لعل في مقدمة الأوليات في المهام والواجبات واللجان مراعاة القدرات والكفاءات, بقدر النظر للفئات والاتجاهات; للتأكد من تحقيق عنصر الكفاءة.وبخاصة أننا لسنا أمة ناشئة من فراغ. وعلي هذا فمن الواجب في هذا الشأن حتمية قراءة التاريخ قراءة جيدة لعلها تضئ طريق الحاضر, وتنير استقراء المستقبل, وتفيدنا من تجارب الأسلاف. يفرض هذا التصور نفسه, ونحن في مخاض لجنة الدستور,وانتظار ميلاد أعلامها,وبزوغ فجر نجومها. قد يحسن أن نسترجع من تاريخنا الحافل عبرمايقارب تسعين عاما مضت, وبالتحديد سنة1923, كيف تكونت اللجنة من خمسة وعشرين عضوا تنويريا تتكامل سماتهم وخبراتهم,وتتنافس بين: السياسي, والشيخ, والأديب والفقيه القانوني, والمفكر,, والمسلم, والقبطي. وتأمل تشكيل الأمس قد يفيد ويرشد ويوجه في تشكيل اليوم, ومن أعضائها: عبد العزيز فهمي رجل المحاماة والقانون والسياسة, ورئيس حزب الأحرار الدستوريين, ووزير الحقانية( العدل),ورئيس محاكم عدة, وعضو مجمع اللغة العربية, وكان من أعضائها: عبد الحميد بدوي, من أعلام القانون الذي تلقي دروسه في فرنسا, وكان قاضيا, ووزيرا للمالية ثم الخارجية, وعضوا بمجمع اللغة العربية.ومن الأقباط: يوسف سابا, وقليني فهمي, وتوفيق دوس,وغيرهم ممن لا نستطرد في ذكرهم.وأركز علي السكرتيرين الشابين في تلك المرحلة لنري دور الشباب وأهميته, وهما:الكاتب والمفكر أحمد أمين, الذي كان عمره37 عاما, والذي عمل قاضيا, وأستاذا, وعميدا جامعيا, وناقدا, وباحثا, ومفكرا, ومحققا للتراث العربي,وعضوا بمجمع اللغة العربية وكان الشاب الثاني السياسي الأديب المفكرمحمد حسين هيكل, الذي كان عمره35 عاما, والذي حصل علي الدكتوراه في القانون من فرنسا في موضوع( دين مصر العام),وكان أديبا رائدا لفن القصة, والسير الغيرية, والتاريخ, ومفكرا, ووزيرا, ورئيسا لمجلس الشيوخ ومن أبرز رجالات السياسة والثقافة. وفي تأمل السير الموجزة لهما ولغيرهما,وقراءة ما بين سطورها, وبين قرن وقرن, وعقود من الزمان ننظر; فنجد الظروف متشابهة, والمناخ متقارب بين الأمس واليوم, وما أشبه الليلة بالبارحة, كما يقولون, فالأخطار المحدقة المتربصة, تكاد تتشابه فيما بين التجربتين: السابقة, واللاحقة. أما المصري فواحد في الحالتين وشبابنا واحد في الموقفين, وفي الزمنين, وأما عضوية اللجنة فتعلو فوق المجاملة والمغازلة والاسترضاء, والاستفتاء, والاستجداء, وتفرض الالتزام بمعيار الكفاءة الملائمة في اختيار العضو المناسب في اللجنة المناسبة والمهمة المناسبة; حفاظا علي السفينة التي تمخر العباب, وتتصدي للعواصف وتستقبل الأمواج والأخطار,فهل يتأمل ركاب السفينة من فيها, وواقعها, وأحوالها,وما حولها؟, وهل يحسنون,من ثم, الاختيار؟!!. المزيد من مقالات د. يوسف نوفل