على ألسنة كثيرين تشير الديمقراطية المرتجاة فى مصر والعالم إلى استيراد نموذج عملى موجود بالفعل فى مواقع رئيسية هى الولاياتالمتحدة ودول أوروبا الغربية. وهى تتأسس على مجموعة من الإجراءات الانتخابية والمؤسسات التمثيلية تمنح الشرعية للحكم السياسى وشروط وجودها فى حد أدنى عند مفكرين كثيرين هى المشاركة الواسعة فى مجرد الترشيح والتصويت من جانب العمال والطبقة الوسطى رجالاً ونساءً فى دورات انتخابية منتظمة، ولكن بعض الدارسين ينتقد وننواقص تشكل عقبات محددة فيما يسمى الوضع زالديمقراطيس السائد فى الولاياتالمتحدة وأوروبا ويرون أنه يحوى قليلاً من الحكم الفعلى للأغلبية وقدرًا كبيراً من حكم الأقلية، فهو يجمع المبدأ الانتخابى للجميع إلى واقع سيطرة عدد ضئيل من أصحاب رؤوس الأموال، فالمعادلة الواقعية هى أن يعطى الشعب أى العاملين حق التعبير عن آرائهم، ولكن من يحكم هم المنتمون إلى الطبقات المالكة لرأس المال أى أن العدالة الاجتماعية غائبة عن النموذج «الديمقراطي» الموجود بالفعل، فهو نظام حكم أقلية أوليجاركية مغطاة بآليات انتخابية تمنح الشرعية لحكم النخبة فاحشة الثراء التى تحتفظ بالامتيازات التنفيذية، والسيطرة على وسائط الاتصال والتسلط السافر على الأجهزة والمؤسسات. ومن المعروف أن النموذج الأمريكى مضرب المثل فى الديمقراطية تحول طيفه السياسى ابتداء من حكم ريجان فى 1980جذريا نحو اليمين، فما كان الوسط صار اليسار وما كان اليمين الأقصى صار الوسط صاحب الأغلبية، أما ما كان اليسار فقد اعتبر متطرفًا منحرفًا لا يتمشى مع الطبيعة الإنسانية مثيرًا للاستهزاء، ويرى دارسون لهذا التحول عواقب مكتسحة، فقد حجب العدالة الاجتماعية كمبدأ يحكم الإدارة الحكومية فى النظام الرأسمالي، كما منح امتيازات للشركات العملاقة والأثرياء على حساب الطبقة الوسطى والعاملة، وقد أدت هذه التغيرات إلى تضييق نطاق الاختيارات أمام الناخبين، ومن المعروف أن أموال الشركات وأموال أغنى الأغنياء هى التى تمول معظم الحملات الانتخابية الباهظة التكلفة، ويؤثر ذلك بطبيعة الحال فى اتجاهات تشريعات الفائزين فى الانتخابات، ولم تعد الولاياتالمتحدة تحالف كل أعداء الشيوعية فقد انتهت الحرب الباردة، بل صارت تميز بين من تسميه أصوليًا ومن تسميهم عتدلا، كما أن ما تعده معتدلاً هى الحركات التى تتعاون مع هيمنة الغرب، أما كل من يعارض السياسة الخارجية الأمريكية فهو عدو، وتأييد الأمركة ليس مجرد تأييد سياسى لواشنطن والنظام العالمى (الليبرالى الجديد) بل لا بد أن يتضمن ولاء لنماذج اقتصادية واجتماعية وطرق سلوك، ويرى منتقدو الوضع الحالى للديمقراطية فى العالم أنها تختزل الديمقراطية فى طقس انتخابى يقوم على تنافس بين أحزاب من الصعب التمييز بينها من أجل إدارة دولة ذات اتجاه سياسى وفكرى محدد مسبقًا، دولة رجال أعمال ووسائل اتصال حيث يتسع مدى الفوارق بين الأغنياء والفقراء إلى حد لم يسبق له مثيل داخل الدولة وفى العالم، إن أقل من سدس سكان الأرض يسيطرون على 80 فى المائة من ثروة الإنسانية كلها، وتعانى الدول النامية من ديون تفرض عليها أن تدفع مائة مليون دولار للدائنين الغربيين كل يوم. ويتساءل باحثون فى العلوم السياسية عن أسباب استمرار نظم سلطوية دكتاتورية ويرجعونها إلى عاملين سياسيين رئيسيين هما القمع الداخلى والدعم الخارجى الأمريكي، وقد تعاون الاثنان فى تأسيس دول استبدادية تخدم أجندة الولاياتالمتحدة فى المنطقة، وعلى النقيض فضل الرأى العام المصرى نظامًا للأمن الإقليمى فى ظل حكومة مصرية مستقلة تقبل بالتعددية السياسية وتحترم الحريات الفكرية والنقابية، ويرى باحثون فى العلوم السياسية أن السلطوية ظاهرة عالمية، والسلطوية فى مصر نتاج مشترك لمجموعة فاعلين من الداخل والخارج، وظلت الولاياتالمتحدة تسهم فى دعم النظم المعادية للديمقراطية فى العالم كله، ولم يكن هدف السياسة الأمريكية إطلاقًا الضغط على مبارك من أجل تغيير سياسته القمعية وإنما الضغط عليه لإبداء قدر أكبر من التعاون، أى أن نفوذ الولاياتالمتحدة لم يصب فى مصلحة قضية الديمقراطية، واتسع نطاق المنافع المتبادلة بين الولاياتالمتحدة ومصر ليشمل دعمًا اقتصاديًأ وتعاونًا دبلوماسيًا ومناورات عسكرية مشتركة وتبادل معلومات استخباراتية، وكما خدمت شبكة المصالح هذه أهداف الولاياتالمتحدة الأمنية فى الشرق الأوسط فإنها خدمت بالمثل مصالح النخبة الحاكمة فى مصر وساعدتها على الاحتفاظ بالسلطة، ولم يكن النظام المصرى شريكًا على قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة وإنما كان تابعًا للسياسة الخارجية الأمريكية. ويلاحظ كثير من الصحفيين تراجع الديمقراطية على نطاق العالم بواسطة قيود تزداد ثقلاً على الرغم من أن الوسائل الحديثة جعلت من السهل على أى فرد أن ينشر أى شيء على جمهور عالمى من حيث الإمكان، ولكن حينما تتحرك الصور والكلمات بهذه السرعة مخترقة الحدود ينشأ نزاع فى أغلب الأحوال، فلدى الأمم المختلفة أفكار مختلفة عما ينبغى أن يقال أو لا يقال، ما يعد حديث كراهية أو لا يعد أو يعتبر بذاءة، وما يسيء أو لا يسيء إلى مؤمنين بأعينهم أو ما يتعلق بحرية مناقشة أفكارهم دون مساس بهم، وقد جرت العادة أن تجيء تهديدات الحرية من الحكومات، ولكنها تجيء الآن أيضًا من جهات غير حكومية بقدر متساو. فالاتجاهات المتأسلمة المتعصبة تعاقب أى مناقشة حرة لأفكارها وممارساتها بالإعدام، وتعترض داعش على مجرد حق غير المسلمين فى الحياة وتذبح المسلمين وغير المسلمين بالجملة، ولا تسمح بأى شيء له علاقة بالديمقراطية فى خلافتها المزعومة، وتنشر كل الاتجاهات الإرهابية فى العالم مناخًا خانقًا معاديًأ للديمقراطية وترجح كفة القوى الدكتاتورية، وفى مصر يستاء كثيرون مما يتعرض له كتاب ونشطاء سياسيون من قيود على حريتهم فى التعبير. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى