فى لقائه السنوى مع أبرز رجالات المال والسياسة والاعلام من مختلف البلدان والقارات استعرض الرئيس فلاديمير بوتين مواقف بلاده من اهم القضايا العالمية والاقليمية. اوجز الرئيس الروسى رؤيته تجاه اهم المشاكل التى تتناثر على طريق علاقات موسكو مع واشنطن وحلفائها، معترفا بان الولاياتالمتحدة "الدولة العظمى الوحيدة" فى العالم، فى الوقت الذى عاد ليطرح فيه انشاء "تحالف اقتصادى جديد" يجمع اسيا واوروبا. على نحو يجمع بين الجد والدعابة تنقل الرئيس بوتين فى لقاءاته مع المشاركين فى منتدى سان بطرسبورج من الازمة السورية الى الاوكرانية، الى علاقات بلاده مع الاتحاد الاوروبى والولاياتالمتحدة بما فى ذلك الموقف من الانتخابات الرئاسية الامريكية، مؤكدا لسامعيه ومشاهديه فى الداخل والخارج ثوابت مواقف بلاده تجاه كل هذه القضايا، دون ان يسمح لمحاوريه, وكان منهم نجم "سى ان ان" فريد زكريا الذى ادار الجلسة النقاشية الرئيسية للمنتدى، بالخروج عن "النص والسياق". حرص بوتين على تبديد كل ما اكتنف بعض مواقف موسكو من "غموض نسبي"، عزاه الى الاعيب خصومه فيما وراء المحيط، بل وفى فرنسا, حيث بطولة اوروبا لكرة القدم ساخرا من الاحكام التى صدرت بحق عدد من مواطنيه بتهمة الاعتداء على مشجعى الفريق البريطاني. اجاب الرئيس الروسى عن تساؤلات الكاتب الأمريكى فريد زكريا بشأن الموقف من الرئيس السورى بشار الاسد من خلال تأكيد دوره على خريطة التسوية السلمية للازمة السورية. حذر بوتين من مغبة احتمالات تفكك الدولة السورية والذى قال انه لابد ان يكون مقدمة لزعزعة الاستقرار فى المنطقة، بل وفى العالم اجمع، فى حال استمرار الازمة مؤكدا ان "موسكو لا تسعى إلى توسيع سلطة الرئيس السورى بشار الأسد، بل إلى تعزيز الثقة بين مختلف مكونات الشعب السورى من خلال إجراء مفاوضات سياسية". أكد موافقته على الاقتراح الأمريكى حول إشراك ممثلى المعارضة السورية فى حكومة الأسد، وإن دعا فى الوقت نفسه إلى التحلى بالحذر لدى التعامل مع هذه المسألة وعدم الانسياق وراء اهداف غير قابلة للتحقيق. ولم يغفل بوتين فى هذا الصدد ادانة "الثورات الملونة"، ومحاولات دوائر غربية بعينها اثارة الفوضى وعدم الاستقرار فى المنطقة، كما حدث فى اوكرانيا. واكد الرئيس الروسى فى هذا الصدد اهمية الالتزام باتفاقيات مينسك التى توصل اليها رؤساء بلدان مجموعة "نورماندى" فى عاصمة بيلاروس فى فبراير 2015، وهى الاتفاقيات التى تحاول كييف والدوائر الغربية تحميل موسكو مسئولية عدم تنفيذها، غير آبهة الى عدم صحة مثل هذا الطرح، لان الجانبين المتنازعين اى "الانفصاليين" والحكومة الاوكرانية هما الطرفان المدعوان الى الالتزام ببنودها وليس روسيا. ومضى بوتين ليحمل على الناتو مدينا كل ما يتخذه من اجراءات وخطوات بحثا عن "عدو محتمل" لتبرير توسعه على مقربة مباشرة من الحدود الروسية دون اعتبار لعدم وجود الاتحاد السوفييتى وحلف وارسو. اما عن الموقف من الاتحاد الاوروبى فقد اعاد بوتين ما سبق وقاله بضرورة اعلاء هذه البلدان لمصالحها، والتوقف عن السير فى ركاب "الصديق" الامريكي، مؤكدا ضرورة استئناف الحوار، واستعداد روسيا لإبداء المرونة اللازمة بهذا الشأن من اجل استعادة الثقة المستوى السابق للتعاون بين روسيا وهذه البلدان. وفى هذا الشأن طرح خطته حول التعاون بين الاتحاد الاوروبى والاتحاد الاورواسيوى ومعه الصين والهند وباكستان وايران بما يمكن معه سحب البساط من تحت اقدام الشريك الامريكي. وحول الموقف من المرشحين الامريكيين فى انتخابات الرئاسة انخرط بوتين فى جدل اتسم بروح الدعابة مع فريد زكريا مدير الجلسة النقاشية، حيث استهل رده على سؤاله بشان ما وصفه بتمييزه لدونالد ترامب، على حساب هيلارى كلينتون، بقوله: "انك معروف لدينا فى روسيا ليس بوصفك مقدم برامج متميز فى احدى اشهر القنوات التليفزيونية العالمية، بقدر ما نعرفك كعقلية ذات قيمة. فلماذا اذن تجتزئ ما نقوله حول ترامب خارج سياق مجمل الحديث عنه؟". ومضى بوتين ليؤكد تمتع ترامب بشخصية متوهجة، مُرَحِبًا بما قاله حول نيته إعادة العلاقات الجيدة بين واشنطنوموسكو، لكنه اشار فى الوقت نفسه الى ان بلاده سوف تتعامل مع الفائز من المرشحين تأكيدا لاحترامها خيار الناخب الامريكي، وإن انتقد النظام الانتخابى الامريكى الذى قال انه يتناقض مع الديموقراطية باعلائه مجمل اصوات المندوبين رغم تمثيلهم للاقلية كما حدث لدى انتخاب رئيسين سابقين للولايات المتحدة. ومع ذلك فقد خلص بوتين الى القول:"إن العالم وروسيا بحاجة إلى وجود دولة قوية كالولاياتالمتحدة"،التى اعترف لها بانها "الدولة العظمى الوحيدة فى العالم" وهو ما اثار دهشة الكثيرين التى لم يبددها ما قاله بعد ذلك حول "ضرورة عدم تدخلها فى الشئون الروسية والكف عن محاولات املاء ارادتها على روسيا، او عرقلة بناء علاقاتها مع أوروبا". اما عن وصف بوتين بان الولاياتالمتحدة هى "الدولة العظمى الوحيدة فى العالم" فهو ما يحار المراقبون فى موسكو وخارجها امام تفسيره، وإن اعتبره البعض "زلة لسان". على ان الاهم فى هذا الصدد يظل يكمن فى تركيز الرئيس بوتين على الاهتمام باعادة علاقات بلاده مع بلدان الاتحاد الاوروبي، على النحو الذى رأت فيه بعض الاوساط الصحفية الروسية، انه يجئ خصما من "اهتمامه التقليدي" بالصين التى طالما لجأ اليها، كلما اشتدت حدة علاقاته مع واشنطن وحلفائها الغربيين، كما حدث خلال الاعوام القليلة الماضية بعد اندلاع الازمة الاوكرانية. وقد رصد المراقبون مثل هذا التوجه فى تصدر رئيس اللجنة الاوروبى جان كلود يونكر، والرئيس الفرنسى السابق، وربما اللاحق، نيكولا ساركوزى لمنصة الحوار فى اليوم الاول للمنتدى، بينما تصدر ماتيو رينتسى رئيس الوزراء الايطالى منصة الحوار فى يومه الثانى على يمين بوتين، فى الوقت الذى اقتصر فيه تمثيل "الجبهة الشرقية" على نورسلطان نزاربايف رئيس قزخستان وعدد من رجال الاعمال الاسيويين، على عكس ما شهدته الدورتان السابقتان لمنتدى سان بطرسبورج. وفى سياق تمسكه بما سبق وسنًه من تقاليد لمنتدى سان بطرسبورج التقى بوتين فى ختام يومه الثانى ورغم ازدحام جدول اعماله، رؤساء ومديرى اهم وكالات الانباء العالمية ومنها "اسوشيتد برس" الامريكية التى سوف تحتفل قريبا بالذكرى السبعين بعد المائة لتأسيسها، و«رويترز» البريطانية التى يتداولون اخبارها فى 130 بلدا من خلال 19 لغة وغيرها، وهى الوكالات التى قال الرئيس بوتين انها تمد الاوساط الاعلامية العالمية بما يقرب من ثمانين فى المائة مما يتداوله العالم من اخبار. واذا كان بوتين اعاد على اسماع ضيوفه الاعلاميين الكثير مما سبق وقاله فان ما كشف عنه حول «السباق غير المعلن» بين موسكووواشنطن فى مجال التسليح ثمة من يتوقع ان ان يحتدم الجدل حوله فى الفترة القريبة المقبلة. وكان بوتين اشار الى ان موسكو "تعلم تقريبا فى أى سنة سيتمكن الأمريكيون من امتلاك صاروخ جديد قادر على قطع ليس 500 كيلو متر وإنما ألف كيلومتر، وما يزيد عن ذلك لاحقا، وانطلاقا من هذه اللحظة سيبدؤون بتهديد قدراتنا النووية"، وهو ما وعد بالرد عليه، مؤكدا ان واشنطن لم تكن تتوقع ان تنهض روسيا من كبوتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتى وانها لن تستطيع امتلاك ما يكفى من اسلحة لضمان امنها. وقال بوتين انه سبق واعلن ان بلاده بصدد استعادة قدراتها، وانها مدعوة الى العمل من اجل الحفاظ على التوازن الاستراتيجى مؤكدا "أن روسيا حققت نجاحا كبيرا فى تطوير أسلحتها الاستراتيجية. ومضى ليقول: "أعرف أننا نضطر إلى الرد. كما أعرف أنهم سيتهموننا بالسلوك العدوانى رغم أن ما سنقوم به لا يعدو كونه مجرد رد فعل. لكن من الواضح أننا ملزمون بالعمل من اجل الحفاظ على أمننا. وليس فقط أمننا، بل ومن الاهم الحفاظ على التوازن الاستراتيجى فى العالم.