إذا أصبح أبن ادم فإن أعضاءه كلها تنادى اللسان أن يتقى الله فيها. وأبواب الخير ورأس الأمر وعموده وأساسه فى حفظ اللسان والبعد عن جناياته على الناس بالوقوع فى أعراضهم والمشى بالنميمة ، والقول بالكذب والبهتان والسخرية. ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثر خطؤه قل حطؤه ومن قل حياؤه قل ورعه. ولكن لا يخلو اللسان من حسنات عظيمة أخرى فهناك اللسان الذاكر، والشاكر، والمستغفر، والحامد، والمسبح، وكان الصحابة رضى الله عنهم يلحظون أن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، كان ذكرا، وأن صمته كان فكرا .يقول د. عبد المنعم خفاجى فى كتابه (الإيضاح فى علوم البلاغة): عن أَسْوَدَ بنِ أَصْرَمَ الْمُحَارِبِيّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: تَمْلِكُ يَدَكَ؟ قُلْتُ: فَمَاذَا أَمْلِكُ إِذَا لَمْ أَمْلِكْ يَدِي؟ قَالَ: تَمْلِكُ لِسَانَكَ؟ قَالَ: فَمَاذَا أَمْلِكُ إِذَا لَمْ أَمْلِكْ لِسَانِي؟ قَالَ: لا تَبْسُطْ يَدَكَ إِلا إِلَى خَيْرٍ، وَلا تَقُلْ بِلِسَانِكَ إِلا مَعْرُوفًا. ويدور حوار جميل بين الصحابى المستفهم وبين الحبيب (ص) فيقول الصحابى: (فماذا أملك إذا لم أملك يدى؟ وهو سؤال إستفهامى غرضه الفهم والاستيضاح فقال النبي: «تملك لسانك» وهى جملة إنشائية توحى بالحث على الإمساك باللسان والسيطرة على عضلاته ، فقد جعل الله اللسان داخل قفصين قفص داخلى وهو الأسنان وخارجى وهو الشفتان حتى يكون اللسان مملوكا لصاحبه فلا ينطق به إلا بعد أن يفكر كثيرا فيما سيقول، وجاء رد النبى جامعا يؤسس على النهى مرتين (لا تبسط يدك إلا إلى خير) وهو أسلوب فيه قصر لعدم استخدام اليدين إلا فى طاعة. والنهى الثانى (ولا تقل بلسانك إلا معروفاً) وفيه قصر للكلام إلا ما كان فى معروف وطاعة. والبناء التركيبى هنا فيه بلاغة الربط ، وحُسن التقسيم، فجملة (تملك يدك) و (تملك لسانك) بنيت عليهما جملتا النهى، واحدة على اليد، والأخرى على اللسان. وقد يكون اللسان من أعظم أسباب دخول الجنة إذا حفظه صاحبه من السوء، وجعله رطبًا بذكر الله تعالى .