ثمرة الصدق في الآخرة هي الجنة, وفي الدنيا الطمأنينة, فالإنسان الصادق يطمئن لنفسه وإلي الناس, كما أن الناس يطمئنون إليه, وإلي ما يلقيه من خبر, أو يشهد به من شهادة, أو يعد به غيره, وهذا بخلاف الكذب الذي يصبغ صاحبه بالريبة, ويجعل موقف الناس منه في شكوك وأوهام, قال صلوات الله وسلامه عليه: «دع ما يريبك إلي ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة, والكذب ريبة». وتتشكل شخصية المسلم بالصدق في سائر الجوانب, وفي شتي المعاملات والعلاقات الإنسانية, ففي جانب الجهاد وطلب الشهادة في سبيل الله يبلغ المسلم بصدقه منزلة الشهداء وإن لم يستشهد قال صلي الله عليه وسلم: «من سأل الله تعالي الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات علي فراشه». فالصدق ينير للمسلم طريق البر فإذا به يسلك مسلك الأبرار, والبر يهديه إلي الجنة, ولكن الإنسان الذي يقيم بناء شخصيته علي الصدق, لابد له من غرس هذا الخلق في أعماقه وأن يتحراه في كل سلوكه ليثبت في نفسه, ويلتحم بطبيعته, ومن هنا يغدو تكوينه الأخلاقي, صادقا في كل ما يصدر عنه. ومن ألوان الكذب التي تفقد الثقة بالإنسان, وتسقط منزلته, القول بغير علم, وعدم الإخلاص في النصيحة, وخداع الناس, ومن الكذب قول الزور, وشهادة الزور, وهي من أكبر الكبائر, فشاهد الزور لا يفتري علي من يشهد عليه ويظلمه بإضاعة حقه فحسب, وإنما يمتد ظلمه وعدوانه, إلي من شهد له حيث أعانه علي جوره وطغيانه, وأساء إلي القضاء بمحاولته طمس معالم الحقيقة, وإخفاء جانب العدل نفسه, فقد باع دينه بعرض من الدنيا, وباع الدار الآخرة بدنيا غيره من الناس, أليس جديرا بأن يقرن قول الزور بالشرك في قول الله تعالي: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور». أما شخصية المسلم فإنها تتنافي مع الزور والكذب, ومن صفات المؤمنين الخلصاء والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما، كما تتنافي شخصية المسلم عن كل ما يوغر الصدور, ويلهب جذوة الشر بين الناس, أو يفرق بين شخصين كمن يتلون بلونين, ويظهر بوجهين, بغية إشعال الشحناء بين قلبين, فمثل هذا يكون من شرار الناس, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي: «تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين, الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه». وفي جانب المعاملات بيعا أو شراء إذا تحقق الصدق بورك في البيع قال صلوات الله وسلامه عليه: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا, فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. ويعني الإسلام ببناء الشخصية علي الصدق منذ فجر الصبا, ومقتبل الحياة, ويدعو الآباء والأمهات إلي تنشئة الأبناء عليه منذ صغرهم, وتعويدهم عليه منذ نعومة أظفارهم. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم