تحرك عاجل من التعليم بعد فيديو إهانة طلاب لمعلمة بالإسكندرية    أسعار البيض اليوم الجمعة 28 نوفمبر    وزير البترول يعلن حزمة حوافز جديدة لجذب الاستثمار في قطاع التعدين    انقطاع الكهرباء 5 ساعات غدًا السبت في 3 محافظات    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في بيت جن السورية    إعلام سوري: 10 شهداء في قصف إسرائيلي واشتباكات ببلدة "بيت جن" جنوب البلاد    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الزمالك وكايزر تشيفز بالكونفدرالية    تطور جديد بشأن تشكيل عصابي متهم ب غسل 50 مليون جنيه    إعدام 800 كجم أغذية فاسدة وتحرير 661 محضرًا فى أسيوط    لحظة استلام جثامين 4 من ضحايا حادث السعودية تمهيدًا لدفنهم بالفيوم    «شاشة» الإيطالي يناقش تحكم الهواتف المحمولة في المشاعر الإنسانية    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    «الرعاية الصحية» تطلق مسابقة «حماة الأرض للاستدامة بالقطاع الصحي»    الصحة: فحص 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    سعر طن الحديد بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 28نوفمبر 2025 فى المنيا    اجواء خريفية.....حاله الطقس المتوقعه اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025 فى المنيا    سعر الدينار الكويتي اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 أمام الجنيه    مستشفى بنها التخصصي للأطفال ينقذ حالتين نادرتين لعيوب خلقية    جنوب الوادي.. "جامعة الأهلية" تشارك بالمؤتمر الرابع لإدارة الصيدلة بقنا    بوتين: سنوقف الحرب ضد أوكرانيا فى هذه الحالة    10 شهداء خلال توغل إسرائيلى واشتباكات فى بيت جن السورية.. وقوات الاحتلال تنسحب    مصرع فتاة وإصابة أخرى صدمتهما سيارة ميكروباص بالبدرشين    السيطرة على حريق شقة سكنية بساقلته في سوهاج    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    "من الفرح إلى الفاجعة".. شاب يُنهي حياة زوجته بسلاح أبيض قبل الزفاف في سوهاج    ارتفاع حصيلة الفيضانات في تايلاند إلى 55 قتيلا    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    وزير البترول: حزمة حوافز جديدة لجذب الاستثمار في قطاع التعدين    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    يورتشيتش والشناوي يحضران المؤتمر الصحفي لمباراة بيراميدز وباور ديناموز    أبو ريدة: اللجنة الفنية تتمتع باستقلال كامل في اختيار القائمة الدولية للحكام    الذهب يرتفع صباح اليوم الجمعة وهذا العيار يسجل 6365 جنيهًا    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    أول صورة من «على كلاي» تجمع درة والعوضي    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    بيونج يانج: تدريبات سول وواشنطن العسكرية تستهدف ردع كوريا الشمالية    رسائل حاسمة من الرئيس السيسي تناولت أولويات الدولة في المرحلة المقبلة    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    ستاد المحور: عبد الحفيظ يبلغ ديانج بموعد اجتماع التجديد بعد مباراة الجيش الملكي    كورونا وسلالة الإنفلونزا الجديدة، موجة فيروسات تجتاح إيران واكتظاظ المستشفيات بالحالات    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    بعد أزمته الصحية، أحمد سعد يتألق في حفل الكويت تحت شعار كامل العدد (صور)    توقيت أذان الفجر اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    شروط حددها القانون لجمع البيانات ومعالجتها.. تفاصيل    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    رئيس التصنيع بالصيادلة: استهلاك مصر من بنج الأسنان يصل إلى 600 ألف عبوة سنويًا    طولان: ثقتي كبيرة في اللاعبين خلال كأس العرب.. والجماهير سيكون لها دورا مع منتخبنا    اليوم، ختام مسابقة كاريكاتونس بالفيوم وإعلان أسماء الفائزين    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    وزير الثقافة والمحافظ يشهدان ختام الدورة ال18 من ملتقى الأقصر الدولي للتصوير    الشيخ خالد الجندي يحذر من فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع وقيم الموروث الثقافي
عندما يكشف الأدب مواطن الخلل
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 05 - 2012

في عدد من مشاهد الدراما الإذاعية الكوميدية مسعود البرعي شعبان لكاتبنا الكبير عبد الرحمن فهمي تتفجر الكوميديا من خلال الحوار الهزلي بين الحلاق الفهلوي‏(‏ محمد رضا‏)‏ وصبيه‏(‏ سعيد صالح‏)‏ وصديقهما المشترك فراش إحدي الشركات‏(‏شفيق نور الدين‏). عندما يبدأ أحدهما في وصم الآخر بالانتهازية و الرجعية بمجرد نشوب أي خلاف عابر حول اقتسام البقشيش أو تسليم المظروف الذي نسيه أحد زبائن الحلاق.
وفي قصة فوزية البرجوازية لكاتبنا الكبير أحمد رجب تبدأ الأحداث بشجار سيدتين بسبب نقطه ماء سقطت سهوا من غسيل إحداهما.. ومع غياب لغة الحوار المشتركة والتحفز يبدأ حوار الطرشان بين السيدتين, الذي تنهيه السيدة المتعلمة وهي تغلق شرفتها في غضب بوصفها للسيدة الأخري بأنها برجوازية. وفي قالب كوميدي رائع يتتبع أحمد رجب دورة الكلمة وتحولات دلالاتها والتداعيات المصاحبة لذلك والأيدي الخفية التي تذكي نار الفتنة في الحي الذي لا يعرف الاختلاف أو التحيز إلا أثناء مباريات الأهلي والزمالك, ويصل الأمر في النهاية إلي انقسام سكان الحي الشعبي لمعسكر شيوعي وآخر رأسمالي, يخون كل منهما الآخر ويتهمه بالعمالة لجهات أجنبية لم يسمع عنها في حياته, وتنتهي القصة دون أن يدرك صاحب صالون البيت الأبيض أو بقال الكرملين حقيقة ما حدث وما سوف يحدث, بينما ينطلق الانتهازي الذي أذكي نار الفتنة سعيدا بغنيمته تاركا وراءه في الحي حربا لا يدري سكان الحي سببها وإن ظلوا يعانون نتائجها..
وفي ظني أن كلا العملين اللذين جمعا عددا من عمالقة الفن المصري و يعود تاريخهما لسنوات مضت قد مثلا شكلا كوميديا راقيا حيثتجاوزا حاجز الزمن, ليوصفا بدقة أحد أهم أسباب الخلل الثقافي و المجتمعي الذي لايزال في حياتنا حتي اللحظة. فقد وظف كل من عبد الرحمن فهمي وأحمد رجب فكرة المفارقة اللغوية والتلاعب بالألفاظ والشعارات واستخدامها علي مستوي الشارع, أحيانا النخب, في غير موضعها لخلق حالة شعورية معينة.. و لعل هذه المفارقة اللغوية تحديدا التي تقوم علي المزج بين كلمات لها دلالات متناقضة تماما للتدليل علي قضيه ليست مطروحة أصلا, تفسر لنا جانبا من الواقع الذي نعايشه الآن وحالة التشكك والبلبلة الثقافية والاجتماعية والنفسية علي مستوي الفرد. هذه البلبلة الفكرية أظن- أنها أحد أسباب تفشي عدد من الظواهر الخطيرة من قبيل ازدواجية الفكر والمعايير وتعميم الإحكام والوصول إلي نتائج تتناقض كلية مع المقدمات والاستدلالات المنطقية المسبقة و افتعال معارك يومية خائبة تستنزف الجهد والوقت, سرعان ما تتلاشي كفقاعة صابون دون أن تخلف وراءها أثرا أو تغييرا محسوسا. في هذا الإطار لا تختلف أو تتنوع آليات وأساليب المعارك بتغير الأماكن... فسواء وقع الاختلاف أمام موزع أنابيب البوتاجاز في إحدي العشوائيات أوفي قاعة مكيفة في مؤسسة كبري أو فندق خمسة نجوم أو أحد الاستوديوهات الفضائية, سرعان ما يتم خلط الأوراق وتحميل الكلمات والأفعال دلالات مبالغا فيها أو غير حقيقية, ليتحفز الجميع ولتبدأ معركة وهمية جديدة أبعد ما تكون عن أصل المشكلة أو السبب الحقيقي الذي وجد من اجله الجمع في ذلك المكان..
وهنا يقفز أمامنا سؤال: هل كان هناك علاقة بين ثقافة المجتمع و بين اللغة و فعل الكلام ؟! تشير الدراسات إلي أنه خلال الربع الأخير من القرن الماضي ظهرت4 اتجاهات لدراسة الثقافة, ركزت في مجموعها علي عوالم المعني و الرمزية و اللغة و الخطاب, و بالرغم من اختلافها من حيث الخلفية والأسلوب والمنهج إلا أنها أكدت بقوة علي اللغة والتعبير الرمزي.وقد أشار عالم الاجتماع يورجين هابرماس في دراساته حول التحليل الثقافي إلي أن أفعال الكلام تنقل رسائل ليس فقط عن البناء الشكلي للغة, ولكن أيضا عن أنماط الثقافة التي تنظم التفكير والتفاعل الاجتماعي. فاللغة, من منظوره, توفر المفاتيح الضرورية لتحليل الثقافة حيث إن الفرد يستخدمها ليرمز بها إلي أفكار المعاني التي تعكس ذاته. وبالتالي فمن خلال تحليل الخصائص العامة او الكلية المتصلة باللغة يستطيع الباحث أن يفهم بعض المعاني المرتبطة بمواقف معينة. وفي دراسته القيمة اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم يقول د.كمال بشر نائب رئيس مجمع اللغة العربية( اللغة مرآة عاكسة لكل نواحي الحياة, وهي الإنسان نفسه فقد قيل إذا فتحت فاك عرفناك. من هنا لا عجب إذا كانت العربية الآن تشكو الضعف والتفكك. فاللغة العربية في عصرنا علي حد تعبير د. كمال, مضطربة اضطراب أهليها فكريا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لغياب الثوابت الفكرية والانسجام الثقافي والاجتماعي. ويتجلي التنافر في المنظومة الثقافية إن وجدت وفي سلوك الإنسان العربي وفي الازدواجية وفي حياته الخاصة والعامة وفي نظرته إلي الموروث والوقت والانضباط والحياة).
و في ظني أن السطور السابقة تكشف بعضا من أسباب وأبعاد معطيات واقع سقيم لا يزال يدور بنا في فلك الأزمة ويفسر ما نشهده من معارك ونفخ في نيران لا يتولد عنها سوي المزيد من السحب السوداء التي تتكاثف لتحجب الرؤي بل تجبرنا علي غض الطرف عن جذور المشاكل التي نواجهها وتداعياتها. تتنافر سلوكياتنا وتتعارض مع أقوالنا وأفكارنا بداية من أساليب التعامل وطرق إعداد الطعام والملبس وصولا للتغريب الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لتستمر عجله الاغتراب والخواء في الدوران إلي ما لا نهاية.
ولأن الإصلاح والتغيير لا يمكن أن يتحققا إلا من خلال بناء ثقافي ومناخ عام ينبذ حالة الخوف والانسياق وراء أكثر الأشخاص قدرة علي التهييج والإثارة بعيدا عن المنطق والعقل, وصنع مناخ يؤمن بالتعددية الفكرية, ويعيد لحياتنا قيمة النظام والاتقان ولأن حق التفكير والإبداع والمحاولة والخطأ حقوق إنسانية تتخطي الحدود و ليست مجرد صناعه غربية, تظل الكلمة المحددة المعني أول الطريق فإما أن نتبناها, او فلنقنع بالبقاء في صالون الأوسطي مسعود البرعي شعبان أو حارة فوزية البرجوازية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.