نهى الشرع الحنيف عن الاسراف بجميع صوره وفى كل مجال ووقت، ودعا الى الترشيد والتوسط، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من علماء الدين والخبراء والمتخصصين من خطر ظاهرة الاسراف، فإنها يتكرر حدوثها فى شهر رمضان خاصة فى الطعام والشراب، مما يؤدى بدوره الى خروج الانسان من روح الصيام لانشغاله بملذات الجسم الفانية. من جانبهم استنكر علماء الدين السلوكيات الخاطئة التى تحدث من بعض المسلمين فى الشهر الكريم، خاصة الاستهلاك الزائد على الحد فى الماكل والمشرب، بل ورمى فضول الطعام والشراب في القمامة، ودعوا الى التوسط والترشيد باعتبارها فضيلة غائبة فى عصرنا الحالى. ويقول الدكتور سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة بطنطا، ان الدين الاسلامى الحنيف قد نهى عن الإسراف والتبذير، ودعا إلى الترشيد فى الإنفاق والاستهلاك، قال تعالى: «يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال سبحانه: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِين كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا»، كما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الاسراف فى ماء الوضوء حتى ولو كان الانسان على نهر جار. وأشار الى أن الإسراف فى تناول الطعام والشراب يؤدى إلى اختزانها فى الجسم، وتحولها إلى لحم وشحم وبدانة وبطنة، تقعد بالإنسان عن كثير من أعماله ونشاطاته، وقديما قيل: البطنة تُذْهِب الفطنة، وقد ورد عن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قولَتُه المشهورة، وحكمته المأثورة: إيَّاكم والبطنة؛ فإنها مَكْسلة عن الصلاة، مؤْذية للجسم، وعليكم بالقصْد فى قُوتِكم؛ فإنَّه أبْعَد عن الأثر، وأصح للبدن، وأقوى على العبادة، وإنَّ امْرَأ لن يهلك حتى يؤْثِر شهوته على دينه، موضحا ان الاسراف له من الآثار والعواقب الوخيمة على الصحة العامة للاشخاص، وايضا على اقتصاد الاسرة بوجه خاص وميزانية الدولة بوجه عام، والاضرار التى تلحق بالبيئة. ظواهر سلبية وأكد اننا فى شهر رمضان المبارك ، تبدو ظواهر سلبية تتنافى وما فى هذا الشهر الكريم من خصوصية، وان الاسراف فى شهر رمضان وغيره من الشهور والايام منهى عنه، فانفاق الأموال على هذه المأكولات والمشروبات، دون الاستفادة منها، مخالفة لتعاليم ديننا، وأمر ينكره الشرع ويحرمه ويزيد فى تحريمه الاسراف المنهى عنه. وأوضح انه يجب علينا ونحن فى الشهر الكريم ان نحرص على الالتزام بهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يظهر علينا أثر نعمة الله - سبحانه وتعالى - ولكن دون سرف، يقول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب ان يرى أثر نعمته على عبده»، وما أحوجنا فى هذا الشهر إلى ان نلتفت إلى ما نحن عليه من أمور سلبية وخاطئة فى حياتنا، فنتقى الله، وليكن شهر رمضان منطلقا وبداية لتصحيح هذه الأخطاء وان نحرص على عدم الاسراف والتبذير، وان نبدل هذه العادة السيئة إلى عادة حسنة، فنبقى على ما كان يطهى ويطبخ، ثم نقوم بتوزيعه على المستحقين من الفقراء والمساكين، أو اهداء الجيران أو المشاركة فى اطعام وافطار الصائمين فى المساجد والجمعيات. التوعية ضرورة وفى سياق متصل، يوضح الدكتور عبد الغفار هلال الاستاذ بجامعة الازهر، انه قد أصبحت هناك ضرورة عاجلة أن نقدم باستمرار لجميع أفراد المجتمع دروسا فى التربية والتوعية الاستهلاكية وآداب الطعام والشراب التى تقتضى عدم ملء المعدة بالطعام وترك ثلث للشراب وثلث للنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»، وكذلك دروس فى حسن إدارة الطعام، مثل التخطيط فى شراء المستلزمات الغذائية، وتقدير الكميات المناسبة عند إعداد الأطعمة سواء للأسرة أو للضيوف، وكذلك كيفية تجنب الإهدار فى بواقى الطعام، ومن دون إلقائها كمخلفات فى صناديق القمامة، وذلك من خلال كيفية المحافظة عليها بصورة جيدة وتخزينها فى الثلاجة لاستغلالها، وتجميع الأطعمة الجيدة السليمة لا الفضلات، فى أكياس وعلب بلاستيكية وإعادة تغليفها لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والتدوير الجيد لفضلات ومخلفات الأطعمة، ولن يتأتى كل هذا إلا من خلال برامج تربوية وحملات إعلامية جادة وفعالة، تركز على المعانى السامية الكثيرة لشهر رمضان، وتقضى على التصرفات والسلوكيات غير العقلانية المبالغ فيها فى الشراء والإنفاق من قبل كثير من الأفراد، واستثمار الأموال فى مشاريع خيرية تنهض بالفقراء والمحتاجين وتسهم فى القضاء على الجوع وتعضد وتقوى التكافل والتضامن والتماسك الاجتماعى وحل مشكلات المجتمع، حتى تصبح الأمة بحق مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.