الروايات مثل الناس حتي بالنسبة للكاتب نفسه. توجد روايات محظوظة وروايات سيئة الحظ. ومن الروايات المحفوظية التي عانت من قلة الحظ, رواية: أفراح القبة. وأفراح القبة تحمل رقم38 في كتب نجيب محفوظ. ولا أقول في رواياته. نشرت1981, كانت الرواية السابقة عليها: عصر الحب. نشرت1980, والرواية التالية لها: ليالي ألف ليلة. نشرت.1982 ورغم المغامرة الفنية في أفراح القبة. فإنها لم تلق اهتماما نقديا ولا من القراء مثل رواياته الأخري. ربما كانت أقل منها قيمة فنية. ربما لأنها نشرت في سنة شهدت حدثا سياسيا مهما. فغطي الحدث علي الرواية التي صدرت العام نفسه. ورغم أن أحداث أفراح القبة تجري في السنة التي جرت فيها حرب التحرير الكبري, حرب أكتوبر. ومع هذا لا تتم الإشارة لهذه الحرب إلا بشكل عابر وغير مباشر. لدرجة أنها ربما لا يشعر بها كثير ممن قرأوا الرواية. والأحداث تدور في أجواء فرقة مسرحية تقدم بعض العروض. والعرض الذي تحمل الرواية اسمه: أفراح القبة. كتبه عباس, ويقدم من خلاله حياة الفرقة المسرحية التي قدمت عرضه. وتتداخل ظروف الحياة اليومية لأبطال العرض والعرض نفسه. ونجيب محفوظ هو نجيب محفوظ, مغرم بإطار بوليسي يقول من خلاله أفكار أبطاله وآرائهم في الحياة. ولأن كاتب النص هو نجيب محفوظ. فنحن نكتشف أن مفردات من حكوا الفصول المختلفة أو المونولوجات المختلفة يستخدمون مفردات قريبة الروح والمناخ رغم اختلاف من يروونها. يرفع طارق رمضان الستار عن رواية الحياة لأبطال العرض المسرحي: - سبتمبر, مطلع الخريف, شهر التأهب والتدريب. صوت سالم العجرودي المخرج يتدفق. يتدفق في غرفة المدير المغلقة النوافذ المسدلة الستائر. لا صوت يتطفل عليه إلا أزيز خفيف يند عن جهاز التكييف. صوته يمرق في إطار صمتنا اليقظ قاذفا بالصور والكلمات. نبراته ترق وتخشوشن, تتلون بشتي الأصباغ. محاكية أصوات الرجال والنساء. الفصل الثاني يحكيه كرم يونس, ملقن الفرقة, وهو والد عباس بطل العرض والرواية: - الخريف, نذير فهل نتحمل برودة الشتاء؟ عمر ينقضي في بيع الفول السوداني واللب والفيشار. وهذه المرأة التي قضي علي بها مثل السجن, لم نسجن في بلد يستحق غالبيته السجن؟ قانون مجنون لا يدري كيف يحترم نفسه. ماذا يفعل كل هؤلاء الصبية؟ أنتظر حتي تشهد هذه البيوت القديمة وهي تنفجر. التاريخ يحزن لتحوله إلي قمامة, المرأة لا تكف عن الأحلام. ولكن ما هذا؟ من هذا؟ شبح من الماضي. إلي بخنجر مسموم. ماذا تريد يا مستنقع الحشرات؟. حليمة الكبش, زوجة كرم يونس, ووالدة عباس كرم يونس, لها فصل تحكيه: - أولد من جديد, من جوف السجن إلي سطح الأرض. ويهل علي وجه عباس فأحتويه بين ذراعي, أدفن وجهي في صدره مثقلة بالعار والخجل. همست: - شد ما أسأنا إليك, ليت الموت أراحك منا. قال برقة: - ما يسيئني إلا كلامك. ونشجت باكية, فقال: - الآن يطيب لنا الشكر. دعينا نفكر في المستقبل. فقلت بصوت مخنوق: - وحيد يا بني. ابتلاك الله باسترداد زوجتك وابنك ونحن لم نرحمك. - ما مضي قد مضي. وعباس كرم يونس بطل الأبطال ومؤلف النص المسرحي, وزوج تحية التي سيصبح اختفاؤها حدث الأحداث في الرواية, يبدأ فصله: - البيت القديم والوحدة هما رفيقا عمري الأول. أحفظه عن ظهر قلب. بوابته مقوسة الهامة. شباك المنظرة ذو القضبان الحديدية. حجراته في الطابقين ذوات الأسقف العالية والعروق الخشبية الملونة. وبلاط أرضياتها المعصراني. أثاثه القديم الشاحب من الكنبة والشلت والحصر والأكلمة. وزجاج شراعات أبوابه بقطع ملونة بالأخضر والأحمر والبني. وأحياؤه من الفئران والصراصير والأبراص. وسطحه المغطي بحبال الغسيل مثل أسلاك الترام والتروللي باص. لم تكن المرة الأولي التي يستخدم فيها نجيب محفوظ رواية الأصوات في كتابة رواية. سبق له أن كتب: ميرامار, الصادرة1967 علي شكل رواية أصوات. ونالت من الشهر أكثر من أفراح القبة. لكن الرجل عاد بعد19 عاما لنفس الشكل الفني يكتب من خلاله نصا روائيا جديدا.كلاهما ارتبط بحدث كبير. ميرامار استبقت الحدث الكبير. نكسة الخامس من يونيو1967, كتبها نجيب محفوظ قبل الحدث بعامين. لكن تصادف نشرها في سنة وقوعه. أما أفراح القبة فتناولت حرب السادس من أكتوبر1973, كتبها بعد الحدث بأكثر من عامين. وجاء نشرها بعد النصر ب14 عاما. قال كرم يونس: - ما الفضيلة إلا شعار كاذب يتردد في المسرح, كيف زج بي في السجن في زمن الشقق المفروشة وملاهي الهرم؟!. لمزيد من مقالات يوسف القعيد