التاريخ العريق لمدينة المحلة الكبري مع صناعة الغزل والنسيج, الذي جعلها تتربع علي عرش هذه الصناعة في مصر والشرق الأوسط كله, لم يشفع لها. وذلك نظرا لكثرة المشكلات التي تواجهها كمنطقة صناعية قديمة وتحتاج إلي نظرة خاصة جدا للحفاظ علي هذه الصناعة التي تميزت بها علي مدي عقود كثيرة. تحقيقات الأهرام انتقلت إلي قلعة صناعة الغزل والنسيج لترصد ما تعانيه من مشكلات جاءت علي لسان أبنائها, لتلخصها في أزمة العمال, وقلة الغزول, وارتفاع أسعارها, وزيادة أسعار الطاقة, وضعف البنية التحتية. في بداية جولتنا بالمدينة التقينا بالحاج محمد صاحب مصنع نسيج, فأوضح أن أكثر ما يعانيه الآن هو ارتفاع أسعار الغزل, سواء المحلي أو المستورد. ويري أن هذه الزيادات غير مبررة, ودائما ما يرجعها المسئولون إلي الأسعار العالمية. ويشير إلي أن أغلب الغزل الموجود في السوق هو الصيني والهندي والماليزي والفيتنامي, وتختلف الأسعار حسب الجودة. أما الأزمة الكبري فهي العمالة المدربة, ففي المحلة لا توجد بطالة, لكن يوجد شباب لا يريد أن يعمل في هذه الصناعة, والغالبية العظمي منهم يريدون العمل علي مكاتب وليس علي ماكينات, ونحن نعرض عليهم فرص التدريب والتعليم, لكن الكثير منهم يرفض, لذلك أري أن المحلة تحتاج إلي زيادة أعداد الطلبة في التعليم الفني, سواء الإعدادي أو الثانوي, وهذه المدارس كانت تخرج عاملا عالي المستوي في الصناعة لأنه كان يمضي ثلاثة أيام في الأسبوع داخل المصنع ليحصل علي تدريب عملي, وثلاثة أيام في المدرسة للدراسة النظرية, وهذه المدارس هي التي خرجت الكوادر التي اعتمدت عليها المصانع الحكومية الكبري لسنوات عديدة, ويعود سبب تراجع هذه المصانع إلي خروج هذه الخبرات معاش مبكر. ويضيف أن كثيرا من الشباب يرغب في الربح السريع ويهرب من العمل الشاق, فأغلب شباب المحلة يعمل الآن علي التوك توك, ويري فيه مشروعا مربحا جدا, وكذلك الدليفري. صاحب مصنع آخر أكد ما سبق, وأوضح أن العامل دائما يبحث عن مصلحته الشخصية, فعندما يجد يومية أكبر في مصنع آخر يترك مصنعه الحالي, بالإضافة إلي أن الكثير منهم يرفض أن يسجل في التأمينات أملا في الحصول علي وظيفة في شركة أو مصنع حكومي. أما أسعار الطاقة فتمثل عقبة أخري أمام هذه المصانع, فأسعار الكهرباء ترتفع بشكل ملحوظ كل فترة, وكذلك الأزمات التي تحدث بشكل متكرر في السولار والمازوت, وكذلك أسعار المياه, وهذه الخدمات تحتاجها بكثرة المصانع, خاصة المصانع التي لا تعمل بالمكن البخار! وعن أسباب تعثر المصانع الخاصة والصغيرة يقول ياسر صاحب أحد مصانع ملابس: إن السبب الأول هو ارتباط السوق بالموظف والفلاح, فإذا استطاع هذا المواطن أن يوفر من دخله مبالغ إضافية فهو يوجهها إلي شراء ملابس له ولأولاده, لكن لضيق ذات اليد قد يحدث ذلك مرة واحدة فقط في العام, وبالتالي تعد سوق الملابس والنسيج غير رائجة كما كانت في الماضي. هذا بالإضافة إلي أن العديد من المصانع تنتج أكثر من احتياج السوق, وهذا يكبدها خسائر فادحة, إذ يتعامل التجار مع المصانع بما يعرف بصفة الأمانة فيشتري منه الأقمشة وغيرها من المنتجات ويدفع ثمنها علي شكل دفعات شهرية, وفي نهاية الموسم إذا تبقي لديه شيء من المنتج يعيده لصاحب المصنع, وهنا قد يخسر صاحب المصنع مبالغ كبيرة في هذا المرتجع. مصانع صغيرة داخل المحلة يوجد العديد من المناطق الصناعية, منها منطقة الأعمي والبنا التي شاهدنا فيها العديد من المصانع الصغيرة التي لا تتعدي مساحتها ال40 مترا فقط, وتضم ماكينتين فقط يعمل عليهما ثلاثة عمال في ورديات, كل وردية8 ساعات, ويحصل العامل علي يومية قدرها خمسون جنيها, وتنتج هذه المصانع الصغيرة الفوط والملاءات, لكن الشوارع المؤدية لهذه المصانع تفتقر إلي الحراسة, فهي غير ممهدة بالمرة, لذلك يستخدم أصحابا والعاملون فيها العربات الكارو لنقل الغزول إلي داخلها أو خارجها, وأيضا العربات التي تجر باليد نظرا لأن العربات نصف النقل ترفض الدخول لهذه المناطق. وعلي النقيض تم تطوير شارع الجلاء الذي يضم العديد من المصانع الكبري ذات المساحات العملاقة, والذي كان يعاني سابقا من الصرف الصحي, وتم إنشاء شبكة كبري له, أما منطقة الراهبين فتعد من المناطق العشوائية التي كانت تضم مساحات من الحقول والزراعات التي اختفت لتظهر مكانها المصانع الصغيرة التي تعمل في صناعة الفوط والبطاطين والتيل وقماش نسيج تريكو. أما عدد المصانع الخاصة في مدينة المحلة الكبري فيبلغ1758 مصنعا تضم أكثر من عشرين ألف عامل, ونتيجة للأزمة المالية العالمية تعثر اثنان من هذه المصانع التي تعمل في مجال النسيج والملابس, و2003 عمال, ولم تستطع هذه المصانع التي كانت تعمل من الباطن لمصلحة المصانع الكبري أن توفر أجور العمال والمواد الخام, وتم صرف إعانة لها من صندوق الطوارئ.