يستعد الاقتصاد المصرى لخوض معركة جديدة لمواجهة التحديات خلال العام المالى الجديد الذى سيبدأ بعد أيام، بموازنة أقل ما توصف به إنها موازنة الانقاذ. ويتمثل التحدى الأول للموازنة العامة للدولة الجديدة استهداف معدلات نمو تصل لنحو 5.2% بحيث يكون نمواً احتوائيا يصل ثمارة إلى الفقراء ومحدودى الدخل، ورصدت الحكومة نحو 107 مليارات جنيه للاستثمارات الحكومية بنسبة زيادة 50% عن متوقع العام المالى الجارى، لتشجيع القطاع الخاص على ضخ استثمارات جديدة أيضا، وضخ دماء جديدة فى شرايين الاقتصاد. وخصصت الموازنة 421 مليار جنيه للانفاق على برامج الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية بنسبة نمو قدرها 12.5% عن عام 2015/2016، كحائط حماية قوى للحفاظ على المواطن من وطأة زيادة الاسعار، فضلا عن زيادة أعداد المستفيدين من برامج دعم السلع الغذائية ليصل العدد الإجمالى إلى 69 مليون مستفيد مع تنقية أعداد المستفيدين ليصل الدعم لمستحقيه الحقيقيين. وفى تقرير أعده كل من كبير الاقتصاديين فى «أطلنتس كانسل» أو مركز رفيق الحريرى للشرق الأوسط بواشنطن محسن خان وإليسا ميلر، عن أداء الاقتصاد المصري، أكد أن الاقتصاد المصرى لا يزال يسعى للدخول فى دائرة التعافى بعد مرور خمس سنوات على ثورة عام 2011. وقال إن الحكومات المتعاقبة كافحت من أجل تطوير رؤية لنموذج اقتصادى جديد لمصر، فى الوقت الذى نفذت فيه سياسات «شعبوية» لتلبية المتطلبات الملحة للمواطنين. ويبحث التقرير برامج الاصلاح الاقتصادى التى تم إطلاقها قبل ثورة 2011، والسياسات المطبقة من قبل حكومات ما بعد الثورة الحالية فى مصر، حيث أدى عدد من الإصلاحات التى تمت فى منتصف العقد الأول من الألفية إلى زيادة معدل النمو فى مصر، ولكنها لم تحد من ارتفاع نسبة البطالة أو تقديم فرص اقتصادية متزايدة لقطاع واسع من المصريين. وبحلول عام 2010، لم تُعالج العيوب الهيكلية الرئيسية فى الاقتصاد المصري، وتضمن هذا ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، والرأسمالية التى تقوم على المحسوبية، وعدم كفاءة البنية التحتية، والبيروقراطية غير الفعالة، بالإضافة الى التفاوتات الكبيرة فى الثروة والدخل بين المواطنين. وبدلاً من مواجهة التحديات الاقتصادية الرئيسية فى مصر، ركزت حكومات ما بعد الثورة على كثير من المشكلات السياسية التى تواجه الدولة، بينما استمر الاقتصاد فى التراجع، حيث ظل معدل النمو منخفضاً مع ارتفاع نسبة البطالة. وبالنسبة للتطورات الاقتصادية الإيجابية المحدودة التى أعقبت تعيين الحكومة الانتقالية للرئيس عدلى منصور مباشرةً فى أغسطس عام 2013، فقد كانت نتيجة للتغيرات السياسية أكثر من كونها نتيجة لإتباع إجراءات اقتصادية محددة. ودخل الاقتصاد المصرى مرحلة جديدة مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم فى يونيو 2014، ومع حلول العام 2016 بات من الضرورى على الحكومة معالجة المشكلات الاقتصادية والتى أدت إلى اندلاع ثورة عام 2011، منها التركيز على زيادة محطات الطاقة فى مصر، وتحسين المالية العامة فى البلاد، وجذب الاستثمارات الخارجية، والانتقال إلى نظام سعر الصرف المرن، والتوسع فى القطاع الخاص. ويعترف التقرير بأن عملية التحول الاقتصادى لمواكبة تطلعات وآمال المصريين سوف تكون صعبة وستستغرق وقتاً طويلاً، ولكن من أجل أن يكون لمصر اقتصاداً قويا يقوده قطاعً خاص مزدهر ويوفر فرص عمل ويحقق الرخاء لكل المواطنين، يتوجب على الحكومة بذل الجهود العاجلة لتنفيذ السياسات الرامية لتحقيق هذا الهدف. وأشار التقرير إلى عدد من السياسيات والجهود التى يجب على الحكومة القيام بها من أجل اصلاح الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، ومن هذه الجهود، السعى نحو استقرار الاقتصاد الكلي، ويعد هذا أمراً ضرورياً سواء تمت الاستعانة ببرنامج صندوق النقد الدولى أو بدونه، وسوف يشمل ذلك كافة التدابير السياسية اللازمة لتحسين وضع المالية العامة وخفض الدين الحكومي. وهذا يعنى مواصلة الاصلاحات فى أنظمة الضرائب والدعم الحكومي؛ وربما يحتاج الأمر إلى مزيد من التحفيز المالى فى عام 2016 وما بعده لزيادة معدلات النمو الاقتصادي. ومن ضمن السياسات ضمان الحصول على تمويل خارجى كاف، ويمكن استخدام هذا التمويل لتخفيف أزمة الطاقة ودعم مشروعات البنية التحتية الضخمة التى يُطمح إليها والتى أعلن عنها الرئيس السيسي، مثل العاصمة الادارية الجديدة، ومشروع بناء مليون وحدة سكنية حول القاهرة الكبرى، وبناء وإصلاح الطرق، وإقامة العديد من محطات الطاقة بما فيها مشروعات الطاقة المتجددة. ومن الأمور التى لا يمكن إغفالها اتخاذ حزمة من الاصلاحات الرئيسية لجعل مصر جاذبة للاستثمار، فبينما تعد مشروعات البنية التحتية التى تقودها الحكومة ضرورية للغاية فسوف تكون الاستثمارات المحلية والأجنبية الخاصة بنفس الضرورة لمستقبل النمو فى مصر. ولكى يحدث ذلك، يتوجب على الحكومة تسهيل اجراءات وقوانين العمل والاستثمار، وقد حدد المستثمرون المحتملون الاصلاحات الأساسية اللازمة فى المجالات الآتية، حماية حقوق الملكية الفكرية لتشجيع الابتكار، مراجعة قوانين ولوائح العمل لتحقيق قدر أكبر من المرونة فى سوق العمل، تقديم قانون جديد للإفلاس بجانب إيجاد آلية واضحة وشفافة لتسوية المنازعات. ويستوجب الأمر وفقاً للتقرير تغيير نظام السياسات النقدية، حيث يجب على مصر تقليل الضغوط التى يواجهها النقد الأجنبي، وذلك بالسماح للجنيه بمجاراة قوى السوق. وإذا قامت مصر بتفادى المخاوف المتعلقة بنظام تعويم سعر الصرف وتحويل تركيز البنك المركزى المصرى إلى السيطرة على التضخم بدلاً من استقرار الجنيه، فمن شأن ذلك أن يجعلها تقطع شوطاً طويلاً نحو الحد من الاعتماد على المساعدات المالية الأجنبية.