يواصل المخرج المبدع خالد جلال إضافاته المتميزة في ساحة المسرح المصري, لا بل في قضاء الفرجة المدهشة والمفرحة التي تستعيد لهذا البلد بهجته, بعد أن نسيها طوال خمس سنوات خلت. منذ أيام رأيت عمله الجديد( السلم والثعبان) في ختام المهرجان الثقافي لجامعة المستقبل وهو ما اعتاد عرضه بعد ذلك في المهرجان القومي للمسرح, والعمل مأخوذ عن مسرحية لكاتب بلغاري هو إستانسلاف إستراتيرف في زمن الحكم الشيوعي بعنوان( سترة من المخمل), والعمل من إعداد وأشعار د. مصطفي سليم, ورؤية وإخراج خالد جلال.. وهو يجسد علاقة الأنظمة السلطوية أو الشمولية بالمواطن, وافتراس البيروقراطية الإدارية أو السياسية لحقه في الحياة تحت وطأة إلزاماتها العبثية وجبروتها. في المسرحية.. اجتاحت البلاد موجة ممطرة باردة فذهب ثلاثة من الأصدقاء لشراء سترات, وكانت من نصيب أحدهم آخر سترة في المتجر, وهي ذات وبر كثيف سخيف جعله مسخرة للشباب الذين تعاملوا مع السترة كخروف ضال, فلجأ الرجل إلي الذهاب( للحلاق) لقصها فسخر أيضا منه وأسلمه إلي( الجمعية الزراعية) ليجزها هناك, فسجل كاتب المزرعة سترته علي أنها خروف, وفجأة جاءته رسالة حكومية تطلب منه دفع الضرائب علي خروفه, فذهب إلي( المؤسسة) ليشكو, وهناك تجلت بشاعة البيروقراطية المجرمة التي تبادلته من يد إلي يد ومن غرفة إلي أخري لنشاهد تجسيدا للفساد والرشوة, ورجل معلق في المصعد منذ عشر سنوات والمؤسسة عاجزة عن إنزاله بسبب ترهلها الإداري وعدم كفاءتها, وزوجة تطبخ في إحدي الغرف وأخري حامل وتلد في المؤسسة, وكل يعيش في اغتراب ووحدة حين يجبر علي الحياة وسط الصرامة الميكانيكية لنظام عقيم لا يعترف بالخطأ, ولا يريد فهم أن الرجل لا يملك خروفا بالفعل وإنما هي سترة, وخرج الرجل ليجلس أمام المؤسسة ويعترف بأن سترته خروف ويطعمها برسيما, فيقبض عليه رجال المؤسسة ليبلغوه تعيينه فيها وحل المشكلة بإيجبار موظف علي التقاعد وإقامة حفل وداع له والاستيلاء علي السترة وأكلها كأنها خروف وبما يثبت صحة الأوراق. روعة هذا العمل تكمن في أن فكرته تنطبق بالضبط علي أحوال حالية بعينها بمصر في صياغة فنية بالغة الإبداع والإحكام وأهنئ فيها إلي جوار خالد جلال.. مصمم الديكور حازم شبل, وواضعا الموسيقي والألحان أحمد طارق وشريف عبدالمنعم, ومصمم الاستعراضات مجدي صابر.. وكل شباب الممثلين من الطلبة شريطة أن يخفضوا أصواتهم ويتعلموا من تلوين الصوت الدرامي. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع