تعددت الروايات حول بداية مدفع الإفطار. لكن الجميع اتفقوا على أنها بدأت في القاهرة. فقال البعض إن أول استخدام له جرى بالصدفة في أول يوم رمضان عام 865 ه، حيث كان السلطان المملوكي «خوش قدم» يُجرِّب مدفعًا جديدًا جاء إليه. واتفق أن أول طلقة خرجت منه كانت لحظة رفع آذان المغرب، فاختلط دويُّها الهائل باستهلالة الآذان «الله أكبر .. الله أكبر»، فاستحسنها الناس، وظنَّوا أنها مقصودة لتنبيههم بحلول ساعة الإفطار، ويبدو أن ذلك الالتباس كان سببا لتسميته لاحقا « مدفع الإفطار». وخرج الناس يستجلون حقيقة الأمر، وتوجهوا إلى مقر السلطان ليشكروه على تلك البدعة اللامعة، فاستحسن السلطان سرورهم، وقرر تثبيت فكرة إطلاق المدفع عند أذان المغرب طوال رمضان، وزادها بإطلاقه مرة ثانية قبل الإمساك عند السحور، واستدامت كسُنَّةٍ سنوية توارثها المصريون إلى الآن. وقيل إن زوجة السلطان كان اسمها «فاطمة»، وطالبها العامة بأن تجعل إطلاق المدفع عادة طوال رمضان، وكل عام، فوافق السلطان، وسماه الخلق «مدفع الحاجة فاطمة» إكراما لها لتدخلها لإرساء هذه العادة المحمودة. وظل المدفع يعمل بالذخيرة الحية كل عام، طوال رمضان، إلى عام 1859، ونتيجة الزحف العمراني نحو القلعة، اضطروا لاستعمال ذخيرة «فِشِنْك»، تصدر صوتاً مدوِياً فقط، من دون انفجارات حقيقية. وتغير المدفع أكثر من مرة خلال السنوات التالية، لكن اسمه ظل «مدفع الحاجة فاطمة». ووضعت منه خمس نسخ حول القاهرة، ليسمعه جميع سكان العاصمة الهائلة، وظل الحال على هذا إلى أن ظهرت الإذاعة، ولم توقفه بل ساعدت على إذاعة طلقة مدفع الإفطار عبر الأثير إلى كل أنحاء مصر، ليسمعها الناس في إٍقليم مصر في الوقت نفسه مع سكان العاصمة، ثم زادها التلفزيون انتشارا أوسع. وتذهب الحكاية الثانية إلى أن هذا المدفع كان هدية ل « محمد علي» باشا، وأن حادثة الإطلاق المتزامنة مع الإفطار حدثت معه هو و ليس السلطان «خوش قدم». والرواية الثالثة تقول أنها حدثت في عهد الخديوي إسماعيل، حيث تصادف أن بعض الجنود كانوا ينظفون مدفعهم ساعة الآذان، وخرجت منه طلقة بلا قصد منهم، فدَّوت في سماء القاهرة، وظن الناس أن الحكومة استنت أسلوبا مبتكرا، للإعلان عن اللحظة التي يجب أن يفطروا فيها، بجانب الآذان، ولم تكن مكبرات الصوت قد ظهرت وقتها، وصوت المدفع كان أعلى من أصوات المؤذنين، خاصة أنه يطلق من فوق جبل المقطم، من منطقة أعلى من كل مآذن القاهرة، ودوِّيُه في الفضاء يصل إلى كل الآذان. والأهم أنه يسبب البهجة للناس، وأعجبهم التقليد الجديد. والأعجب. تلك الرواية الشعبية حول عِلْم «الحاجة فاطمة» ابنة الخديوي اسماعيل بالواقعة، بأنها أشاعت السرور بين الناس، فقررت من فورها تحويل هذه الفكرة اللامقصودة إلى عادة دائمة، فارتبط بها المدفع وأسماه الناس «مدفع الحاجة فاطمة»، ثم «الحاجة فاطمة» فقط من دون كلمة المدفع، ولا يزال يُسمَّى به إلى الآن. ولأن القاهرة كانت حاضرة العرب والمسلمين، ومقصد المستشرقين، والرحالة، انتقلت منها فكرة « مدفع الإفطار» إلى أقطار عربية وإسلامية أخرى، مثل القدس ودمشق ومدن أخرى في الشام، ثم إلى بغداد أواخر القرن التاسع عشر، ومن هناك وصلت مدينة الكويت، وكان أول مدفع هناك في عهد الشيخ مبارك الصباح، عام 1907، ومنها انتقل إلى الدول العربية المطلة على الخليج قبل استخراج البترول، وكذلك انتقلت الفكرة إلى اليمن والسودان، ودول جنوب الصحراء الكبري، مثل تشاد والنيجر ومالي، وبعدها وصلت إلى شرق آسيا، حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944. وجرت العادة على إخراج المدفع من مخزنه قبل رمضان من كل عام على عربته ذات العجلات الضخمة، ثم إعادته بعد تنظيفه وتلميعه إلى ذات المخزن بعد انتهاء رمضان والعيد. غير أن هيئة الآثار المِصرية طلبتْ في بداية التسعينيات مِن وزارة الداخلية وقف إطلاقه، خوفا على القلعة والمِنطقة المحيطة، لأنها متحف مفتوح للآثار الإسلامية، وبعضها هشّ يمكن أن يتساقط بفعل دوي طلقات المدفع. فإطلاقه 60 مرة متتالية في شهر يمكن أن يكون له تأثير سيئ على الآثار.