«سيصدر التقرير حكما شديد القسوة على بلير»، وسيكون حكمه قاسيا على جاك سترو ومسئولين آخرين، وسيكيل الاتهامات لكبار المسئولين فى الأستخبارات، فلقد أرسلنا أشخاصا عديمى الخبرة إلى العراق، و"لم نكن ندرى ما نفعله، ووضعنا أشخاصا فى مناصب لم يكن من الممكن أن ينجحوا فيها وفشلنا فى إدارة محافظات الجنوب العراقيi وخرجنا مهزومين من البصرة. هذه بعض العبارات الاتهامية الدامغة ضد مشاركة بريطانيا فى غزو العراق عام 2003 والتى ينتظر أن يتضمنها تقرير السير جون شالكوت حول الحرب ومبرراتها والتمهيد لها وإدارة العراق بعد سقوط النظام العراقى السابق. أنه تقييم قاس لما يسمى فى بريطانيا ب «أسوأ» كارثة فى السياسة الخارجية منذ حرب السويس عام 1956". لكن هذه الأتهامات وهذا التقييم ليس كل شئ. فالنقطة الأهم والتى سيذكرها التقرير كما يعتقد الكثيرون هى "الألتزام المسبق الذى قطعه على نفسه" تونى بلير للرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فى مزرعة بوش فى تكساس عام 2002 بدعمه عسكريا فى غزو العراق، أى قبل أن يأخذ بلير رأى البرلمان البريطانى أو يفحص بدقة المعلومات الأستخباراتية المتوفرة ويتأكد من جديتها. ف"الألتزام المسبق" بالمشاركة فى الحرب بدون رأى البرلمان وبدون أدلة قوية هو انتهاك للقوانين الدولية، وما ترتب على الغزو من قتل عشرات الالاف من المدنيين العراقيين و179 جنديا بريطانيا هو جريمة حرب وجريمة ضد الأنسانية. ولكن وبعد سبع سنوات من التحقيق (أطول من الحرب نفسها)، وتقرير مكون من 2.6 مليون كلمة (أى أطول ب4 مرات من رواية "الحرب والسلام" للمؤلف الروسى ليو تولستوي)، وتكلفة بلغت أكثر من 10 ملايين جنيه استرلينى دفعها دافع الضرائب البريطاني، وإستجواب أكثر من 150 شاهدا، وتسجيل أكثر من 130 جلسة استماع، وتمحيص نحو 150 ألفا من الوثائق الحكومية المتعلقة بالحرب الكثير منها مصنف "شديد السرية" والبعض منها سينشر مع التقرير النهائى فى 6 يوليو المقبل، بعد كل هذا لن يرضى الكثيرون بتوجيه اللوم إلى تونى بلير منفردا. فالفشل الذريع هو فشل لكل المؤسسات فى بريطانيا، من حكومة بلير فى داوننج ستريت إلى البرلمان فى ويستمنستر إلى أجهزة الأستخبارات. وهو فشل للديمقراطية البريطانية، فقد خرج أكثر من مليون بريطانى فى تظاهرات حاشدة فى لندن احتجاجا على الغزو قبل حدوثه بأسابيع بدون أن يكون لرأيهم أى وزن. وكما يقول مصدر مطلع على جلسات التقرير فإن تقرير شالكوت سيتضمن انتقادات لاذعة لطريقة عمل المؤسسات البريطانية خلال تلك الفترة، موضحا أن أعضاء حكومة بلير "لم يكن لديهم الصورة الكاملة أصلا" حول الحرب ومبرراتها وما يمكن أن يترتب عليها، مشيرا إلى أن طريقة بلير فى الحكم عبر "أسلوب الاريكة" غير الرسمى وغير المتكلف قاد إلى أخطاء وسهو فى الفترة التى سبقت غزو العراق 2003. لا يتعلق التقرير، الذى طلبه رئيس الوزراء السابق جوردون براون عام 2009، فقط بكشف ملابسات التحضير لغزو العراق بدءا من صيف 2001، مرورا بالغزو عام 2003، بل يحقق أيضا فى كل قرارات ما بعد الغزو وحتى انسحاب القوات البريطانية من العراق عام 2009. وسينشر التقرير فى 6 يوليو المقبل، أى بعد أسبوعين من الأستفتاء المقرر فى بريطانيا فى 23 يونيو المقبل لتقرير البقاء أو مغادرة الأتحاد الأوروبي. والسبب فى تأخير صدور التقرير كما يعتقد الكثيرون لما بعد الأستفتاء، يعود إلى أن "الأب الروحى المعاصر" الداعم للمشروع الأوروبى وزير الخارجية الأسبق جاك سترو سيتم توجيه انتقادات عنيفة له فى تقرير شالكوت قد تؤثر على طريقة تصويت البعض فى الأستفتاء. ووفقا لمصدر مطلع على التقرير فإن شالكوت "لن يدع بلير يفلت من تقييم شديد القسوة" بسبب عدد من الحقائق على رأسها التعهد الذى قطعه بلير بدعم جهود بوش عسكريا فى غزو العراق قبل الغزو بأشهر عديدة، وقبل "ملف الأكاذيب" الذى نشر فى سبتمبر 2002، حول امتلاك النظام العراقى أسلحة دمار شامل يمكن اطلاقها على أهداف داخل بريطانيا خلال 45 دقيقة. وقال المصدر لصحيفة "صنداى تايمز" إن انتقادات عنيفة ستصدر أيضا بحق جاك سترو". التحضير للحرب والمبررات لها يأخذ حيزا مهما جدا من التقرير وسيلحق ضررا بالغا بسمعة عدد كبير من المسئولين خلال تلك الفترة على رأسهم بلير وسترو وريتشارد ديرلوف الرئيس السابق لجهاز الأستخبارات البريطانية "أم أى 6"، والذى سيوجه له التقرير اتهامات وانتقادات عنيفة بسبب فشله فى منع حكومة بلير من "تلميع الأدلة" والمعلومات الأستخباراتية الضعيفة بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة. أما الجزء الثانى من التقرير والمتعلق بما بعد الحرب والأخطاء الكبيرة التى وقعت بها قوات التحالف وعلى رأسها حل الجيش العراقى فسيكون أيضا شديد القسوة. وهو الجزء الأطول فى التقرير. وسيكون بلير وغيره من المسئولين البريطانيين الذين ستوجه لهم اتهامات وانتقادات لاذعة على دراية بتلك الاتهامات، عملا بقاعدة "ماكسويلساشن" القانونية التى تعطى المتهمين حق الرد على الاتهامات الموجهة لهم فى التحقيقات الرسمية قبل نشرها. كما سينتقد التقرير بشدة الأجهزة الأستخباراتية فى بريطانيا. وسيقول شالكوت فى استخلاصاته إن الأجهزة الأستخباراتية كان يجب أن تتصدى بشدة للمعلومات الأساسية التى أستخدمت للتبرير للحرب وعلى رأسها امتلاك العراق لأجهزة دمار شامل قادرة على الوصول لبريطانيا خلال 45 دقيقة. كما سيتحدث التقرير عن سوء الأعداد لما بعد الحرب وسوء أداء المسئولين العسكريين البريطانيين خاصة فى البصرة ويصف انسحاب القوات البريطانية من البصرة عام 2007 ب «المثير للحرج»، موضحا:"أخطاء فادحة أرتكبها كبار الجنرالات الذين كانوا يديرون البصرةوالمحافظات الجنوبية فى العراق". ويخلص التقرير فى هذا الجزء إلى أن سوء التقدير كان فادحا لدرجة أن القوات البريطانية كان لابد من أنقاذها على يد الامريكيين. وسيشير التقرير للعلاقة بين غزو العراق وولادة تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والتى تمددت لاحقا إلى سوريا وباتت تعرف ب «داعش». وبرغم الترقب البريطانى والدولى لصدور التقرير وتحميل المسؤولين الأساسيين المسؤولية عن الحرب، إلا أن هناك مخاوف من أن طول التقرير سيؤدى إلى تشتيت الأنتباه عن المتورطين عن الكارثة، إذ قد يتم توزيع اللوم بين سياسيين وعسكريين وعناصر استخبارات ومسئولين فى الخدمة المدنية. لكن بالنسبة للكثير فى بريطانيا هناك "جانى أساسي" يجب أن يعاقب على الحرب وهو تونى بلير. فقد دعا مثلا اليكس سالمون أحد أبرز الوجوه السياسية فى بريطانيا وعضو مجلس العموم والرئيس السابق للحزب القومى الأسكتلندى إلى محاكمة بلير إذا أكد تقريرشالكوت أن بلير التزم بمشاركة بريطانيا فى الحرب بشكل مسبق للتقارير الأستخباراتية حول امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل. وقال سالمون إنه سيجمع نوابا من مختلف الأحزاب السياسية فى بريطانيا لتمرير قرار من البرلمان بمحاكمة بلير. وأضاف:"إذا، كما أعتقد، أثبت تقرير شالكوت أنه كان هناك التزام مسبق من بلير لبوش خلال لقائهما فى مزرعة بوش فى كروفورد فى تكساس فى 2002... فإن هذا من شأنه أن يوفر الأسباب لمتابعة التحقيقات فى قرارات بلير". وتابع:"فى رأيى الشخصى فإن أفضل طريق هو اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية"، موضحا أنها يمكن أن تستفيد من الأدلة الواردة فى تقرير شالكوت لتحديد المسئولية الجنائية للفاعلين الأساسيين. بينما قال النائب فى مجلس العموم عن حزب المحافظين السير ديفيد اميس إن سالمون طلب منه المساعدة لتشكيل كتلة فى البرلمان تقود الدعوة لمحاكمة بلير، موضحا أنه إذا قال تقرير شالكوت إن بلير تورط فى تضليل الرأى العام البريطاني، فإنه سيدعم تحركا قانونيا بحق بلير. وأضاف:"أتذكر عندما توجهت للبرلمان للتصويت على قرار الحرب وكنت مصمما على التصويت بالرفض. لكن بعد الأستماع إلى كلام بلير حول أسلحة الدمار الشامل فى العراق، غيرت رأيى وصوت بالموافقة على الحرب. لكن منذ ذلك الحين، بات واضحا لى أنه تم تضليلي. لقد تم تضليل البرلمان البريطانى كله". تقرير شالكوت ليس هيئة قانونية ولا يحق له توجيه أتهامات رسمية، لكن إذا خلص التحقيق فى نتائجه النهائية، كما يتوقع الكثيرون، إلى أن هناك جرائم وأخطاء فادحة أرتكبت فإن تقرير شالكوت سيعلن هذا دون تردد مما يفتح الباب أمام محاكمات وفقا للقانون البريطانى والقوانين الدولية. لكن هذا التقرير حساباته معقدة داخليا ولا يتعلق فقط بالعدالة أو تعلم الدروس من تجربة دامية او محاسبة المتورطين فى انتهاكات. فزعيم "حزب العمال" جيرمى كوربن يريد أستخدام تقرير شالكوت للتخلص من بقايا "البليريين" (أنصار بلير) فى الحزب. وأنصار بلير سيعتبرون نشر التقرير إغلاقا لصفحة هذا الملف الملغوم. أما أنصار مغادرة الأتحاد الأوروبى فسيقولون إن بلير وسترو وبراون المؤيدين الكبار للبقاء فى الأتحاد الأوروبى "لا يمكن الثقة فيهم" بعد كذبهم الفاضح فى العراق وبالتالى لا يمكن الثقة فى رأيهم فى ملف العلاقات مع أوروبا. فى العام الماضى أعتذر بلير بشكل جزئى عن حرب العراق، قائلا فى مقابلة مع شبكة "سى أن أن":"ما أستطيع قوله هو أننى أعتذر لحقيقة أن المعلومات الأستخباراتية التى وصلتنى كانت خاطئة. أيضا أعتذر عن بعض الأخطاء فى التخطيط. وبالتأكيد أعتذر عن الأخطاء فى فهمنا لما سيحدث بمجرد الإطاحة بالنظام". لكن ما يرفضه بلير حتى اليوم هو الأعتذار عن شن الحرب ذاتها، فالأعتذار عن أخطاء وقعت خلال التمهيد والتحضير للحرب شئ، والاعتذار عن الحرب ذاتها شئ أخر تماما.