لم يصدر قانون الإيداع فى دار الكتب القومية إلا فى سنة 1954, وكل الكتب التى أودعت فى هذه الدار قبل هذا التاريخ كانت بجهود ذاتية حرة، لا يفرضها إلا الحرص على كيان الأمة وفكرها وذاكرتها. ومع هذا فإن الكتب التى اقتنتها الدار بميزانيتها الخاصة أو أهديت إليها من المؤلفين والناشرين، منذ تأسيسها فى أواخر القرن التاسع عشر، تعد بالآلاف. وبين يدى كتاب قديم عنوانه «حاضر المصريين أو سر تأخرهم» صدر فى أول القرن الماضى فى 1902 لكاتب يدعى محمد عمر، لم تعرف له مؤلفات أخرى غير هذا الكتاب الذى كتب مقدمته أحمد فتحى زغلول، مترجم كتاب «سر تقدم الإنجليز السكسونيين» للعالم الفرنسى الشهير أدمون ريمولاند، وفيه يعقد مقارنة بين أحوال الفرنسيين المتأخرة وأحوال الانجليز المتقدمة. أما كتاب محمد عمر، الذى يعترف فى مقدمته بأنه كتبه على غرار هذا الكتاب المترجم، فقد التفت الى العيوب فى مصر، وغض الطرف عن المحاسن والمزايا. ويمكن أن نعتبر أن الهدف من الكتابين، المترجم والمؤلف، واحد، وإن اتجه أحدهما بنظرة الى الجوانب الإيجابية، واتجه الآخر الى الجوانب السلبية. وتأكيداً لهذا المضمون يقول محمد عمر فى مقدمته: «أردت بجمع هذه الأدواء التى تضر بصحة أمتى أن أحث البقية الصالحة من الأمة، فتهب من غفلتها، وتلم شعثها، وترأب صدعها، وتسد خللها، وتبحث عن دواء نافع، وبلسم شاف، تداوى تلك الأدواء التى أثقلتنا ونحن عنها غافلون». ولاشك أن معرفة المؤلف العميقة والموسوعية بأحوال بلاده بكل طبقاتها وشرائحها المعلن عنه والمستتر، فضلاً عن معرفته الدقيقة بتاريخ الحضارة العربية والأوروبية، زوده بالمعارف الغزيرة التى يطالعها القارىء فى كتابه، وكانت وراء حرصه على التخلص من العيوب، وإحلال الجديد الملائم محل القديم البالى. واذا كان المؤلف يرد الكثير من ظواهر تخلف حاضر المصريين إلى عصر سابق، فماذا نقول نحن الذين جئنا بعده بعشرات السنين؛ سنين تحول فيها الكثير من الأحلام الماضية الى وقائع مادية، ولاتزال هذه الظواهر المشينة أو أغلبها كما هى، لم يستطع قرن كامل من الزمان أن يجهز عليها؟! وللقيمة التى يمثلها كتاب «حاضر المصريين أو سر تأخرهم» التفت إليه أحد الباحثين الأصلاء: الدكتور مجدى عبد الحافظ وأعد له دراسة مطولة، وصدر عن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة فى 2011. تناول الدكتور مجدى عبد الحافظ فى دراسته نص الكتاب وألحق به مانشر عنه فى مجلة «المقتطف» من مقالات, أو رسائل تلقاها المؤلف، تشيد بالجهد الذى بذله على مدى سنتين من البحث والمراجعة فى مادته الاجتماعية، وبيان ماتنطوى عليه هذه المادة من عيوب دعا الأمة للتخلص منها، فى شئون التعليم والثقافة والتجارة والصناعة والزراعة، وكل عوامل التمدن، دون اعتماد على الحكومة. وتشغل المرأة التى كانت تعانى من بخس التقدير، اهتمام محمد عمر الذى يرى أن ارتقاءها دليل على ارتقاء المجتمع، لأنها أساس كل تقدم، واستعبادها وصمة عار، تخالف كل ما تأمر به الأديان. لقد مضت إلى غير رجعة أزمنة العبودية التى كانت تعتبر وضع المرأة فى الرق وضعا طبيعيا، تفتقد فيه حق المواطنة والعدالة كفارة عن ذنوبها. ومن الواضح أن المؤلف معجب جدا بالأوروبيين الذين يفصلون الدين عن الدولة، أو على حد تعبيره لا يدخلون الدين فى المباحث الاجتماعية ويطالب المصريين بأن يتحلوا بالفضائل الفطرية والمعارف والخبرات التى ينطوون عليها، وأن يتخلصوا من العادات الذميمة. والكتاب بمضمونه ينقسم، كما ينقسم المجتمع المصرى، إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول يتحدث عن الأغنياء أصحاب الثروات الطائلة، ويأخذ عليهم إسرافهم الشديد الذى يؤدى إلى خراب قصورهم. كما يأخذ عليهم انصرافهم عن تربية أبنائهم، بتركهم للمربيات الأجنبيات، يلقنونهم ما يتناقض مع هويتنا وثقافتنا وإذا كانت مربيات الأولاد جاهلات كانت النتائج أسوأ. ويتضمن الكتاب إحصاء بعدد القصور التى خربت فى العاصمة والأقاليم فى السنوات الخمس السابقة على صدور الكتاب. ويتناول القسم الثانى من الكتاب الطبقة الوسطى التى تتعلق فى سلوكها وأخلاقها وطباعها بالطبقة العليا، مبددة طاقتها ومالها على الخمر والرقص والملاهى والمقاهى والحانات، فيما لا يعود بالنفع عليها أو على بلدها. ويبدو أن الكتاب على أهميته، لم ينل ما يستحقه من التقدير، ولا وُزع بالشكل الذى يتكافأ مع الجهد المادى الذى بذل فيه.. مما دعا المؤلف الى أن يصرح بأنه لو نفدت جميع نسخ الكتاب فلن يزيد العائد المادى له عن مليم واحد لكل ساعة من ساعات إعداده. ويأخذ محمد عمر على الكتب, التى كانت المطابع المصرية تطبعها فى المرحلة التى كتب فيها كتابه، كثرة ما فيها من أخطاء لغوية، ومن عدم العناية بالدقة فى التأليف والإخراج, والعديد من العيوب الأخرى المفسدة للطباع والخيال. أما عن الصحافة فيأخذ عليها خلوها من المباحث العلمية والأدبية والفلسفية، واقتصارها على النقيض منها فى القيمة الفنية والمبادىء السامية، ومؤازرتها للتعصب. ويشهد من قدم الكتاب أن جميع ما ذكره المؤلف من أسباب تأخر المصريين صحيح، ولم يأخذ عليه سوى أنه فى نقده لهذه الأسباب كان رفيقا، وإن كنت أعتقد أنها ميزة فى الكتابة- أو لعلها تكون ميزة- وليست عيبا. الكتاب: حاضر المصريين أو سر تأخرهم المؤلف: محمد عمر الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة