سعر الدولار فى مصر اليوم الإثنين 9 يونيو 2025.. الاخضر مستقر    وزير الري يتابع حالة محطات رفع المياه ومجهودات مصلحة الميكانيكا والكهرباء خلال إجازة عيد الأضحى    حماس تدين اعتراض الاحتلال لسفينة "مادلين" وتحمله مسئولية سلامة المتضامنين الدوليين    8 شهداء جراء إطلاق الاحتلال النار على المنتظرين للمساعدات غرب رفح الفلسطينية    متحدث حزب شاس الإسرائيلي: سنصوت يوم الأربعاء لصالح حل الكنيست    رونالدو يبكي بعد تتويج البرتغال بلقب دوري أمم أوروبا    العمل والتضامن تقرران صرف 300 ألف جنيه لأسرة السائق خالد شوقي ومعاش استثنائي بشكل عاجل    مكافأة للمتميزين وإحالة المتغيبين للتحقيق فى مستشفى المراغة بسوهاج    خامس يوم العيد.. هل الثلاثاء إجازة رسمية؟    أسعار الفاكهة اليوم الإثنين 9 يونيو فى سوق العبور للجملة    الشربيني: 3 قرعات لتسكين العملاء بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة    بشأن صفقة الموارد الطبيعية.. نائب أوكراني يعد دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة    تراجع أسعار الذهب مع آمال التوصل لاتفاق تجاري بين أمريكا والصين    وزير الزراعة يبحث مع محافظ سوهاج سبل تعزيز التنمية الزراعية ودعم المزارعين    طقس شديد الحرارة اليوم الإثنين 9 يونيو 2025.. العظمى بالقاهرة 36 درجة    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    ضيوف الرحمن يختتمون مناسك الحج برمي الجمرات في ثالث أيام التشريق    حدائق "الزراعة" تستقبل أكثر من 33 ألف زائر في ثالث أيام عيد الأضحى    التفاصيل الكاملة لحفل شيرين عبد الوهاب في ختام مهرجان موازين    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    تكثّف انتشار الفرق الطبية بالأماكن الساحلية والسياحية في عيد الأضحى    براتب 9400 ..إعلان 135 وظيفة شاغرة في قطاع الصيدلة و تسويق الأدوية    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    لأول مرة.. رحمة أحمد تكشف كواليس مشاهد ابنها ب«80 باكو» (فيديو)    عاهل الأردن يؤكد ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لتهدئة شاملة بفلسطين    الاحتجاجات تتصاعد في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «الوصول لأبعد نقطة».. ماذا قال خوسيه ريبيرو بعد خسارة الأهلي أمام باتشوكا؟    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    "لن يعود حيا" .."أبو عبيدة" يكشف محاصرة الاحتلال لمكان تواجد أسير إسرائيلي    صحة المنيا: 21 مصابًا ب"اشتباه تسمم" يغادرون المستشفى بعد تلقي الرعاية    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    وفاة شخص إثر إصابته بطلقٍ ناري بالرأس في مشاجرة بالفيوم    منافس الأهلي.. قفازات كوستا تقود البرتغال إلى لقب دوري الأمم الأوروبية (فيديو)    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    مُسيرات إسرائيلية تلقى مادة سائلة مجهولة على سطح السفينة مادلين    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    تريزيجيه يضع بصمته الأولى مع الأهلي ويسجّل هدف التعادل أمام باتشوكا.    باتشوكا يتقدم على الأهلي بهدف كينيدي    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    خالد عيش: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع يعكس الالتزام بالمعايير الدولية    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب عمره أكثر من مائة سنة وعنوانه: حاضر المصريين وسر تأخرهم
نشر في صباح الخير يوم 24 - 01 - 2012

«حاضر المصريين وسر تأخرهم» عنوان الكتاب الذى يدور حوله هذا الحديث، الذى بين يديك. ومن الطبيعى أن يخطر على بالك على الفور، أن الكتاب حديث النشر، وأنه يتكلم عن أسباب تخلفنا وفشلنا، إلى هذا الحد المخيف، فى الآونة الراهنة.
ولكن وللعجب، فإنه صادر منذ أكثر من مائة عام، فقد صدر سنة 1920.
وطبعته الثالثة أو الثانية فى الحقيقة صدرت منذ أيام، مع دراسة للدكتور مجدى عبدالحافظ أستاذ الفلسفة.
طبعا تنبهت أن بين الطبعتين أكثر من مائة عام.
وبالنسبة لى، فليست هذه هى المرة الأولى التى أسمع بها بالكتاب ومغزى صدوره.
فقد جاء ذكره فى كتابات بعض المؤرخين، الذين تناولوا تلك المرحلة من تاريخنا.
ولكنى لم أعرف محتواه ومادته وأهميته، إلا بفضل هذه الطبعة.
وقد أثير عجبك، إذا عرفت من محقق ومقدم الكتاب، أن النسخة الوحيدة المتاحة من الكتاب، قدمها له باحث ومستشرق فرنسى منذ سنوات، ولفت نظره إلى أهميتها وأهمية إتاحة قراءتها للمثقفين المصريين.
وأحسن أستاذ الفلسفة الفاضل أن اهتم بالكتاب وسعى إلى نشره وتقديمه لمواطنيه، لنعرف أن كتابا عظيم النفع، غزير المادة، عميق الرؤية، كتبه واحد منا ومن أجلنا، ولم نحتف به أو نقرأه، ونطبعه مرات، وبلغ الأمر بنا أن النسخة الوحيدة الباقية منه تصل إلى أيدينا عن طريق باحث فرنسى جاد ونبيل.
ومن بين القليلين الذين كتبوا عن الكتاب عند صدور أوائل القرن الماضى الصحفى الكبير خليل ثابت فى مجلة «المقتطف» وفى آخر عرضه المطول يقول:
«ومع أننى أتمنى للكتاب انتشارا يليق بأهميته وفائدته، واهتمام صاحبه فى وضعه، فإننى أخشى أن يكون سر تأخر مؤلفه المادى، لأن المجاهرة بالحق لا تكسب صاحبها سوى عداوة الخلق، لاسيما ما كان مجردا عن المدح والتملق.. وإذا لم ينتشر هذا الكتاب، فذلك من أكبر الأدلة على تأخرنا وعدم اكتراثنا لما فيه فائدتنا وتقدمنا».
وياللأسف! لقد تحققت نبوءة خليل ثابت، فإننا لم نهتم بهذا الكتاب بالدرجة التى يستحقها، وألقينا به فى بئر النسيان!
وقصة تأليف وصدور هذا الكتاب تستحق الرواية.
فقد كتبه صاحبه - وسأقول لك من هو فى آخر العرض - استكمالا لكتاب مترجم صدر فى ذلك الوقت - سنة 1898 - عنوانه «سر تقدم الإنجليز السكسونيين» لمؤلف فرنسى هو إدمون ديمولان، ومن ترجمة فتحى زغلول.
وفتحى زغلول من أعلام تلك المرحلة، التى سبقت ثورة 1919، ومن الذين مهدوا لها بكتاباته وترجماته وإسهاماته المختلفة.
وتشهد على جهوده قائمة الكتب التى ترجمها، ومن بينها العقد الاجتماعى لروسو، وأصول الشرائع لبنتام، وسر تطور الأمم للوبون وغيرها.
ولكن الحركة الوطنية، ومنذ تلك الأيام وربما إلى اليوم تتجاهله، بسبب سقطة لم نغفرها له، وهى مشاركته فى محكمة دنشواى.
وقد طاردته هذه السقطة، وحجبت كل جهوده، وما أكثرها فى رأى بعض المنصفين، وفى مقدمتهم لطفى السيد.
ولأن القضية التى كانت تشغله، وتلهب حماسه، هى قضية إنهاض مصر، فإنه بعد أن قرأ كتاب «سر تقدم الإنجليز» الذى كتبه الكاتب الفرنسى، لينبه مواطنيه، إلى أسباب تقدم الإنجليز عليهم، ويحثهم على بذل الجهد للتفوق والتجاوز.
وقرر فتحى زغلول أن يترجمه على الفور، ليقول لمواطنيه: انظروا إلى غيرة الرجل الفرنسى على بلده، ففرنسا وإنجلترا متقاربتان، وعلى نفس الدرجة، ولكن تفوق الإنجليز يدفع الفرنسيين إلى مضاعفة الجهد لكسب السباق. فما بالك بنا نحن!
* وسر تأخرنا
وتلقى هذه الرسالة وانفعل بها، صاحب الكتاب الذى نتحدث عنه، فقرر أن يتابع رسالة فتحى زغلول، وانقطع لتأليف كتاب موضوعه «سر تأخر المصريين».
وإذا كانت ترجمة فتحى زغلول قد ظهرت فى 1898 وكتاب «سر تأخر المصريين» صدر فى 1920، فسنوات قليلة تلك التى استغرقها تأليفه للكتاب.
والذى خرج من قلبه كما تخرج الرصاصة.
لابد وكأنه كان متحفزا لإلقاء هذا البيان، وكتاب فتحى زغلول فتح له الباب فقط. وكأنما كان مشغولا به طوال السنوات، ثم جاءت الفرصة فقط ليخرج من صدره.
قد يكون كتبه فى هذا الوقت القليل، ولكن مادته كانت تدور فى عقله ووجدانه طويلا.
فالكتاب حصيلة ملاحظات ومشاهدات ومحاورات وقراءات وزيارات ميدانية ومقابلات مع مسئولين وغير مسئولين، استخلصها وقطرها فى 300 صفحة، تلخص لقارئها أهم عيوبنا وسوءاتنا وكيف نخرج منها.
ولأنه يريد أن يتكلم المصريون جميعا، فى نفس واحد، فقد رأى أن المصرى إما أن يكون غنيا أو متوسط الحال أو فقيرا.
وصحيح أنهم يعيشون على نفس الأرض، ولكن حظوظهم وأوضاعهم وسلوكهم يختلف باختلاف الطبقة التى ولدوا فيها.
فاختار منهج الكتاب على ضوء هذا التقسيم، فهو ينقسم إلى ثلاثة فصول: الأغنياء، الطبقة الوسطى، الفقراء.
وبعد أن تنتهى من الأقسام الثلاثة سترى كأنك ترى مصر أمامك، فى أوائل القرن التاسع عشر، بعد الاحتلال الإنجليزى لعشرين سنة وقبل ثورة 91 بعشرين سنة.
وكل طبقة من الطبقات الثلاث وهى فى مختلف المواقع والنشاطات والاشتباكات: تعليمهم، زواجهم، وطلاقهم، أموالهم، مهنهم، مشاجراتهم، قضاياهم، تربيتهم لأبنائهم، صلاتهم، علاقتهم بجيرانهم، وأقاربهم وحكامهم، نظرتهم لجيش الاحتلال.. إلى كل ما فى حياتهم من الصباح إلى المساء. وهدفه أنه يكشف عن العيب الأصيل فى كل مواقفهم والذى يصنع فى النهاية، هذا المستوى المتدنى، الذى يوضع فيه البلد، بين بلدان العالم فى معراج التقدم.
* تحرير المرأة
ولكى تقدر حجم ودقة التحليل، فمن بين عناوين قسم الأغنياء:
زواج الأغنياء - تربية أطفال الأغنياء - تعليم بنات الأغنياء - دين أولاد الأغنياء - أوهام الأغنياء - سلوك الأبناء بعد موت الآباء.. إلخ.
وقسم الطبقة الوسطى فيه مثلا إلى: الجامع الأزهر - المدارس والتعليم - المحاكم الشرعية - الزراعة - الصناعة - الجرائد - الوطن والوطنية - الغناء والحماسة.. إلخ.
وقسم الفقراء فيه: زواج الفقراء - الفقراء وأطفالهم - كتب الفقراء - أهل الطرق والأذكار - الأوهام - السهرات.. إلخ.
وقد عرض مؤلف الكتاب لعشرات الملاحظات والانتقادات واقتراحات الإصلاح، وكلها تستحق التأمل والتوقف عندها.
وسأشير إلى بعض الهموم، التى تهيمن وتتخلل كل رسالته إلى شعبه:
وأولها توقفه عند حال المرأة المصرية، والجهل الذى ترسف فيه، وسجن البيت الذى تختفى وراءه، وأثر هذا الدور السلبى على علاقاتها بالزوج والأبناء ودورها الذى يتسم بالفقر والخواء وتدمير الأجيال التالية.
ولا فرق فى النظرة إلى المرأة بين طبقات الأمة جميعا.
ولا حل إلا بخروج المرأة إلى الحياة العامة، وتوقف عند كتاب قاسم أمين مشيدا به داعيا إلى قراءته واحتضانه ومتعجبا من الذين يهاجمونه ويرمونه بالكفر!
أما الدعوة إلى تعليم البنات، وفتح المدارس لهن فى كل أنحاء القطر فتتكرر بين كل صفحات الكتاب.
فهو يكتب:
«فالأغنياء منا لا يدركون معنى تعليم البنات، ولا يفهمون ما يلزم لها وينبغى أن تكون عليه، حتى تكون بناتهم غنيات بعقولهن وتربيتهن، يجمعن إلى وافر الثروة جودة العقل وطهارة الدين».
ويسجل بحزن عن تزاوج الأغنياء: «إن الزوج رجل بماله لا بصفاته، والزوجة بمثابة الطفل الذى لا يدرك ولا يعقل من حياته سوى المطعم والملبس».
ويؤكد أن التعليم هو طوق النجاة، وبنص عبارته: «تعليم البنت فرض من فروض الإنسانية وركن من أركان المدنية».
وحال تعليم البنات توضحه هذه الفقرة والإحصائية:
من مطالعة تقرير الإرسالية الأمريكية يظهر أن عدد البنات عندهم بلغ فى سنة 8981، 0273 بنتا كلهن من بنات الأقباط إلا قليلات يعددن بالعشرات من بنات الإسلام.. وكذلك يظهر من الكشف الذى أخذناه من ناظر المدارس القبطية أن لدى مدارس البطركخانة 524 بنتا ومن مدارس التوفيق 2500، أما لو أضفنا عدد البنات اللاتى فى مدارس الحكومة ومدارس الراهبات وغيرها، فبلغ عددهن ما يقرب من الثمانية عشر ألف بنت مصرية قبطية، مع هذا العدد العظيم لا يتجاوز عدد البنات المسلمات اللاتى يتعلمن 2500 بنت لقلة اهتدائنا لتعليم البنت أو توجيه العناية من موسرينا إلى إنشاء المدارس لها».
ولا تحمل الملاحظة السابقة ذرة من التعصب لدى كاتبها، فهو يوردها فى معرض أن الأقباط المصريين الذين كانوا مثل إخوتهم المسلمين قبل سنوات قليلة، يحرمون بناتهم من التعليم، لنفس الأسباب، غيروا رأيهم، وتفهموا أثر التعليم، وسارع كثير منهم إلى إرسال بناتهم للمدارس، ويشيد بحرصهم على قبول أبناء المسلمين فى مدارسهم دون تفرقة.
وأكثر من مرة يقول هذا بفخر وتشجيع واعتزاز، بل إن سعة أفقه تجعله يقترح الاستعانة بمدرسات من الشام مادام ليس لدينا عدد كاف منهن للتعليم.
إذ يبدو أن سوريا بسبب الإرساليات سبقتنا فى هذا الميدان.
* التعليم.. التعليم
إن تنبهه الدائم إلى أهمية التعليم، وفتح المدارس فى جميع أنحاء القطر، يكشف عن انشغال النخبة المدنية بهذه القضية، والذى جعلها بعد سنوات قليلة من صدور الكتاب تكتب لإنشاء الجامعة المصرية سنة 1980 .
وفى السنة التى صدر فيها الكتاب، كانت بمصر ثلاث مدارس ثانوية فقط، اثنتان بالقاهرة وواحدة بالإسكندرية.
وكان المؤلف يتحدث باسم النخبة، وهو يدعو إلى زيادة عدد المدارس من مختلف المستويات ويطالب الأغنياء بالتبرع لإنشاء المدارس.
فهذا التعليم العصرى المتجدد، هو الذى يجعلنا نبنى بلدنا وليس الأجانب الذين يحتلون كل المواقع، حتى التى لا تحتاج إلى خبرة وعلم كثير، وينبه:
«أين فينا النباتى والطبيب والكيميائى والمهندس والمؤرخ والصحفى والأديب والمنطقى واللغوى والحكيم وعالم الأخلاق والفلكى وعالم الزراعة وغير هؤلاء؟ نعم نحن لا نعدم نفرا منهم، ولكنهم قليلون بدليل أنه لو كان عندنا منهم عدد يكفينا لما وجد الأجنبى على هذه الكثرة التى نشاهدها».
وكان منتبها منذ ذلك الوقت المبكر إلى محتوى التعليم، فهو لا يدعو إلى أى تعليم، ولكن التعليم الذى ينمى الملكات ويربى القدرة على التفكير.
ولذلك ينعى على الأزهر أسلوبه فى التعليم القائم على التلقين والحفظ، وشعاره «اعتقد ولا تجادل» ووصف حال الرواقات والصحن وأماكن التعليم، وما يملؤها من قذارة وعدم اهتمام، وكيف رأى فى زيارته أن الطلبة «يحلقون شعورهم فى صحن الأزهر ويتركون الشعر يتطاير فى كل مكان»!
ويأخذ البناء الأخلاقى والسلوكى مكانا رئيسيا فى الكتاب.
إلى الحد الذى يمكن أن تحس معه، أن جوهر الفشل، يعود إلى ضعف الأخلاق الذى يبدأ من البيت ثم يغمر المجتمع من كل جوانبه.
وذكر الغش والاحتيال والجبن والجرأة على الكذب، والحالة الرديئة التى وصل إليها أصحاب الصنائع من حدادين وبرادين ونقاشين ونجارين، لا يعرفون قيمة الوقت وكثيرا ما أقدموا على الشروع فى عمل، قبل أن يتموا الذى قبله وأخلوا بترتيب أعمالهم، وهو من أشد الأمور اللازمة للصنائع».
وتعليقه على كتاب «سر تقدم الإنجليز» أن التربية الشخصية هى سر تقدمهم.
* الوطنية المصرية
وحين يتطرق للأسس المادية، فإنه يعتبر الاعتماد على الدولة والاتكال عليها وانتظار توزيعها للخيرات، هو مصدر الضعف والقعود، فما لم يبادر المواطنون جميعا لتولى المسئولية عن حياتهم وتحقيق الرفاهية، فلا تقدم.
ويرتبط بهذا المعنى تعبيره عن موقفه من الحوار الدائر فى تلك المرحلة، حول الهوية، وهل هى الجامعة الإسلامية أم الوطنية المصرية، وينحاز للمصرية بكل قوته على البيان، ويعلن بوضوح أن الدين أمر بين الإنسان وخالقه، وأما أمور الحياة فينظمها المصريون على قدم المساواة.
وفى تلك الفترة، حدثت احتكاكات بين المسلمين والأقباط، وأكثر من مرة دعا فى كتابه إلى التكاتف ونبذ الفرقة والتوافق على رابطة الوطنية المصرية التى يجتمعون تحت رايتها.
وفى الوقت الذى يدعو فيه إلى مصر المستقلة الناهضة، فإنه يضع خطا فاصلا بين مقاومة المحتل، وبين نقل مناهج الغرب والتعلم منه واكتساب أسرار نهوضه.
لا أعتقد أننى نجحت فى عرض وتلخيص هذا الكتاب الملهم إليك، والذى نفذ فيه إلى حالنا ومساوئنا، وكشفها أمامنا لنعرف داءنا، ونبدأ على الفور علاج أمراضنا.
بالضبط كما ذكر فى مقدمة الكتاب: إذا لم تخبر طبيبك بالذى يسوءك أبعدت الدواء عن السقم
وكان تشخيصه للداء دقيقا وشاملا، لم ينس حتى الحكايات والخرافات التى تحكيها الأمهات للأطفال بهدف تحذيرهم من الأخطار خارج البيت وكيف أن أثر هذه الحكايات عميق فى ملء نفوسهم بالخوف. وحين روى أمثلة من هذه الحكايات، تذكرت أنها لاتزال باقية إلى اليوم.
وقد سمعتها طفلا فى أربعينيات القرن الماضى.
ومازلت أذكر الحكاية التى كانت ترويها لنا الأخت الكبرى سلسبيل، عندما كانت تزورنا بعد زواجها، حكاية العفريت الذى يقابلك فى الظلام، على هيئة حمار، يغريك بركوبه، ثم يرتفع بك إلى عنان السماء ويلقيك على الأرض مهشما.
ولم تتصور سلسبيل أن هذا الحمار - أو العفريت فى الأصل - رسب فى أعماقى وإلى اليوم فإننى أرتجف خوفا إذا سرت وسط ظلام خال من البشر، متوقعا فى كل لحظة حمارا لن أفلت من قدرته على إغرائى بركوب ظهره.
وإذا كانت جهود النخبة المصرية لم تذهب كلها هدرا.
فإننا لم ننجح فى الحسم الذى يجعل طريق التقدم إلى الأمام لا رجعة فيه، وإذا كان كتاب «سر تأخر المصريين» يذكر بحزن:
«فمابالنا قد تركنا الأصل وهو السعى إلى التهذيب والإصلاح السياسى والتربية الحقة واشتغلنا بالقشر الذى هو الحجاب ووقفنا عنده مكابرة».
ولاتزال المكابرة ماثلة، بل اشتد عودها.
* من هو المؤلف؟
ونصل إلى تساؤل من هو مؤلف هذا الكتاب؟
مكتوب على غلاف الكتاب: تأليف محمد عمر من مستخدمى مصلحة البوستة المصرية.
ونعرف من محقق الكتاب أن سيرة حياة المؤلف مجهولة.
بل إن بعض الباحثين يعتقدون أنه لا يوجد مؤلف بهذا الاسم، وأن مؤلفه فى الغالب هو فتحى زغلول.
ويفند مجدى عبدالحافظ هذا الاعتقاد، ويؤكد أنه شخصية حقيقية، لكنها غير مشهورة.
ورأيه على الأرجح هو الصواب.
وحين عنّ لى أن أتخيل صورة هذا المواطن الفذ، فإننى أراه إنسانا ومواطنا رائعا، ثقافة وتكوينا وخلقا.
ولابد أنه حصل ثقافة على أرفع ما تتيحه له المرحلة التى ينتمى إليها، تظهر فى أسلوبه واقتباساته وتقييماته.
وأنه يعتنق وجهة نظر سياسية تقدمية فى أمور الوطن وقضاياه، ليس فيها لبس أو التواء. هو متدين يعتز بحضارته وهويته ولكن دون أى ذرة من التعصب.
يعتمد على مرتبه بمصلحة البوستة، وكما لاحظ خليل ثابت فى عرض كتابه الذى أشرنا إليه، أنه ليس غنيا، ولكنه مشغول إلى قمة رأسه بانتشال وطنه من وهدة التخلف.
لا يعرف أحد شيئا عن مولده وموته وعمله وسيرة حياته، ولكن كتابه هذا شاهد على أنه نموذج رائع لمثقف وطنى نبيل.
وقد أدى واجبه على أكمل وجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.