها بعض رجال الأعمال أو التى تنسق فى عملها مع أحزاب سياسية، لكن تدخل الدولة من خلال منظومات جديدة لمكافحة الفقر والمرض مثل برنامج كرامة وتكافل التابع لوزارة التضامن الاجتماعى وصندوق تحيا مصر بالإضافة إلى التشبيك المجتمعى الذى حدث بين المؤسسات الأهلية الخيرية الكبيرة، قد أضاع الفرصة على هذه المؤسسات الأهلية الجديدة التى سعت مبكرا أى بعد 30 يونيو إلى لعب دور جماعة الإخوان فى استغلال الفقر.