كلما أقبل شهر رمضان المبارك، وهل هلاله نرى كثيرا من المسلمين يتسابقون فى الخيرات وكأنهم ينتقلون من روضة إلى روضة لأنه شهر التنافس فى الخير، والتسابق فى ميدان العمل الصالح، فالتسابق إلى الخير سمة من سمات عباد الله الصالحين ونهج الصحابة والتابعين فهم أصحاب الهمم العالية وقد قيل سيروا مع الهمم العالية.. ويقول العلماء: تصدق بعض الأغنياء بمال كثير، فبلغ ذلك طائفة من الصالحين فاجتمعوا فى مكان وحسبوا ما تصدق به من الدراهم وصلوا بدل كل درهم تصدق به لله ركعة وهكذا يكون استباق الخيرات والتنافس فى علو الدرجات، وقد دعانا الإسلام إلى التنافس فى الخيرات والتسابق إليها قال تعالي: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ). ويقول الدكتور عاصم قبيصي، مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف، لنا فى النبي، صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة فى هذا الأمر، وفى الحديث الشريف: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال الصالحة؛ فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً، ويمسى مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)، وروى الترمذى بإسناد حسنه بعض أهل العلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمرّ). المبادرة بالأنفس ويضيف، أن النبي، صلى الله عليه وسلم يدعونا أن نبادر أوقاتنا وأنفاسنا وأعمالنا وحياتنا قبل أن نقع فى هذه الفتن، أو تقع بنا، قبل أن نرد عليها، أو ترد علينا، والعاقل من اجتهد، والكيس من دان نفسه، ووصف الله جل وعلا خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه، أولئك الثلة الأطهار الأخيار الذين حفظهم الله وتكفل لهم برحمته، وضمن لهم الجنة، وصف ربنا جل وعلا حال أنبيائه ورسله فقال عنهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) وما قالوا: نحن من أهل الجنة، وما قالوا: قد ضمنت لنا الجنة، وما قالوا: لن نكون من أهل النار، وما قالوا: قد ضمنا الأمان من زلل على الصراط، وقد ضمنا السلامة من كلاليب جهنم، وما قالوا: ضمنا فتن القبر، أو فتن الموت، أو مضلات الدنيا، بل سارعوا وبادروا وخافوا وخشوا، النبى إمامهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيدهم، يقوم الليل حتى تتفطر قدماه مسابقةً إلى الخيرات وطلباً فى الجنات، رغبةً إلى رب الأرضين والسماوات، فقام طويلاً، وتقول عائشة: [يا رسول الله أربع على نفسك] كأنها ترى أنه قد أضناه طول القيام، فيقول: (يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً). الهمة العالية وفى سياق متصل أكدت الدكتورة آمال محمد عبدالغني، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة المنيا، أن صاحب الهمة العالية والنفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية، وإنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التى لا تفنى ولا يرجع عن مطلوبة، ولو تلفت نفسه فى طلبه ومن كان فى الله تلفه كان على الله خلفه، لما سمع الصحابة رضى الله عنهم قول الله عز وجل: (فاستبقوا الخيرات)، كان أحدهم إذا رأى من يعمل عملاً يعجز عنه خشى أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات سبقه. فكان تنافسهم فى درجات الآخرة واستباقهم إليها كما قال تعالى: وفى ذلك فليتنافس المتنافسون، ثم جاء من بعدهم فعكس الأمر فصار تنافسهم فى الدنيا الدنية وحظوظها الفانية . قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك فى الدنيا فنافسه فى الآخرة. أعمال عظيمة للفقراء وأضافت، كان الفقراء من الصحابة كلما رأوا أصحاب الأموال منهم ينفقون أموالهم فيما يحبه الله من الحج والاعتمار والجهاد فى سبيل الله والعتق والصدقة والبر والصلة وغير ذلك من أنواع البر والطاعات والقربات، حزنوا لما فاتهم من مشاركتهم فى هذه الفضائل، وقد ذكرهم الله فى كتابه بذلك فقال تعالى: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون): ونزلت هذه الآية بسبب قوم من فقراء المسلمين أتوا النبى صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى غزوة تبوك فطلبوا منه أن يحملهم فقال لهم : لا أجد ما أحملكم عليه، فرجعوا وهم يبكون حزناً على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض العلماء : هذا والله بكاء الرجال بكوا على فقدهم رواحل يتحملون عليها إلى الموت فى مواطن تراق فيها الدماء فى سبيل الله ، وتنزع فيها رؤوس الرجال عن كواهلها بالسيوف، فأما من بكى على فقد حظه من الدنيا وشهواته العاجلة فذلك شبيه ببكاء الأطفال والنساء على فقد حظوظهم العاجلة.